منقول
عن الامام المهدي (ع) قال :- { «إنَّ رَحْمَةَ الله وَسِعَتْ كُلَّ شَيٓءٍ» ، و أنا تلك الرحمه } (1) .
اذاً فالإمام المهدي هو رحمة الله التي وسعت كل شيء ،
ان دور الامام المهدي (ع) في حفظ التكوين و التشريع للصعيدين الديني و الدنيوي هو اطول دور من بين ادوار الائمة (ع) ، بل هو اطول دور اداه حجةٌ من بين جميع حجج الله الذين لا تخلو الارض منهم ، فقد بدأ ذلك الدور منذ استشهاد ابيه الامام الحسن العسكري (ع) و هو مستمر حتى الآن ... ، اي هو منذ اكثر من الف عام ! ، و هذا ما لم يتحقق لأي احد من آبائه الطاهرين (ع) او اي احد من حجج الله أجمعين ،
فغيبة صاحب الزمان (ع) لا تعني غياب دوره كحجة ثم إمام للخلق ، بل انه صلوات الله عليه لم يزل منذ استلم الإمامة خلفاً لأبيه راعياً لشؤون الدين و أحوال الخلائق ، {و إليه تتنزل الملائكة في ليلة القدر و عليه تعرض أعمال خلائق الله ، و على يديه تجري ارزاق الخلائق و تقسم ، و به تحفظ الأرض ان تسيخ بأهلها ، و به يمسك الله السماء ان تزولا إلا بإذنه ، و هو نظام الدين و يعسوب المتقين و عز الموحدين ، و هو مصدر الفيض الإلهي على كافة الموجودات ، و به اينعت الثمار و اورقت الاشجار و جرت البحار و صفت الانهار و تعاقب الليل و النهار ... } (2) ،
ان الدور الذي يأخذه الامام بعد توليه الامامة و استلامها ، و هو دور (( قيام الحياة و دوامها و حفظ الدين و استمراره )) ، بكل ما للجملة من معنى قد قام به الامام المهدي (ع) بشكله الطويل بحيث لم يسبقه بهذا اي امام من آبائه صلوات الله عليهم ،
فكل تلك الأجيال من البشر التي ولدت و خلقت خلال مدة امامته الطويله التي امتدت اكثر من الف و سبعمائة عام تدين بالفضل و كل الفضل لإمامها -سواءاً أعترفت به او لم تعترف- من كل نواحي حياتها ، فإن وجودها اصلاً هو بفضل صاحب الزمان (ع) ... ثم طعامها و شرابها و نشئتها و نطقها و قوتها و رزقها و سمعها و بصرها و كل خير فيها و حولها ... ثم ان كان ذلك الانسان مؤمن فإيمانه و صلاحه و تقواه و وصول اعماله الى الله و تقبلها يتقدم و يتصدر جملة افضال الامام عليه ، و كذلك هداية الضالين و ايمانهم فهو ايضاً من فيض صاحب الزمان و امداداته و اياديه المحسنه ، لا بل ان الامام فيض الله لكافة الخلائف من بشر و ملائكة و جن و وحش و نبات ... فإن هذا الفلك الواسع يدور بفضل صاحب الزمان منذ مئات السنين و ان هذا النظام الكوني الذي يسيخ بلا إمام قد تكامل و تكافل كل تلك القرون الطوال بفضل هذا الإمام ، و هذا ما لم يسبق لأي امام من الأئمه ان يستمر نظام الكون و الدين بيده كل تلك القرون ( سبعة عشر قرنا ) ، فالإمام المهدي صلوات الله عليه لم يتميز عن بقية آبائه الكرام الائمه بدوره الذي سيقوم به عند ظهوره فقط ، حيث سيملأ الارض عدلاً و قسطا كما ملئت ظلماً و جورا ... ، بل تميز عنهم ايضاً بطول المده ، التي اوكلت اليه خلالها مهام حفظ الكون و الدين و اعباء امور الخلائق و تقسيم الارزاق و الهداية و الإرشاد ،
و فوق كل ذلك الاحسان الذي لصحاب الزمان على الخلق فإن كثيراً منهم بل اكثرهم ينكرون وجوده و لا يعترفون به ...!! ، و مع ذلك فإن افضاله لا تتوقف عن العاصي و الجاحد و المنكر ، و يظل وجوده سبباً لحياة الخلائق و باقئها و دوامها ،
و بهذا النعيم الذي كان الامام المهدي صلوات الله عليه سبباً لإفاضته على جميع الخلائق ، و بما كان سبباً لحياة تلك الاصناف الهائله من الكائنات و عيشها و رغدها ، لن يعد قتله للضالين و تهديمه لحصونهم و هده لأبنيتهم و تصفيته لآثارهم عند ظهوره قساوةً او نقمه ، فقد كان سبباً للنعمة طوال قرون مديده اما القتل الذي سيقوم به جيشه و اتباعه بعد الظهور المقدس فهو عشر معشار ما اسداه من نعيم و خير كل تلك المدة المديده ، هذا ان كان قتله يعد قساوةً و نقمةً ، فانه صلوات الله عليه قبل ان يشرع بالقتل سينادي بالتوبة و الهدايه ، بل سيعفو و يسامح حتى يتمادى العدو اللعين ، ثم ان القتل الذي سيحصل على يديه هو القصاص العادل بحق قتلة الابرياء و مرتكبي الكبائر و الفواحش التي توجب القتل ، و الله يقول عن القصاص «وَ لَكُمْ فِيٓ القَصٓاصِ حَيٓاةٌ يٰأولِيٓ الأَلْبَاب» ، اي انه حتى القتل و الفتق الذي سيقوم به هو حياة في الواقع ، و بالفعل فإن قتل القتله لهو عين الحفاظ على الحياة و سلامتها ... ، هذا و في حقيقة الأمر فإن صاحب الزمان سيتفضل كبير الفضل على البشريه ..، اذ يقول جده الإمام الصادق صلوات الله عليه في سياق حديثه عن اخذ الثأر من قتلة جده سيد الشهداء (ع) :- << قال : ..." ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل " قال : نزلت في الحسين ( عليه السلام ) ، لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا>> (3) ، و الامام المهدي (ع) سوف لن يقتل جميع اهل الارض تكرماً منه و نعمه و سوف يعفو عنهم فيعفو الله عنهم ...
فهل لكل تلك الافضال من شكر يؤدي عشر معشارها ...!!؟؟
_________________________
(1) بحار الأنوار : ج53 ص11 .
(2) مأخوذ من نصوص الروايات .
(3) الكافي 8: 255 .