ما اجملها ساحرة و شامخة تلك البيوت المبنية من القصب موشاة بالهيبة والوقار والصامدة في قرى و اهوار جنوب العراق .
أنها مضايف الجنوب ، المتميزة بجمالها الرائع الذي يضفي على طبيعة الريف الخلابة منظرا مبهرا ، وطريقة بنائها الخاصة بفن ورث من السومريين الذين عاشوا على هذه الأرض قبل آلاف السنين ، وتقاليدها الخاصة .
الكبيرة منها يشيدها شيوخ العشائر ووجهائها ، ليجتمع فيها أبناء القرية في مناسباتهم ، ولتداول شؤونهم ، وللتعلولة وارتشاف فناجين القهوة في الأيام العادية ، أو لفضّ النزاعات ، أو لاستقبال الضيوف .
للمضائف تقاليد أصيلة وأعراف خاصة يحترمها أبناء العشائر ويلتزمون بها ، منها توقير الكبير ، وتقديم ( السيد ) الذي ينتهي نسبه إلى الرسول محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) مهما كان شانه الاجتماعي ، وإكرام الضيف والقيام بخدمته ، وحماية ( الدخيل ) ، وصيانة حقوق الناس .
في مضايف الجنوب ، يتعلم الأبناء حكايات الآباء ، تلك الحكايات المملوءة حكمة ، ومنطق صقلته تجارب الحياة ، يسميها الناس هنا في الجنوب ( الحسجة ) والتي لا يتقن فنها إلا من كان حاذقا فطنا لبقا .
تدل المصادر التاريخية على أن المضائف المبنية من القصب هي موروث قديم في المنطقة ، يعود إلى أيام السومريين ، فهناك إشارة في ملحمة كلكامش إلى ( بيت من القصب والبردي ) ، ويقال أن البصرة والكوفة بنيتا من القصب من قبل أهل العراق من أبناء هذه المناطق في أول أيام الفتح الإسلامي عام ( 636 م ) ، حتى أن المسلمين الفاتحين استهجنوا في البدء هذا النوع من البناء الذي لم يكونوا قد عرفوه من قبل ، ولما وصل خبرها إلى الخليفة الثاني ، استغرب ما سمع من وصفها ، إلا انه سمح بها ، وقيل أيضا مما يرويه التاريخ أن سبب حريق البصرة ، بعد سنوات قليلة من الفتح ، هو سرعة انتشار النار في تلك البيوت المبنية من القصب ، والتي احترق معها مسجد البصرة الذي شيد هو الآخر من القصب في أول الأمر ، والغريب في الأمر كما يذكر المؤرخون أن كلمة البصرة مشتقة من كلمة ( بيت صرياثا ) أي ( صريفة ) وهي تعني الكوخ المبني من القصب .
طريقة بناء المضيف
------------------------------
القصب هو المادة الأساسية لهيكل المضيف ، حيث تجمع حزمة من القصب تسمى الواحدة منها ( شبة ) تبدأ بقاعدة كبيرة تثبت في الأرض قطرها ( 75 سم ) ويصغر قطرها تدريجيا حتى يصل في القمة المقوسة للـ ( شبة ) ، وفي وسطها بالتحديد إلى ( 30 سم ) ، ثم يعود قطرها بالتوسع تدريجيا في الجهة المقابلة بنفس القياسات لتثبت القاعدة المقابلة هي الأخرى في الأرض ، وتشد هذه الحزم بقصب ملوي كالحبال يسميها أهل الناصرية ( ملاوي ) ، ويكون عدد ( الشباب ) المقوسة التي تثبت من مدخل المضيف حتى نهايته ( 13 ) شبة ، وتصل في المضائف الكبيرة إلى ( 17 ) شبة ، بعد ذلك تربط الشباب بشكل أفقي بحزم أخرى من القصب يسميها الناس في الأرياف ( الهطر ) ، يعقب ذلك عمل قائمتين من القصب في مدخل المضيف واثنين اخريتين في نهاية المضيف .
ومن ثم يغطى الهيكل ( المقوس ) للمضيف بالحصران العراقية المصنوعة من القصب المشظى ، والتي تسمى الواحدة منها ( بارية ) ، وفي تسمية البارية دليل آخر على الموروث السومري ، حيث يقول المرحوم طه باقر إنها مشتقة من ( بورو ) السومرية التي كانت تعني الحصران التي تصنع كما هي اليوم .
في الجنوب تميزت مضائف اشتهرت بكبر حجمها ، وسعة مساحتها ، وكرم أهلها و وجاهتهم ،
و المضائف موروث أصيل توارثه الابناء عن الاجداد ، وتؤدي في القرى دورا اجتماعيا مهما فهي ملتقى أبناء العشيرة يتداولون فيها أمورهم ، ويحلون مشاكلهم ، كما كان لها دور رئيسي في تسيير شؤون الناس في القرى في الأيام التي غاب فيها القانون في فترات مختلفة من التاريخ .
و للمضايف في الجنوب دور تعليمي ونشر الثقافة الدينية ، فقد حرص أصحاب المضائف على مر التاريخ ، على إحياء المناسبات الدينية ، خصوصا أيام شهر محرم وذكرى استشهاد الإمام الحسين ( ع ) ، حتى في الأيام التي شهدت التضييق على هذه الشعائر من قبل السلطات المتعاقبة ، إلا إنها بقيت واستمرت ولله الحمد .
تعتبر المضائف كما يقولون ( المجالس مدارس ) ففيها يتعلم الناس الدروس والعبر ، وقيم الأخلاق والفروسية والشجاعة .
و بعض الدوواين اليوم في القرى اخذ أصحابها يشيدونها بطريقة حديثة من الطابوق ، إلا أن المضائف العربية المبنية من القصب لها وضعها الخاص ووقع وحضور يختلف عن البناء الحديث ، لذا فان كثيرين يحافظون على شكلها التراثي اعتزازا بأصالتها .
أن للمضايف تقاليد وأصول ينبغي احترامها والالتزام بها ، مبنية على أسس الاحترام المتبادل ، سواء في طريقة السلام والتحية ، أو الجلوس ، أو في تقديم القهوة ، أو في طريقة الكلام ، فهي أعراف جادة قد يكون الإنسان لا يلتزم ببعضها بصرامة خارج المضيف .
أن هناك ناس متخصصون يتقنون طريقة تشييد المضيف بهذا الشكل الرائع الذي يراه الإنسان
هذه هي مضايف أهلنا من العشائر العربية الأصيلة في جنوب العراق ، والتي تحدت الزمن منذ 7000 عام ، وستبقى شامخة بقيمها وكرمها وعراقتها .....
كان الكرام كثيرا في مرابعها لايأنس الضيف الا في نواديها
اما المعلومه التي تكون شباب المضيف بالفرد!! فهو الاعتقاد السائد لدى عامة الناس والمبني على الفطره ان الله وتر يحب الوتر والوتر هو الفرد والله واحد وتيمنا بهذا الاعتقاد تكون شباب المضيف بالفرد
منقول