المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Michel Teló
يدخل العراق مرحلة مركبة ومعقدة من تداخل الاحداث وصناعة الازمات وتصفيرها واتساع نطاق العمليات الحكومية بطابعها الطائفي والعمليات المسلحة المضادة للعشائر المنتفضة على الارض في الانبار والمحافظات الاخرى , وبنفس الوقت يلاحظ اشتداد الصراع والتنافس الدولي بين مثلث القدرة الدولية ( روسيا , الصين , الولايات المتحدة )على ترسيخ نفوذهم بالعراق والمنطقة , باستخدام استراتيجية التواجد وسياسة الوصول الروسي الصيني عبر ادارة الحروب الوقائية وفتح سوق السلاح وإخضاع مثلث العراق سوريا لبنان لنفوذهم , وبنفس الوقت تستخدم ادارة اوباما استراتيجية الاقتراب الغير مباشر عبر الانعطاف السياسي والعسكري وتوظيف حروب الوكالة وذكاء النزاعات الاهلية وتعزيز صراعات السلطة لإشغال المنطقة بنفسها من الداخل , لديمومة سوق السلاح وتجارة الامن القومي والنفط من جهة اخرى ويتم ذلك بأدوات ووقود عربي , في ظل غياب واضح للدور العربي .
تقاسم النفوذ والتأثير
يبرز للعيان التنافس الواضح بين الولايات المتحدة وروسيا , حيث يتفقون في مواقع كثيرة ضمن فلسفة تقاسم النفوذ والتأثير والمصالح والسوق , ويختلفون في التطبيقات والتفاصيل , ويبقى اللاعب الثالث الصين الذي يحتكر استيراد ثلث نفط العراق متخفيا غير ظاهر بالرغم من ظهوره بالأمس في العراق وإعلانه الصريح بنيته فتح سوق للسلاح في العراق لإدامة مرجل الموت الزاحف , بينما يقوم الجيش الصيني بتأسيس هيكل قيادة مشتركة لعملياته بهدف تحسين مستوى التنسيق بين مختلف أفرعه العسكرية , ولتزال الصين لاعب مستفيد من تقاطع واختلاف روسيا وأميركا في مسرح المصالح بالعراق وسوريا والمنطقة , وكما يبدو ان هناك فشلا واضح في رسم معادلة التوازن الدولي والعودة الى سياسة القوى بدلا من الاعتماد على معايير قواعد التوازن ((المعادلات , التعويضات , التحالفات , المصالح , الشرف , الهيبة)) وهذا ما يغيب المجتمع الدولي ويجعله متفرجا على التصدعات والحروب والانتهاكات الجارية .
صناعة الارهاب وتوظيفه
تختلط الاوراق وتهرب الادارة الاميركية في معالجة التدهور السياسي بالعراق كونها الراعي الرسمي للعملية السياسية وبناء القوة العسكرية , ونظرا لخشية اوباما فقدان انجاز الانسحاب من مستنقع العراق , فهو مترددا كثيرا في التدخل في سوريا والعراق , وبذلك انتهزت كل من روسيا والصين هذا التردد لتباشر بالتعرض السياسي والعسكري لتوسيع نفوذها عبر مخلب القط الاقليمي , وسعت لخلق توازن النفوذ من خلال صناعة الارهاب وتوظيفه عبر توسيع الارهاب بصناعة تنظيمات حديثة تتسق من حيث المظهر والشعار والسلوك بأهداف الحرب على الارهاب وتختلف من حيث النتائج والتوظيف , حيث اصبح الارهاب صناعة توظف لإغراض سياسية تتسق بالسياسة الخارجية والداخلية للدول , ولكن في العراق طبيعة الصراع يتطور بشكل مخيف نتيجة لحروب السلطة الداخلية الممزوجة بالكراهية الطائفية والأدلجة المذهبية وفقا لأساطير وهمية صنعت لتمرير مشروع اقليمي عابر للوطن والمواطن , انتج تمزيق اللحمة الوطنية العراقية وتفكيك المجتمع العراقي الى طوائف ومذاهب وأعراق وعشائر منفصلة يحارب بعضه الاخر , وبات احتكار السلطة والنهب الحر للعراق وطوئفة القانون وانتهاك حقوق الانسان والقتل خارج القانون من سمات عقد ما بعد الغزو الاميركي للعراق , مما جعل من العراق يحترق بشكل متسارع وتتآكل بنيته التحتية الهشة.
العراق بنك اقليمي
اضحى العراق بنكا ماليا دوليا وإقليميا يمول ازمات وقصور الدول على حساب رفاهية وامن واستقرار الشعب العراقي نفسه , من خلال اذكاء وصناعة الحروب الداخلية , وتصفير التهديدات الخارجية الحقيقية , وصناعة الازمات السياسية والأمنية بالداخل العراقي , وقد تمخض عنه ملايين المهجرين العراقيين وقد تخطوا 4 ملايين مهجر يسكنون دول الاغتراب وأوضاع الكثير منهم بائسة , ناهيك عن هجرة العلماء والكفاءات الوطنية التي وضعت في دائرة الاستهداف والاغتيالات لتصفير مقومات الدولة العراقية , وإبقاء العراق دويلة طائفية هشة تستعين بالآخرين دون الاعتماد على قدراتها وخبرات ابنائها ,خصوصا بعد ان تصدر سدة السياسة احزاب وشخصيات وافدة لتمتلك تاريخا سياسيا او علميا او مهنيا وطنيا يرتبط بالعراق
القوة الفاعلة الانسيابية
تعد الارادة الدولية غائبة والمجتمع الدولي مغيب من خلال ممثليه الغير فاعلين في العراق , وكما اعتقد ان هناك شبه توافق وتقاطع مصالح روسي اميركي صيني على ما يجري من حروب ونزاعات وأزمات في العراق لأنها تؤسس لسوق طويل الامد للسلاح وتجارة الامن القومي , وكما يبدو مؤخرا ان التنافس على اشده في اوكرانيا ضمن خارطة النفوذ الدولي , وبعد التغيير في اوكرانيا ستسعى الاطراف المتصارعة الى البحث عن رقع مشتركة اخرى يجري حسم النفوذ فيها وبلا شك مثلث العراق وسوريا ولبنان مرشح ساخن لحرب مركبة باردة ناعمة غير مباشرة , تدار عن بعد بوكالة اقليمية وبأدوات وبوقود عربي , وهذا يجعل البعض يتخبط في سياسة التحالف ويلهث لهذا الطرف او ذاك , دون الاخذ بنظر الاعتبار مقومات التاثير الاساسية والمتجسدة بالقوة وهي جوهر الصراع , وخصوصا القوة الفاعلة الانسيابية التي يمكنها ان تسجل تغيير في خارطة النفوذ والسياسة , خصوصا بعد فشل الحرب المحدودة لدواعي انتخابية في الانبار ورديفتها الحرب الاعلامية والدعائية , واتساع نطاق العمليات من الانبار الى محافظات اخرى , ودخول الدول الفاعلة بشكل مباشر لمسرح العراق الحربي الساخن كروسيا والصين وأميركا , ولعل المواقف المتغيرة على الارض وظهور قوى مسلحة عشائرية جديدة سيغير من معادلة السياسة الداخلية وشكل التوازن في المنطقة برمتها , انطلاقا من تغيير خارطة النفوذ والتواجد بالعراق بعد انهاك الوكيل الاقليمي في حروبه المذهبية .خلاصة
اثبتت الوقائع والتجارب والسلوكيات ان القوة الطائفية المفرطة التي استخدمتها السلطة بالعراق طيلة ثماني سنوات لم تجدي نفعا , وكانت بمثابة استنزاف منظم لموارد العراق البشرية والمالية والمعنوية , وكانت بمثابة مرجل لإذكاء العنف والكراهية الطائفية التي تمزق الجسد العراقي , ولعل من انجع الحلول هو الحل السياسي المتمثل بإعادة رسم السياسة وإعادة تشكيل المنظومة السياسية والعسكرية والأمنية والقانونية والمؤسساتية على اسس وطنية مهنية عصرية تتسق بنظرية الدولة وفلسفة المواطنة العادلة وتاريخ العراق الحضاري والمؤسساتي وهو الخيار الاصوب , وبلا شك ان الحرب على الأنبار أبعد عن الحسم , وأقرب إلى التمدد للمحافظات الاخرى على عكس ما تروجه وسائل الاعلام من اخبار تفتقد للاستقصاء والدقة , وبلا شك ان التصدر لسدة العمل السياسي وإدارة الحكومة يعتمد على الانجازات والتنمية المستدامة والاقتصاد المتين والتطور المعرفي , وتعزيز التماسك والتلاحم المجتمعي , وهذا ما يفتقره العراق وساسته الجدد الوافدون على بساط الغزو والحرب .*مفكر عربي من العراق
الاربعاء، 26 شباط، 2014