بسم الله الرحمن الرحيم
((يَسۡأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَاهَا قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّى لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتۡ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرۡضِ لاَ تَأۡتِيكُمۡ إِلاَّ بَغۡتَةً يَسۡأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنۡهَا قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكۡثَرَ النَّاسِ لاَ يَعۡلَمُونَ))
صدق الله العظيم
سورة الأعراف رقم الآية 187
– إجتمع نفر من اليهود وقالوا لنذهب إلى محمّد ونسأله عن القيامة فإن أجابنا عنها وحدَد لها وقتاً فإنّه كاذب وليس بنبيّ لأنّ الله لم يخبر بِها أحداً من الأنبياء ولم يحدّد وقتها في كتاب ، أمّا إذا لم يُجِبنا عليها وقال لا علم لي بوقت حدوثها فإنّه نبيّ صادق ، ثمّ دخلوا على النبيّ وسألوه ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ) يا محمّد (عَنِ السَّاعَةِ) أي عن الساعة التي تقوم فيها القيامة (أَيَّانَ مُرْسَاهَا) يعني في أيّ وقت يكون حدوثها ، وكان سؤالهم مبهماً وفي علم الله تعالى فهل أرادوا بذلك الساعة التي يموتون فيها أم الساعة التي يبعثون فيها أم ساعة ابتداء تلك الحوادث التي تقوم بسببها القيامة ، فأخبر سبحانه عن ابتداء حدوثها للأرض التي نحن عليها وهو قوله تعالى (أَيَّانَ مُرْسَاهَا) يعني أيّ وقت تقف الأرض عن دورتها المحورية وتستقرّ عن حركتها الدائمية ، فالأرساء معناه الوقوف والسكون والثبات ، يقال رست السفينة على الشاطئ أي وقفت وسكنت ، ومن ذلك قوله تعالى في سورة النازعات {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} أي أثبتها على الأرض (قُلْ) يا محمّد في جوابهم (إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي) ولا علم لي بذلك (لاَ يُجَلِّيهَا) أي لا يكشف حقيقتها وينجلي غطاؤها (لِوَقْتِهَا) يعني فيكشف عن وقتها متى يكون ومتى تقوم (إِلاَّ هُوَ) فإنّ الله تعالى يجلّي أمرها للناس في ذلك الزمان ويبيّن أسرارها ويعدّد لهم علائمها على لسان المهدي المنتظر (ثَقُلَتْ) أي ثقل أمرها على الناس وعظم شأنها لأنّ الله تعالى يتوعّدهم بِها ويخوّفهم بقيامها فمنهم مكذّب بها ومنهم خائف منها والكلّ لا يعلمون حقيقتها لأنّ الله تعالى أخفاها ليختبرهم ويرى أعمالهم لكي يجازيهم عليها بما يستحقّونه ، فقد قال الله تعالى مخاطباً موسى في سورة طه :{إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} . وقوله (فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي ثقل أمرها على أهل الكواكب السيّارة وأهل الأرض (لاَ تَأْتِيكُمْ) علائمها (إِلاَّ بَغْتَةً) يعني إلاّ فجأةً .
فحينئذٍ أخذ اليهود ينظر بعضهم إلى بعض نظر استجواب فقال بعضهم لقد استقصى أمرها وتتبّع أثرها في الكتب السماوية فعرف ذلك فقالوا كأنّك حفِيٌّ عنها يا محمّد ، فنزلت (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا) أي كأنّك استقصيت أمرها وتتبّعت أثرها حتّى عرفت ذلك ، وذلك من قولهم "حفّ الرجل شاربه" إذا أزال الشعر من أسفله ، وحفّت المرأة وجهها ، أي تتبّعت آثار الشعر فاقتلعته (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ) وهو الذي أخبرني بذلك ولست مِمّن درس الكتب ولا مِمّن تتبّع الآثار (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) يجهلون الحقّ و (لاَ يَعْلَمُونَ) الحقيقة .
من كتب المتشابه من القران لمحمد علي حسن