أن أكون حرا
أريد أن أكن حرا ولا أريد أن أكون وحيدا.
فلست حين أقول لكم: (أنا حر) أعني: (ابتعدوا عني) لا لم أرد ذلك.
ولست حين أخوض معكم أزهد في حريتي وألقي بذاتي تحت أقدامكم.
فأنا أدرك جيدا أن الحرية بغير الآخر ضرب من ضروب الاستعلاء.
وأن الخوض مع الآخر بلا رأي عبودية للبشر وفناء أشبه شيء به فناء الحجر.
****
الحرية …. أكبر كثيرا من مجرد لفظ …. قد تكون معنى … معنى لا حدود لما يمسه… هي دفق الحياة … في كل بستان لها شجرة وفي كل نار لها قبس وفي كل نفس لها صدى وفي كل ثورة لها صيحة وفي كل خلق لها طبقة.
دالت من أجلها دول، وقوضت بسببها ممالك، وسادت شعوب لم يكن في حسبان أن تسود، وعانقت رايات هواء المجد والكرامة وكانت ملفوفة بغبار الخزي والمهانة تحسب أنها تذوق البلى قبل أن تحلم بمجرد الخفقان على نغم الاستقلال.
هي سبب كل نزاع صغير وكبير وعلى محورها يدور كل حوار وضيع أو خطير.
في كل إبداع أو جمود. استسلام أو صمود. رقي أو ركود. تجد علائقها موصولة أو مبتورة.
في كل وحي وفي كل دين. في أي فلسفة ونوع تفكير … في الشعر. في الرسم. في النحت. تجدها المثال الأعلى وربة الإبداع التي تخاطر قانصها.
في النوم واليقظة. في العمل والطريق والبيت. تشخص بقوة كأنها كنه الحياة وجوهرها الأسمى.
هي إكسير الحياة الذي تستحضره فتحيي به الموتى وتماثل به المرضى للشفاء … وتمنعه عن الصبي في شرخ الصبا ومعترك الشباب فيحاصره الهم ويشيبه الشقاء.
تشترى بالملك ويفتقر بدونها صاحبها… وتقدر بالكنوز فلا يفتقر إنس ضمها في جعبته.
هي القلم الذي يسرد. والفرشاة التي تلون. والشمس المشرقة التي ترش البسمة في الأسارير وتضخ الحياة في ملامح الحياة.
هي الروح حين يستيقظ فيها الأنس والسمو.
هي القلب حين تفيض عليه شلالات الرحمة وتشع فيه بيادر العطف.
الحرية في الفرح … في الحزن … في الغضب … صدقني الحرية في كل شيء تجدها.
فاطرق بابها وانثر خطاك على بساط دربها واخضع لها. تنمو أمامك الأمداء وتنفرج النواحي وينادي المنادي (ادخلوها بسلام آمنين)
وأغلق باب العبودية ولملم خطاك من زاويته واحذر داعي السوء عنده، فما أن تصبح في ساحته حتى تلتقمك حيات الخزي وألسنة تنانين المهانة وتظل فيها فتيلها المحترق وقارها المنبعث.
محمد الغرباوي