فوضى تحت السيطرة

احمد المهنا

كان الساسة، بمن فيهم رئيس الوزراء نوري المالكي، يحذرون من احتمالات تنامي العنف ما ان تضع البلاد اقدامها على الطريق نحو الانتخابات النيابية. وقد قطعت البلاد طريق الانتخابات بنسبة منخفضة من العنف. لكن تلك التحذيرات لم تكن بلا معنى. فهي تنم عن معرفة بالواقع الأمني. ومضمون هذه المعرفة هو ان السلطات غير مسيطرة على الأمن في البلاد، وان احتمالات التفجير قائمة في كل وقت، وان بغداد خصوصا مازالت منطقة حمراء، وان كل التحسن الامني الذي حدث عبارة عن انتقالة من الحرب الاهلية، الى مواجهة مع عصابات، تنام او تستيقظ حسب الطلب.
ويبدو ان الوقت هذه الأيام هو عز الطلب. فهذا الوقت هو موعد انطلاقة العمل الجدي لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات. وهكذا تدفقت هذه الموجة الصاخبة من العنف. وهي تأكيد جديد على ان الحكومة العراقية ليست هي الممسكة بزمام الأمن. ولكن هذا ما لا تنكره الحكومة نفسها، فهي في احسن حالات ادعاءاتها لم تقل اكثر من انها نقلت البلاد من الامن المعدوم الى الأمن المخترق.

فما هي اذن رسالة هذا العنف؟ من المرسل؟ وايهم المتلقي؟

ليس لدى الحكومة من اجابة على هذه التساؤلات سوى اجابة واحدة كلما وقع حادث عنف: القاعدة والبعث الصدامي.

ولن ينكر احد الدور الاجرامي لهاتين الجهتين. ولكن يصعب التسليم بأن هاتين المنظمتين تمتلكان زمام المبادرة والتوقيت والرسالة التي تبعثها موجة العنف المنفلتة.

هناك طرف يريد تذكير السلطة والطبقة السياسية العراقية جملة انه قوة لا يمكن تجاوزها، في اي عملية سياسية مهمة، خصوصا من قبيل تشكيل حكومة، وانه يمكن ان يقلب الطاولة على رأس الجميع ، اذا سارت محادثات تشكيل الحكومة بغير اشرافه وبغير مراعاة مصالحه. انه طرف يضع جميع قوى " العملية السياسية" تحت التهديد.

واغلب الظن انه لا يوجد طرف محلي يتمتع بمثل هذه القوة. فالقاعدة اليوم تنظيم منبوذ ومطارد من الشعب والحكومة معا. كما ان " البعث الصدامي" الرافض والمناهض للعملية السياسية فقد اي تأييد ذي بال بين الناس. لقد وضع الشعب العراقي العنف خلف ظهره كما هو واضح من اقبال كافة مكوناته على الاقتراع في انتخابات 7 آذار. وهذا يعني ان شعب العراق بالجملة قال باي باي للقاعدة وللبعث الصدامي ولكل مجموعة تسلك طريق العنف.

ولكن هذا لا ينفي وجود مجموعات عنفية، او عصابات تعمل حسب الطلب. وطبيعة مثل هذه المجموعات غير شعبية، فهي سرية، تعمل في الظلام. ويمكن تغذيتها بالتسهيلات اللوجستية ودفعها الى العمل من طرف قوي، او قادر على احداث هزات امنية عندما تقدر له مصلحته ذلك.

ولذلك يبدو بحكم المؤكد ان هذا الطرف احدى دول الاقليم المؤثرة في الساحة العراقية.

لقد كانت انتخابات 7 آذار احدى اهم سوح الحرب الباردة بين ايران من جهة وبين بقية الدوله العربيه والولايات المتحدة من جهة اخرى. ولما لم تكن النتائج حاسمة فقد عادت " الفوضى تحت السيطرة" وربما ستستمر حتى
تشكيل الحكومة.