العبقري هو أبدا وراء ما لاينتهي من جمال أوله في نفسه و آخره في جمال الأقدس
الذي مسح على هذه النفس الجميلة السامية
فما دام سر العبقرية فهو دائب يعمل ممزقا حياته في سبحات النور تمزيقا
يجتمع منه أدبه وما أدبه إلا صورة حياته وهو كلما أبدع شيئا طلب الذي هو أبدع منه
فلا يزال متألما
إن عمل لأن طبيعته لا تقف عند غاية من عمله و متألما إن لم يعمل لآن تلك طبيعة بعينها لا تهدأ إلا في عمل
وهي طبيعة متمردة بذلك الجمال الأقدس تمرد العشق في حامله إذ هما صورتان لأمر واحدا
فكل ما تجده في نفس العاشق مما يترامى به الى جنونه و هلاكه تجد شبها منه في نفس العبقري
فكلاهما قانونه من طبيعة وحدها إذ اتخذت حياته شكلها الفني من ذوقه هو وحده فليس يتبع طريقه أحد
بل هو في طريقة نفسه
وكلاهما مسترسل أبدا الى جمال مستفيض على روحه
يتقلب فيها باللذة و الألم يرجع إليه ويستمد منه
وكلاهما لا يجد المعنى الجميل في الطبيعة معنى بل رسولا من الجمال أرسل إليه وحده
و لايزال يشعر في كل وقت أن له رسائل و رسلا هو بعد في إنتظارها
فإذا مد عينه في شيء جميل فهناك سؤال و جوابه ووحي و ترجمته و مرور من يقظة الى حلم
و إنتقال من حقيقة الى خيال
غير أن طبيعة العبقري تزيد على كل ذلك ألما تنفرد به لا تستقر معه على رضا
فطبيعة كل عبقري تجهد جهدها في العمل لتخرج به مما يستطيعه
وهذا سر حريته و سموه كما انه سر ألمه و حريته
مصطفى صادق الرافعي