الاتجاه الأدبي الميتافيزيقي
الميتافيزيقا فرع من الفلسفة يتعلق بالطبيعة الأساسية للواقع، ويُسمى أيضاً علم ما وراء الطبيعة. وهو يهدف إلى تقديم وصف منظم للعالم وللمبادئ التي تحكمه. وخلافاً للعلوم الطبيعية التي تدرس مظاهر محددة من العالم، تُعدّ الميتافيزيقا علوماً استقصائية أكثر توسعاً في المظاهر الأساسية للموجودات.
ويعتمد علماء الميتافيزيقا على أنماط تحليلية تعتمد بدورها على المنطق الخالص عوضاً عن النهج التجريبي الذي يتبعه علماء الطبيعيات. وقد ركز التكهن الخاص بما وراء الطبيعية على مفاهيم أساسية كالفضاء والزمن، والسببية، والهوية والتغيير، والاحتمالية والضرورة، والمتفردات والعموميات، والعقل والجسد .
أما ما نريده بالميتافيزيقية في هذا المقال فهو الاتجاه الأدبي الذي يستقي منهجه من الفلسفة الميتافيزيقية والذي يبحث في ظواهر العالم بطريقة عقلية لا حدسية ولا صوفية، ويمزج العقل بالعاطفة، ويبتدع أساليب أدبية تجمع بين المختلف والمؤتلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية.
بدأ المذهب الميتافيزيقي في إنكلترا، وإن كانت أفكاره أثرت تأثيراً كبيراً في أدباء الكلاسيكية الجديدة في أوروبا كلها والعالم الغربي برمّته.
ويرى بعضهم أن العقائد الدينية النصرانية هي الخلفية الفكرية للمذهب الميتافيزيقي الأدبي. ولعل عجز الإنسان عن فهم الأمور الغيبية في الحياة، دفعه إلى التعبير عن جميع الظواهر الغيبية مثل الروح والحياة، والقدر والموت من خلال الشعر والرواية والمسرحية.. بغية التوصل إلى فهم كنه هذه الظواهر.
• من أبرز شخصيات الميتافيزيقية الشاعر الإنكليزي جون دن (1572 - 1631م) الذي أسس المدرسة الميتافيزيقية في الشعر الإنكليزي مع باقي الشعراء في القرن السابع عشر من أمثال جون هيربرت، وهنري فون، وروبرت كرشوا، وأندرو مارفيل، وإبراهام كاولي، وهم الشعراء الذين ساروا على نهج جون دن في أسرار الوجود.
• ومن شخصيات هذا الاتجاه أيضاً الشاعر الإنكليزي جون درايدن (1631م - 1700م) الذي نقد جون دن، وقال إن شعره مفعم بالفلسفة عويصة الفهم، والشعر المرهف الرقيق لا يستطيع حمل الأفكار الفلسفية الثقيلة.
• ومن الميتافيزيقيين الناقد الإنكليزي (هـ. ج. س. جريرسون) من الكلاسيكية الحديثة، أحيا المدرسة الميتافيزيقية في كتابه عن الأشعار الميتافيزيقية سنة 1921م. وكذلك الناقد والأديب الإنكليزي (ت. س. إليوت) الذي أحيا الميتافيزيقية بعد أن كادت تندثر، من خلال كتابه (الشعراء الميتافيزيقيون)، ومن خلال دراسة خاصة عن الشاعر الميتافيزيقي أندرو مارفيل، سنة 1921م.
• وفي مجال الفلسفة الفيلسوف الألماني ج. و. ف هيجل (1770 - 1831م)، والفيلسوف البريطاني برادلي (1846 - 1924م).. وغيرهم.
يحاول هذا الاتجاه تفسير الظواهر الميتافيزيقية بأساليب تجسيدية تقرب بينها وبين الظواهر الطبيعية، كتشبيه الحب بعلم التجميع وتشبيه الروح بقطرة الذل. فالإنسان حسب رأيهم يستطيع أن يقترب من القوى الميتافيزيقية عندما يجدها متجسدة في أعمال مسرحية وشعرية وروائية.
والميتافيزيقيا في مجال الفلسفة تعتمد على العقل في إنشاء نظرية إلهية عن الوجود الإلهي بديلة عن التثليث، ومن ذلك فلسفة هيجل (الروح المطلق)، وكلها مذاهب يعارضها التوحيد الخالص.
أما الشعر الميتافيزيقي فهو يعد نموذجاً لتحليل الشعور الإنساني وليس لتجسيده والبحث عن الفلسفة الكامنة وراء الحب بكل أنواعه وليس تعبيراً عن التجربة النفسية التي يخوضها المحبون.
وينادي أصحاب هذا الاتجاه بتأكيد الدلالات الدينية والأخلاقية الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية، والشعر هو خير أداة للتعبير عن هذه الدلالات عن طريق إثارة قوى التفكير والتأمل لدى الإنسان العادي، والأسلوب السهل والتعبير الجميل هو الوسيلة الوحيدة لنقل الأفكار العميقة إلى القراء والتأثير فيهم، وإن أدَّى إلى المبالغة الشعرية.
يختلف الشعر الميتافيزيقي عن الشعر الصوفي الذي يدعو إلى وحدة الوجود وإلى الحب الإلهي الذي يسمو على الحب المادي الفاني والذي ينتهي بحدود الزمان والمكان.
إن الميتافيزيقية هي اتجاه أدبي فلسفي يبحث عن ظواهر العالم بطريقة عقلية ممزوجة بالعاطفة، من أجل الجمع بين كل ما هو مؤتلف ومختلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية، وإبرازه في أعمال مسرحية وشعرية وروائية تجسد الفلسفة الكامنة وراء الحب، بأسلوب سهل وتعبير سلس.
ومع أن هذا الاتجاه يؤكد الدلالات الدينية والأخلاقية الكامنة وراء القوى الميتافيزيقية إلا أنه يتبنى، كالخيال الصوفي الجامح، فكرة وحدة الوجود، ومن هنا كانت خطورة التعبيرات الأدبية في هذا الاتجاه على الشباب المسلم الذي يجب أن يعيها بدقة ويعرف أبعادها قبل أن ينجرف مع تيارها عندما يتعامل مع إفرازات هذا المذهب الأدبي.
O