إن الحفاظ على حقوق الإنسان هو حجر الأساس في استقرار أي مجتمع، فأينما وجدت مجتمعًا مستقرًا وجدت إنسانًا مطمئنًا على حقوقه. وما لا شك فيه أن لتعليم حقوق الإنسان لكل فرد من أفراد المجتمع وإدخالها في ثقافته وتحويلها إلى واقع، مردودًا كبيرًا في تعزيز فهم حقوقه أولاً، واحترامها والحفاظ عليها والشعور بالكرامة والحرية ثانيًا مما يدفعه إلى المشاركة بفعالية في تنمية وطنه ورفاهية مجتمعه وحفظ السلام. وهذا ما أيدته التجربة.
إن الحصول على المعلومات هو حق من الحقوق الأساسية للإنسان التي كفلتها معاهدات ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية. فقد نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون أول (ديسمبر) 1948م على أن «لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود». كما نصت المادة 26 فقرة 2 على: «أنه يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، كما يجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن تؤيد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام».
كذلك فقد نصت المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن «لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. ولكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين».
وفي الاتجاه نفسه ذهب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذ جاء في المادة 1/13: «تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية وعدم المس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية».
بالإضافة إلى ذلك تحتوي العديد من معاهدات حقوق الإنسان على بنود تتعلق بتعليم حقوق الإنسان. وتشمل هذه البنود التعاهدية المادة 29 من اتفاقية حقوق الطفل، والمادة 10 من اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، والمادة 10 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، والمادة 7 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. وعلاوة على ذلك، طورت بعض الهيئات التعاهدية قواعد إرشادية عامة لإعداد التقارير والتعليقات العامة التي تتعلق بتعليم حقوق الإنسان، والتدريب والإعلام العام.
وقد قام إعلان الدار البيضاء للحركة العربية لحقوق الإنسان والصادر عن المؤتمر الدولي للحركة العربية لحقوق الإنسان والمنعقد في أبريل 1999م، والذي شاركت فيه المملكة، بإدراج نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعليمها ضمن المسؤوليات الملقاة على عاتق الحركة العربية لحقوق الإنسان (المادة 7).
ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الديباجة أن تعليم حقوق الإنسان ليس حقًا فحسب، بل مسؤولية أيضًا: «أن يسعى جميع أفراد المجتمع وهيئاته، واضعين هذا الإعلان نصب أعينهم على الدوام، ومن خلال التعليم والتربية، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات».
ماذا يعني «تعليم حقوق الإنسان»؟
يعد مصطلح تعليم حقوق الإنسان إطارًا عامًا يهدف إلى مساعدة الأشخاص على تنمية إمكاناتهم مما يمكنهم من فهم هذه الحقوق والشعور بأهميتها وبضرورة احترامها والدفاع عنها، ويحوي هذا الإطار في داخله جميع سبل التعليم التي تؤدي إلى بناء ثقافة حقوقية في المجتمع وتطوير المعرفة والمهارات والقيم المتعلقة بذلك.
عقد تعليم حقوق الإنسان (1995م ـ 2004م):
وقد جعلت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1994م العقد الذي يغطي الفترة من يناير 1995م حتى ديسمبر 2004م عقد تعليم حقوق الإنسان. وقد عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة تعليم حقوق الإنسان بأنه: «عملية شاملة ومستمرة باستمرار الحياة، يتعلم بوساطتها الناس في كل مستويات التنمية، وكل شرائح المجتمع، احترام كرامة الآخرين ووسائل ومناهج هذا الاحترام في كل المجتمعات».
ومن ناحية ثانية تم تعريف «تعليم حقوق الإنسان» بشكل عملي وتفصيلي من أجل غايات، العقد، بأنه: «جهود التدريب والنشر والإعلام، الرامية إلى إيجاد ثقافة عالمية في مجال حقوق الإنسان عن طريق تقاسم المعرفة والمهارات وتشكيل السلوك في سبيل:
1. تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
2. الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية وإحساسها بالكرامة.
3. تعزيز التفاهم والتسامح والمساواة بين الجنسين، والصداقة بين جميع الأمم والسكان الأصليين والمجموعات العرقية والقومية والإثنية والدينية واللغوية.
4. تمكين كل الأفراد من المشاركة بفاعلية في مجتمع حر.
5. دفع نشاطات الأمم المتحدة إلى الأمام من أجل حفظ السلم.
وقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات المهنية وكل قطاعات المجتمع المدني الأخرى، إلى تركيز جهودها في خلال فترة السنوات العشر من 1995م إلى 2004م على تعزيز ثقافة عالمية لحقوق الإنسان من خلال تعليم حقوق الإنسان والتدريب والمعلومات العامة.
واستجابة لذلك، فقد قامت جهات متعددة مثل منظمة اليونسكو ومنظمة العفو الدولية ببذل الجهود الكبيرة التي تسعى لتحقيق هذا الهدف. ولعل أهم هذه الجهود في المنطقة العربية، مؤتمر تعليم حقوق الإنسان الذي عقد في القاهرة في أكتوبر 2000م في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حول قضايا نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعليمها في العالم العربي، الذي شارك فيه ما يقارب من 120 مشاركًا من 28 دولة، 14 منها عربية. وقد تمخض هذا المؤتمر عن «إعلان القاهرة لتعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرها» الذي يحوي صياغة قد تكون مختلفة بعض الشيء، ولكنها أكثر وضوحًا لمفهوم حقوق الإنسان وأهداف تعليمها وثقافتها أوردها هنا:
أولاً: مفهوم تعليم حقوق الإنسان وثقافتها:
إن تعليم حقوق الإنسان هو في الجوهر مشروع لتمكين الناس من الإلمام بالمعارف الأساسية اللازمة لتحررهم من جميع صور القمع والاضطهاد، وغرس الشعور بالمسؤولية تجاه حقوق الأفراد والمصالح العامة. كما أن ثقافة حقوق الإنسان تشمل مجموعة القيم والبنى الذهنية والسلوكية، والتراث الثقافي والتقاليد والأعراف التي تنسجم مع مبادئ حقوق الإنسان، ووسائل التنشئة التي تنقل هذه الثقافة في البيت والمدرسة والهيئات الوسيطة، ووسائل الإعلام.
إن تعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرها هو عملية متواصلة وشاملة تعم جميع صور الحياة، ويجب أن تنفذ إلى جميع أوجه الممارسات الشخصية والمهنية والثقافية والاجتماعية والسياسية والمدنية. ومن الضروري لجميع المهن أن ترتبط بمقاييس أداء تلتزم بقيم تستلهم الحقوق الأساسية للإنسان.
إن تضافر المعرفة والممارسة هو الهدف الجوهري لتعليم ثقافة حقوق الإنسان ونشرها، إن تعليم حقوق الإنسان، إذ يغرس حس الكرامة والمسؤولية إلى جانب المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، يقود الناس بالضرورة إلى الاحترام المتبادل والمساعدة الجماعية والتأقلم مع حاجات بعضهم البعض وحقوقهم، كما يقودهم إلى القبول بالعمل معًا للتوصل بصورة حرة إلى صياغات مناسبة ومتجددة تضمن توازن المصالح والعمل المشترك من أجل الخير العام، دون حاجة إلى فرض سلطان العنف المنظم أو العشوائي الذي يصادر حريات الناس جميعًا.
ثانيًا: أهداف تعليم حقوق الإنسان ونشر ثقافتها:
1. تنمية الشخصية الإنسانية وازدهارها بأبعادها الوجدانية والفكرية والاجتماعية، وتجذير إحساسها بالكرامة والحرية والمساواة والعدل الاجتماعي والممارسة الديموقراطية.
.2 تعزيز وعي الناس ـ نساء ورجالاً ـ بحقوقهم بما يساعد على تمكينهم من تحويل مبادئ حقوق الإنسان إلى حقيقة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية، ورفع قدرتهم على الدفاع عنها، وصيانتها والنهوض بها على جميع المستويات.
3. توطيد أواصر الصداقة والتضامن بين الشعوب، وتعزيز احترام حقوق الآخرين، وصيانة التعدد والتنوع الثقافي وازدهار الثقافات القومية لكل الجماعات والشعوب، وإغناء ثقافة الحوار والتسامح المتبادل ونبذ العنف والإرهاب، وتعزيز اللاعنف ومناهضة التعصب وإكساب جميع الناس مناعة قوية ضد خطاب الكراهية.
4. تعزيز ثقافة السلام القائم على العدل وعلى احترام حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير، والحق في مقاومة الاحتلال، ودمقرطة العلاقات الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي، بحيث تعكس المصالح المشتركة للبشرية.
طرق تعليم حقوق الإنسان وتصميمها
ورغم أن نموذج المحاسبة على الأعمال هو الأكثر ممارسة من قبل منظمات حقوق الإنسان والناشطين في هذا المجال، إلا أن نموذج المعرفة والإدراك والوعي، الذي يركز على نشر المعرفة الأساسية بقضايا حقوق الإنسان وتعزيز اندماجها بالقيم العامة (كما في الدورات التدريبية والمناهج الدراسية والجامعية) قد يكون أكثر فاعلية على المدى الطويل في إحداث التحول الاجتماعي الإيجابي. وبعد التجربة الطويلة التي خاضتها منظمات حقوق الإنسان خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد فحص ومراجعة نتائج عملها في البلدان المختلفة وتقديمه خلال هذه الفترة، توصلت تلك المنظمات إلى قناعة مفادها أن الحد من انتهاكات حقوق الإنسان ينطلق من قاعدة أن أفضل وسيلة لصون حقوق الإنسان وعدم التعدي عليها إنما تكمن في توعية الناس بحقوقهم وتعليمهم كيفية الدفاع عنها في الوقت المناسب. وليس المقصود هنا نشر ثقافة حقوق الإنسان بين النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والنسوية، وإنما إيصالها إلى كل فرد من أفراد المجتمع وإدخالها في ثقافته وتحويلها إلى جزء يومي وحياتي فيها.
وعلى الصعيد الدولي، اضطلعت منظمات عالمية عديدة حكومية، كمنظمة اليونسكو، وغير حكومية، مثل منظمة العفو الدولية، وللجنة الدولية للحقوقيين، ومراقبة حقوق الإنسان، وأطباء بلا حدود، وغيرها بدور مهم في تعليم حقوق الإنسان ونشر ثقافتها، وذلك من خلال الإنتاج العلمي النظري والوعي بقضاياه وحل بعض المعضلات النظرية والعملية التي تواجه تطبيقها. هذا بالإضافة إلى عقد الدورات التدريبية وإعداد الأدلة والقواعد الإرشادية لدمج مفاهيم حقوق الإنسان ضمن المناهج الدراسية في مراحل التعليم الأساسية وحتى المرحلة الثانوية والجامعية والجهود الإعلامية.
وقد أكدت هذه المنظمات أننا نعيش في عالم متنوع باختلافات كبيرة بين مجتمعاته من النواحي التاريخية والحضارية والأيديولوجية، لذا فإن تصميم طريقة تعليم حقوق الإنسان يجب أن يرتبط بالقيم الدينية والثقافات المحلية وفي السياق الذي يتم فيه هذا التدريب، وفقًا لاحتياجات مختلف الفئات داخل تلك المجتمعات. وعند تصميم برنامج لطلبة المدارس، على سبيل المثال، فإنه لا بد أن يكون مختلفًا عن دورة معدة لضباط الشرطة أو للمسؤولين الحكوميين. كذلك، فإن تعليم حقوق الإنسان في دول العالم المتقدمة يتطلب نهجًا يختلف عن ذلك الذي يتبع في البلدان النامية، حيث يواجه المواطنون والحكومات ضغوطًا يومية على الموارد.
تعليم حقوق الإنسان في المراحل التعليمية الأساسية
إن قنوات نشر ثقافة حقوق الإنسان وتجذيرها في الوعي الجماعي متعددة، ولكن تظل المدرسة والحياة المدرسية هي المجال الأمثل لدعم مشروع من هذا القبيل. فالمدرسة مؤسسة اجتماعية لها وظائفها المحددة في التعليم والتنشئة والتأهيل، وتخضع أنشطتها للتخطيط وفقًا للأهداف المرجوة منها. وعندما تتضمن تلك الأهداف توعية المواطنين في طور التكوين بحقوقهم الإنسانية وبمسؤولياتهم تجاه حقوق غيرهم، فإن دور المدرسة في نشر ثقافة حقوق الإنسان يصبح حاسمًا بكل المقاييس.
لذا فقد قامت بعض المنظمات العالمية، كاليونسكو ومنظمة العفو الدوليةعلى سبيل المثال، بنشر أدلة وقواعد إرشادية للمعلمين وغيرهم ممن يتعاملون مع الأطفال والبالغين حول كيفية تعليم حقوق الإنسان للبالغين، أو التدرج بذلك في المنهاج الدراسي من مرحلة ما قبل الابتدائي وحتى المرحلة الثانوية.
وترى هذه المنظمات أنه يمكن العمل في مرحلة ما قبل الابتدائية والمراحل الابتدائية المبكرة على تنمية سلوكيات إيجابية تتعلق باحترام الآخرين والعدالة والتعاون، وقبول التنوع والتحلي بروح المسؤولية. وفي المراحل الابتدائية المتقدمة يمكن تناول المفاهيم والقيم السابقة على نحو أعمق، وإدماج أنشطة أخرى تدور حول المواطنة وحقوق المجتمع وقوانينه والصيغ المبسطة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل وهكذا.
ولعل منهجية المشاركة والتفاعل في عملية التعليم لدى الأطفال والبالغين (وليس التلقي السلبي) هي الأكثر ملاءمة عند تناول المهارات والمواقف والمعارف المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث تنطوي في كثير من الأحيان على العديد من وجهات النظر المختلفة حول مسائل معينة، وليس على إجابة واحدة «صحيحة».
وقد يساعد الشكل (1) على رؤية العلاقة القائمة بين المهارات والمعارف والمواقف والمنهجية، ويشتمل المربع (1) على أمثلة لبعض المهارات والمعارف والمواقف وأهميتها للطلبة.
مربع (1) أمثلة للمهارات والمعارف والمواقف المتعلقة بحقوق الإنسان وأهميتها بالنسبة للطلبة.
المهارات: من قبيل الإصغاء إلى الآخرين، وإجراء تحليل أخلاقي، والتعاون، والاتصال، وحل المشكلات، والاعتراض على الوضع القائم. وتساعد هذه المهارات الطلاب في المسائل التالية:
ـ تحليل العالم المحيط بهم.
ـ تفهم أن حقوق الإنسان هي طريقة لتحسين حياتهم وحياة الآخرين.
ـ العمل من أجل حماية حقوق الإنسان.
المعارف: من قبيل معرفة وجود وثائق لحقوق الإنسان ومعرفة الحقوق التي تتضمنها تلك الوثائق وأن هذه الحقوق غير قابلة للتصرف، وتنطبق على جميع البشر ومعرفة عواقب انتهاك حقوق الإنسان. وتساعد هذه المعارف الأطفال على حماية حقوقهم وحقوق الآخرين كذلك.
المواقف: من قبيل أن حقوق الإنسان ذات شأن؛ وأن الكرامة الإنسانية متأصلة في جميع البشر؛ وأنه ينبغي احترام الحقوق؛ وأن التعاون أفضل من الصراع؛ وأننا مسؤولون عن أفعالنا؛ وأننا نستطيع أن نحسن عالمنا إذا حاولنا ذلك. وتساعد هذه المواقف على تنمية الأطفال أخلاقيًا، وتعدهم للمشاركة الإيجابية في المجتمع.
تجربة الدول المختلفة في مجال تعليم حقوق الإنسان
أشار التقييم العالمي الذي أجراه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في منتصف العقد (1999م) لتقييم التقدم الذي حصل في النصف الأول، إلى أنه نادرًا ما تم وضع استراتيجيات فعالة لنشر ثقافة حقوق الإنسان على المستوى الوطني بشكل عام، رغم أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد أعلنت بالإجماع دعمها عقد تعليم حقوق الإنسان، كما صادقت على معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي تحوي بنودًا حول حقوق الإنسان.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمات غير الحكومية كانت (ومن المؤكد أنها ما زالت) تمثل فاعلاً رئيسًا في مجال تعليم حقوق الإنسان، ولكن هناك حاجة لزيادة التعاون والتنسيق بين أدوار المنظمات الحكومية وغير الحكومية فيما يتعلق بأنشطتها لتعليم حقوق الإنسان.
ويؤكد تقرير مكتب المفوض السامي الصادر في نهاية فبراير 2003م الأمور الثلاثة التالية:
أولاً: الحاجة إلى تدريب العاملين في مجال تعليم حقوق الإنسان تدريبًا شاملاً وموجهًا حسب وظائفهم.
ثانيًا: هناك فئات مجتمعية بحاجة إلى أن تعطى الأولوية في تعلم حقوق الإنسان، وهم المسؤولون في القطاعات الحكومية، والإعلام، ومجتمع المال والأعمال.
ثالثًا: الحاجة إلى وضع مؤشرات الجودة وأنظمة التقييم لقياس أثر أنشطة تعليم حقوق الإنسان.
وبخصوص تعليم حقوق الإنسان في المدارس على وجه التحديد، تشير دراسة من جامعة أونيونتا في نيويورك عام 2000م إلى أن 40% من مدارس الولايات المتحدة المشمولة في الدراسة تعتمد مادة حقوق الإنسان ضمن برامج التعليم القياسية فيها، وتربطها بمواضيع أخرى.
أما في العالم العربي، فقد أشارت دراسة تقييمية لمحتوى الكتب المدرسية ألقيت في الندوة العربية حول التربية على حقوق الإنسان في بيروت في 1997م شملت عشرًا من الدول العربية التي صادقت أساسًا على العهدين الدوليين، أشارت الدراسة إلى أنه كان هناك بوادر اهتمام بتدريس مبادئ حقوق الإنسان ضمن مضامين النصوص التي وردت في الكتب المدرسية. ولكن هذه البوادر ليست ذاتها في كل البلدان العربية، والخطوات ليس بالنسق والسرعة نفسيهما، ولا بالطريقة نفسها في كل مواد التعليم وفي جميع سنوات التدريس. ولا تدرس مادة حقوق الإنسان بوصفها مادة مستقلة في جميع أطوار التعليم. وفي أفضل الأحوال يتم تعليم حقوق الإنسان بشكل صريح ومباشر من خلال مادة التربية المدنية (في التعليم الأساسي والثانوي) ومادة حقوق الإنسان (في التعليم الجامعي) كما في تونس، ولكن في معظم الأحيان يمكن استخلاص بعض الإشارات لحقوق الإنسان في مادة التربية المدنية أو الوطنية أو المواد الدراسية الأخرى في مراحل التعليم المختلفة، أي أن نشر المبادئ والقيم المتصلة بحقوق الإنسان يتم ضمنيًا وبشكل غير مباشر، باستثناء كليات الاقتصاد والعلوم السياسية في معظم الدول العربية.
وعلى أي حال، فقد يكون وجود مقرر منفصل لحقوق الإنسان ضمن مقررات التعليم أمرًا يباعد بين طلابنا وتشكل القناعة بمبادئ حقوق الإنسان، ويحولها إلى معلومات جافة يحفظها الطلاب دون أن يعني فهمها شيئًا كبيرًا بالنسبة لهم.
ولعل الأسلوب المناسب لتعليم حقوق الإنسان هو إشاعة مناخ عام في جميع المؤسسات التعليمية يؤمن بحرية الفكر وحرية الرأي واحترام حقوق الإنسان بين الطلاب والمعلمين والإدارة، ومن ثم السعي لدراسة التجارب الناجحة والرائدة لنشاط حقوق الإنسان داخل مدارس الحكومة والاستفادة من الأدلة والقواعد الإرشادية التي صممتها المنظمات العالمية لدعم المعلمين.