دمشـــق تتحضـــر لهجـــوم رباعـــي داهــــم
لا حديث في وسائل الإعلام هذه الأيام إلا عن خطة الهجوم المتوقع على دمشق، والذي بدأت تفاصيله تتكشف تباعا، لتُفصح عن أن ما يُحضّر هذه المرة لقلب العروبة يفوق كل التوقعات، ويوشي برغبة محور أمريكا في حسم الحرب في سورية بسرعة من خلال التركيز على إسقاط دمشق بهجوم كاسح من أربع محاور على شكل كماشة محكمة.
المحـــور الأردنـــي
لعله المحور الذي نال التركيز الأكبر في وسائل الإعلام الغربية والعربية، لدرجة جعلت الخبراء العسكريين يشككون في الضجيج الإعلامي الكبير الذي أثير حول هذا السيناريو، ويرجحون أن يكون الأمر مجرد تمويه في الوقت الذي يحضر فيه الهجوم من مدخل آخر، إستنادا إلى سوابق أخرى حصلت في الساحات السورية.
غير أن المعلومات الإستخباراية الروسية وغيرها، أكدت مؤخرا أن التدريب والإعداد في الأردن قائم على قدم وساق، وأن التحضيرات لهجوم كبير يتم من الأردن في إتجاه درعا ثم دمشق، أمر واقع لا محالة، وأن الأردن برغم تصريحات النفي الرسمية، منخرط في المؤامرة على سورية حتى النخاع.
ذلك أنه في الوقت الذي نفى فيه مستشار الحكومة الباكستانية لشئون الخارجية “سرتاج عزيز” في مؤتمر صحفي عقده في إسلام أباد الخميس، ادعاء المصدر السعودي الذي قال، الأحد الماضي، إن الرياض تسعى لتسليح المعارضة السورية بصواريخ باكستانية حرارية مضادة للدبابات والطائرات، مؤكدا أن باكستان لم تنظر في هذا الاقتراح، واصفا التقارير المتعلقة بتوريد أسلحة باكستانية إلى المقاتلين في سوريا بأنها “زائفة وعارية تمامًا عن الصحة”، وأن “باكستان تحترم سيادة سورية”.. كانت سفينة شحن باكستانية تحمل علم إحدى دول أمريكيا اللاتينية، قد أفرغت السبت الماضي في ميناء العقبة الأردني 70 طنا من الأسلحة الباكيستانية الموجهة إلى المجموعات المقاتلة التي تم تدريبها في الأردن من قبل القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية. وهو ما جعل وزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ يحذر السعودية من عواقب تزويد المقاتلين بصواريخ حرارية ضد الطائرات، والتي قد يستعملها المتطرفون في مناطق أخرى.
المحـــور التركـــي
لكن المفاجأة، هو ما تسرب من أنباء حول ما يحضر بسرّية تامة في الشمال داخل المعسكرات التركية المغلقة، حيث كشفت معلومات متقاطعة عن خطة لهجوم كبير يحضر لإجتياح منطقة الشمال الغربي وصولا إلى الساحل السوري.
وفي هذا الصدد، أفاد مصدر لـ”المنار” عن معلومات تؤكد دخول آليات ثقيلة ومعدات عسكرية متطورة من جهة أنطاكية، بغية التحضير لشن هجوم كاسح باتجاه مناطق الساحل السوري الآمنة. كما تفيد المعلومات بنية المجموعات المسلحة ضرب منظومة الصواريخ السورية هناك، وبقية المناطق التي تشكل مستودعا اقتصاديا وملاذا إنسانيا آمنا للسورين النازحين من مناطق سيطرة المجموعات التكفيرية.
وتضيف المعلومات، أن الهجوم المرتقب قد يشن بالتزامن من جهات إدلب وجبل الزاوية أيضا، وعدد من القرى المحيطة بجبال الساحل السوري، ما يمكن من تشكيل ضغط حقيقي وكبير على تلك الجهة من البلاد، خاصة ما تحمله من أهمية دفاعية كبيرة، بالإضافة لخطة تتحدث عن تعليمات أعطيت للإرهابيين بتنفيذ مجازر مروعة بحق العلويين الآمنين في هذه المنطقة.
لكن لا يعرف إن كانت القوات التركية ستغطي هجوم الإرهابيين من “جبهة النصرة” و “الجيش الحر” و”الجبهة الإسلامية” ومن ضمنهم جيش من المقاتلين الباكستانيين، بحجة مطاردة تنظيم “داعش” داخل العمق السوري، أم أن تحريك آلياتها الثقيلة على الحدود هي لمنع عودة المقاتلين إلى الداخل التركي في حال فشلوا في الوصول إلى أهدافهم بالساحل السوري. كل السيناريوهات واردة، لأن الخديعة هذه المرة تبدو بحجم الكارثة.
المحـــور اللبنانـــي
لم يعد سرا أن جبال القلمون، وخاصة مدينة “يبرود” التي يتحصّن فيها حوالي 20 ألف إرهابي، أُعدّت بشكل جيد في محاولة للتعويض عن الخسارة الإستراتيجية في “القصير”، حيث تبين أن الهدف من تكثل الإرهابيين في هذه المدينة بالذات، هو تنظيم هجوم ضخم ينطلق من يبرود نحو دمشق بالتزامن مع الهجوم من بقية المحاور.
وحول هذا المحور، كشفت مصادر استخبارية ألمانية (نقلاً عن معلومات أمنية وصفتها بالموثوقة)، عن حراك مسلح كثيف لـنحو 3 آلاف مقاتل في عرسال اللبنانية، يعدّون العدة لهجوم مضاد، بهدف التخفيف من الضغط العسكري على مسلحي ‘يبرود’، وفتح طريق آمن فيما بينهم.
هذا فيما أشارت معلومات تقاطعت مع أخرى إقليمية متابعة نقلتها صحيفة ‘الثبات’ الخميس، إلى ازدياد أعداد المسلحين في عرسال بشكل لافت عقب بدء العمليات العسكرية في القلمون، كاشفة عن خطة تم الإعداد لها من قبل قياديين في “جبهة النصرة”، حيث جهّزوا مجموعات كبيرة تضم متشددين لبنانيين وسوريين بانتظار إشارة الصفر للانطلاق نحو تنفيذ الهجوم الكبير من عرسال في إتجاه القلمون فدمشق.
محـــور الجـــولان المحتـــل
لقد سبق وتحدثنا عن هذا المحور في المقالة السابقة، وأشرنا إجمالا إلى ما تخطط له “إسرائيل” من إقامة منطقة عازلة في العمق السوري على طول الحدود مع الجولان المحتل، يتولى حراستها والدفاع عنها “الجيش الحر”. وقد كان لافتا ما كشف عنه رئيس الأركان الصهيوني من تشكيل فرقة عسكرية جديدة في الجولان وتطهير أراضي حدودية قرب منطقة القنيطرة من الألغام، ما يؤشر لعزم إسرائيل مواكبة العدوان الغاشم والداهم على دمشق.
والجديد في الموضوع هو ما كشفه تقرير للمخابرات الألمانية أول أمس، من أن إسرائيل تستغل جبهة الجولان لتنظيم هجوم في إتجاه دمشق التي تبعد بـ 60 كلم عن المنطقة فقط، وذلك من قبل فلول من “الجيش الحر” و القوى الإسلامية المتطرفة، بعد أن أُخضعت جميعها لإدارة موحدة تجمع مخابرات الدول المتآمرة على سورية، والتي إجتمعت قبل أيام في واشنطن لتدارس خطة الهجوم الكبير على دمشق أو “غزوة دمشق الأخيرة” كما سمتها السعودية.
وفي ذات السياق، كشفت موسكو بشكل لافت معلومات تؤكد أن من وضع خطة الهجوم على دمشق هي أمركيا و فرنسيا بشراكة مع إسرائيل، فيما تتولى مخابرات الدول المتآمرة الأخرى عمليات التنسيق على مستوى التنفيذ (السعودية، الأردن، تركيا، قطر). وقد سربت هذه المعلومات بالتزامن مع معلومات أخرى سرّبها سفير دولة إقليمية في عمان ونقلتها صحيفة ‘الثبات’ اللبنانية، تفيد بأن “إسرائيل” لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الزحف السريع للجيش السوري ومعه “حزب الله” نحو إعلان النصر، وإنها تضغط بقوة باتجاه عدوان عسكري على سورية – عبر حلفائها – يعيد خلط الأوراق الميدانية.
هذا المعطى، مضاف إلى الهجوم الأخير للطيران الإسرائيلي على موقع لحزب الله في لبنان، وما تلاه من بيان للحزب أكد فيه عزمه على الرد، والإحتياطات العسكرية المتخذة على مستوى الكيان المحتل نتيجة الخوف والقلق مما يحضر له حزب الله من مفاجآت، جعل القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب تتوقع أن يقدم حزب الله على قلب كل المعادلات باستهداف إسرائيل مباشرة من الجولان، ما سيربك الخطة الأمريكية الفرنسية ويغير مشهد الصراع بالكامل.
خصوصا وأن حزب الله يمتلك اليوم ذريعة الرد المشروع على الإعتداء الإسرائيلي، وكون بيان الحزب تحدث عن “الزمان والمكان المناسبين”، وبرغم ما تحمله هذه العبارة من دلالة قدحية في الوعي العربي الجمعي، بسبب كثرة ما استعملها النظام السوري من قبل، فإن إختيار الحزب في بيانه لهذه العبارة بالذات، لم يكن إعتباطيا، بدليل أن إسرائيل شعرت بالرعب والقلق الشديد، وإتخذت كافة إحتياطات حالة الحرب، لأنها أدركت أن ما كان يتوعد به الرئيس السوري من قبل، قد مرر حسابه لحزب الله، ليكون الرد مناسبا وعلى مستوى حجم العربدة الإسرائيلية في المنطقة، وتهورها، بإقدامها على محاولة تغيير معادلات الردع وفرض خطوط حمر جديدة على سورية وحزب الله، علما أن حزب الله عندما يتوعد لا يتأخر بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء.
وإختيار حزب الله لفتح جبهة الجولان بدل الجنوب اللبناني، هو لسحب ذريعة قصف لبنان بالكامل التي تتوعد به إسرائيل في كل مرة، وفي نفس الوقت لقطع الطريق أمام العملاء والسماسرة في الذاخل من قوى 14 الشهر، حتى لا يحملون حزب الله كما في السابق مسؤولية الخراب الذي قد يحل بلبنان. خصوصا بعد أن أكد فخامة “ناتور بعبدا” في كلمة له الجمعة من تجمع تكنسي، أن المعادلة الذهبية اليوم بالنسبة للبنان هي “الأرض و الشعب والقيم المشتركة” ولا شيىء سواها، من دون أن يفهم أحد معنى القيم المشتركة التي يتحدث عنها ‘ميشال سليمان’، إن لم تكن المقاومة دفاعا عن الشعب والأرض والوطن أساس لها، علما أنه لولا المقاومة لما كانت هناك دولة ولا حكومة ولا وطن إسمه لبنان. وما زاد الطين بلة، هو إصرار الرئيس ‘سليمان’ على القول وكأنه يغيظ المقاومة عن قصد وسبق إصرار: “لا شريك للمؤسسات الشرعية في القرار السياسي أو العسكري”. وكأن لبنان أصبح أقوى من إيران.
وحيث أن الأمر كذلك، فلا شك أن العالم العربي والإسلامي سيكون قريبا على موعد مع ما أسماها سماحة السيد بـ”معركة الوجود و المصير”. وحتى لو لم يرد حزب الله قبل إنطلاق الهجوم الكبير، فإسرائيل تلعب اليوم على حافة الهاوية، ومن حيث تريد أو لا تريد، تجد نفسها تغوص يوما بعد يوم في المستنقع السوري، ولم يعد بوسعها التآمر في الكواليس والتخطيط للتخريب في الدهاليز.
وها هو رئيس المنطقة الشمالية السابق ‘رافي نوي’ تعليقاً على سير العمليات العسكرية في القلمون يقول: “إن وضع المتمردين في سورية سيدفع حكماً إلى تدخّل الجيش الإسرائيلي من أجل تخفيف ضغط الجيش السوري عنهم، وبات مؤكداً أن هؤلاء المتمردين خسروا المعركة، والاستراتيجية التي اتبعوها خاطئة، ولن يعرفوا الإفلات من كماشة النظام، خصوصاً أن ‘حزب الله’ هو المنتصر حتماً خلف هذا الجيش”.
وبما أن المستهدف من التدخل الإسرائيلي هو حزب الله اللبناني، فإن أية مغامرة على الحدود اللبنانية، ستعفي حزب الله من تبرير حق الرد، ويستطيع حينها الرئيس ‘سليمان’ أن يذرف دموع التماسيح أمام الكامرات كما فعل السنيورة سنة 2006، ليستجدي رحمة مجلس الأمن في تطكبيق مقتضيات القانون الدولي، عساه يوقف العربدة الإسرائيلية.
والحقيقة أن إسرائيل كانت تتوقع قدوم مثل هذه اللحظة التي تنقلب فيها الحرب على سورية إلى حرب إقليمية قد تحرق المنطقة برمتها. فرئيس الأركان الإسرائيلي السابق ‘بني جانتس’ سبق له وأن قال في أغسطس/آب 2012 على ضوء ما تعرفه المنطقة من صراعات ودخول عامل الإرهاب في المعادلة: “الأحداث الذي تجري في المنطقة، تفرض على الجيش الإسرائيلي الاستعداد لأي سيناريو، والاستعداد لمواجهة إقليمية شاملة”. بما يعني شمول حزب الله وإيران بالمواجهة. وهو ما جعل إيران تسارع هذا الإسبوع لإجراء مناورات عسكرية تهدف إلى تنظيم قوات التعبئة، واستخدام الطاقات والقدرات الموجودة، وخلق الجهوزية اللازمة لهذه القوات، وتعزيز القدرات القتالية، وذلك تحت عنوان لافت: “إلى بيت المقدس”، حيث تجري المناورات في 7 مدن وفي 5 محافظات بشكل متزامن، في رسالة واضحة للأمريكيوالإسرائيلي معا.
عديد المعطيات تؤكد أن تدخل إسرائيل في الهجوم المقبل أصبح أمرا واردا، لكن في حال تلقى المقاتلون الصواريخ الحرارية ضد الطائرات والدبابات، فإسرائيل لن تتدخل مباشرة في الحرب في مرحلتها الأولى، وستكتفي بالدعم الإستخباري وإستقبال الجرحى لعلاجهم في مشتشفياتها، لكن إذا رأت أن الهجوم سيفشل، فستتدخل لتعديل موازين القوى على الأرض، هذه هي المعادلة الجديدة التي وضعها جنرالات الجيش الصهيوني.
وسبق لوسائل إعلام أن سربت فحوى اللقاء السري الذي جمع وزير الداخلية السعودي ‘محمد بن نايف’ مع مسؤولين أمنيين اسرائيليين، في اطار التنسيق المتقدم في المجال الأمني بين واشنطن وتل أبيب، حيث كشفت مصادر مطلعة لـ (المنــار) أن المسؤول السعودي بحث مع القيادات الأمنية الاسرائيلية المساعدات الاستخبارية واللوجستية التي تقدمها اسرائيل للعصابات الارهابية في سوريا، مطالبا تل أبيب بالمزيد من الدعم وبمشاركة أوسع في عملية غزو يجري الاعداد لها ضد سوريا، وبطبيعة الحال، لدة إسرائيل مصلحة كبرى في المساعدة على إسقاط دمشق لما ستناله من أثمان في فلسطين من جهة، وعلى مستوى التطبيع السياسي والإقتصادي مع دول الخليج وبقية مملكات وجمهوريات الموز العربية من جهة أخرى، تماما كما وعد مسؤولون سعوديون تل ابيب قبل أيام في مؤتمر دافوس الإقتصادي.
ومهما يكن من أمر، فدخول إسرائيل معمعة الحرب في سورية أكثر من مرجح، لأنها تريد تسجيل إنتصار تاريخي جديد على سورية ومن خلالها على كل العرب لتركب فيهم عقدة النكبة الأبدية، وفي نفس الوقت، تصفي حساباتها القديمة مع حزب الله..
لكنه في حال حصل، فسيكون دخولها الحرب بإذن الله بداية النهاية لها ولمشورعها في الشرق الأوسط الكبير بدويلاته ومشيخاته وإماراته وكل مخططاته القديمة والجديدة، ونهاية النفوذ الأمريكي، ونهاية التآمر السعودي، وإندحار مشروع الفتنة المذهبية التي أرادت لها السعودية أن تكون “سنية – شيعية”، وميلاد قوة إقليمية عظمى تمتد من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق وسورية، والتي ستتحول بسرعة الضوء إلى نوات صلبة تؤسس لبناء أمة قوية، حرة، كريمة.
روسيــا تنخرط في الحرب
روسيا لن تلدغ من الجحر مرتين، فبعد الذي حصل بأوكرانيا، قرر بوتين وعلى عجل تعزيز الأسطول البحري الروسي في البحر الأبيض بقطع حربية إسترايتيجية جديدة، وأمر بإرسال سفينتي إنزال محملتان بضباط كبار وقوات روسية خاصة، سرعان ما إنخرطت في المعارك الميدانية إلى جانب الجيش العربي السوري ضد فلول التكفيريين والمرتزقة، وانتشر ضباط الجيش والمخابرات الروسية في كامل مناطق الصراع، حيث يقدمون المعلومات والمشورة ليس على مستوى القيادة العامة فحسب، بل وعلى مستوى الفرق والمجموعات الميدانية كافة، فتحولت سورية وفق ما أكد خبراء روس، إلى “دولة بمُقدّرات قوة عظمى على مستوى الإستخبارات”، الأمر الذي ستكون له نتائج قريبة وملموسة بالنسبة للحرب التي يخوضها الجيش العربي السوري وحلفائه ضد الإرهاب، ناهيك عن الفوائد العظيمة التي ستوفرها لقيادة العمليات لإفشال مخطط الهجوم الرباعي الكبير.
ومعلوم أيضا أن روسيا كثفت في الأسابيع الماضية من رحلاتها الجوية والبحرية المحملة بكافة أنواع السلاح والعتاد والذخائر إلى المخازن السورية، وفعلت إيران نفس الشيىء، وهو ما إعتبره مراقبون، تحضير إستباقي لحرب قد تخرج من نطاق سورية لتطال المنطقة، خصوصا بسبب تورط الأردن وإسرائيل في الحرب على سورية.
أما تركيا، فيرى مراقبون أن دخولها الحرب أمر فيه مخاطر كبيرة، لأن السفن الروسية المرابطة في البحر الأبيض المتوسط لن تبقى مكتوفة الأيدي في هذه الحالة، وهو ما يقلل من إحتمال أن يقرر ‘أردوغان’ توريط جيش بلاده في حرب قد تتطور إلى نزاع يخرج عن نطاق منطقة الشرق الأوسط ويتورط فيه حلف الناتو، وهذا ما تخشاه أمريكا وحلفائها، لإدراكهم أن الدب الروسي غاضب هذه المرة مما حدث في أوكرانيا، ومستعد للدفاع عن أمنه القومي ورد الصاع صاعين في سورية مهما كلف الثمن.
حزب الله سيقلب كل المعادلات في المنطقة
بالنسبة لحزب الله، الأمر واضح ولا يحتاج كثير فلسفة، العدو هو إسرائيل، لأن كل ما يقع في المنطقة من كوارث، وما يخطط للأمة العربية والإسلامية من مؤامرات، وما يحاك في الكواليس لفلسطين من مخطط تصفية وترانسفير، هو بسبب إسرائيل، هذا السرطان الخبيث الذي زرع في جسد الأمة ليفجر مكوناتها ويفسد مجتمعاتها من الداخل، حتى لا تقوم للعرب قائمة.
وفي هذا السياق، تناقلت الصحافة تسريبات لضابط روسي رفيع المستوى لسفير دولة إقليمية في بيروت أكد فيها أن “معركة ما بعد يبرود ستحمل مفاجآت ميدانية غير متوقعة”. والسؤال هو: هل حصل إتفاق ضمني بين روسيا ومحور المقاومة يقضي بتدفيع إسرائيل ثمن تخريبها في أوكرانيا وعربدتها في سورية ولبنان من بوابة الجولان؟
السؤال وإن كان يحمل ضمنا الجواب في مبناه ومعناه، إلا أنه يجد مشروعيته فيما سبق وأن صرح به ‘بوتين’ ذات حديث، حيث إعتبر “أوكرانيا” بالنسبة لروسيا كـ”إسرائيل” بالنسبة لأمريكا.
وفي حال صحت هذه المقارنة، فتطاول أمريكا على “أوكرانيا” الخاصرة الرخوة لروسيا ومفتاح مجال أمنها القومي، قد أسقط كل الخطوط الحمر وقواعد اللعبة القديمة، وأصبح من حق روسيا اللعب في الخاصرة الأمريكية “إسرائيل”، لتدفيعها ثمن تآمرها على روسيا في جورجيا وأوكرانيا وسورية، لكن بالوكالة ما دام حزب الله وحده يفيد، ويوفي بالغرض ويزيد. وهذه هي قواعد الحرب غير المتماثلة التي تقودها اليوم أمريكا في المنطقة والعالم بالوكالة، لكنها هذه المرة قررت أن تلعب على مساحة جغرافية العالم، في سورية وأوكرانيا وفنيزويلا في نفس الوقت، وهو التحدي الذي سيرد عليه الروسي بما يناسبه، وما يضفي على الوضع الحالي نوع من الغموض المخيف، هو صمت الرئيس ‘بوتين’ وعدم إدلائه بأي تصريح برغم سقوط كييف في يد عملاء الحلف الأطلسي، ما يعني أن اللغة السياسية لم تعد تنفع، فإنتظروا المفاجئات العسكرية القادمة.
كما أن “إسرائيل” وكما يعرف الجميع بعد الذي كشفه سماحة السيد قبل فترة، ما كانت لتقدم على قصف موقع لحزب الله في لبنان لو أنها لم تحضى بموافقة أمريكية وتغطية سياسية غربية. وبالتالي، هذا مؤشر لضوء أخضر أعطي لإسرائيل لإدارة الهجوم على دمشق ودعم الإرهابيين في حسم الحرب على أسوار قصر الرئيس ‘بشار الأسد’، وفق ما يتوهمون.
ويرى مراقبون، أن ما يعزز سيناريو جر رجل إسرائيل للحرب حتى لو لم تتدخل لدعم الإرهابيين في سورية، هو أن رد حزب الله على الغارة الإسرائيلية الأخيرة سيكون من سورية، وتحديدا من الجولان، لأنه آن الأوان لتدفع إسرائيل فاتورة الحساب وتسترجع سورية جولانها الحبيب.
كما وأن ما يؤكد هذا السيناريو، هو قيام الفرقة السابعة للجيش العربي السوري بحملة تطهير منطقة القنيطرة من الألغام التي زرعت بها بعد حرب 1973، وفق معلومات خاصة لقناة ‘الميادين’. هذا يعني، أن وعد الرئيس السوري قبل فترة بفتح جبهة الجولان، هو على وشك التحقق، كما وأن وعد سماحة السيد تحقيق الإنتصار الكبير، لم يكن يقصد به الإنتصار على التكفيريين فحسب، بل وعلى إسرائيل، وأن كتائب المقاومة التي أعدها ودربها لمواجهة إسرائيل في الجولان، من قوميين وتقدميين وناصريين، هي على أتم الأهبة إقتحام الجولان والجليل الأعلى أيضا.
وإسرائيل نفسها اليوم تقول أن لحزب الله القدرة على خوض ثلاث حروب في نفس الوقت، مع التكفيريين في سورية، وضد إسرائيل في لبنان، وضد الإرهابيين في الداخل..
فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، وتأكدوا أن الله القدير، الذي نصر المقاومة في 2000 و 2006، قادر على نصرها هذه المرة في معركة الوجود والمصير، بدليل عمود النور الذي تحرسه الملائكة فوق جبل قسيون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
بانوراما الشرق الاوسط -
أحمد الشرقاوي