كان العراق في الخمسينات والستينات المنتج والمصدر الأول للتمور في العالم، وكان يتفاخر بأن لديه 32 مليون نخلة، وكان ينتج في ذلك الوقت، حسب كامل مخلف الدليمي رئيس مجلس نخيل التمر بوزارة الزراعة، نحو مليون طن من التمور سنويا.
ولكن بحلول عام 2003، قل عدد أشجار نخيل التمر إلى النصف وانخفض الإنتاج إلى 200000 طن. وكانت محافظة البصرة الجنوبية الأكثر تضررا من الانهيار، حيث لم يعد لديها سوى 3 ملايين شجرة فقط من الـ12 مليون شجرة التي كانت موجودة بها. وقال الدليمي لوكالة «أسوشييتد برس»: «ولا يولد هذا سوى شعور بالحزن العميق».
في عام 2002، كان مرهون عبد فالح يتفاخر بأن بستانه، في جنوب منطقة أبي الخصيب في البصرة، به ما يقرب من 200 نخلة. وكان يقوم بزراعة الفواكه والخضراوات في ظلالها، ويستأجر عشرات العمال لمساعدته في موسم الحصاد. وكانت المزرعة تدر عليه ما يكفي من المال لتلبية جميع احتياجات أسرته اليومية. ولكن بعد عام واحد، أصيبت مزرعته بالجفاف وأصبحت تربتها جدباء. ولم تنجُ سوى 50 شجرة فقط. وقال فالح، 52 عاما: «لم يعد هناك دافع لزراعة مزيد من الأشجار، والمسألة ليست مسألة غرس أشجار جديدة أو أخذ قروض، فلم يعد هناك فائدة من الزراعة بسبب الملوحة ونقص المياه، وجميع المحاولات تذهب سدى». وأضاف: «إننا سوف نبحث عن عمل آخر ولن نعود للزراعة إلا عندما يتوفر الماء».
وقد أجبرت المشاكل المزمنة في العراق على مدى العقود الماضية - نقص المياه والكهرباء والوقود وأماكن التخزين - الكثير من المزارعين على التخلي عن مهنة الزراعة والبحث عن وظائف أخرى في الجيش أو الشرطة.
لكن العراق يركز الآن، مع انتهاء أسوأ سنوات العنف التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، وبعدما بدأت عائدات النفط تلوح في الأفق، على صناعة التمر باعتبارها واحدة من عدة قطاعات - تشمل الزراعة والنفط والبنية التحتية - يرغب في تطويرها. وقد بدأت الحكومة في دعم مزارعي التمر بمنحهم قروضا ميسرة لزراعة بساتين جديدة، بالإضافة إلى إمدادهم بأسمدة ومبيدات حشرية مدعومة. وقد أنشأت مجلس نخيل التمر في عام 2005 وأوكلت إليه مهمة زيادة عدد أشجار النخيل المزروعة في البلاد إلى أكثر من الضعف، ليصل عددها إلى 40 مليون شجرة بحلول عام 2021. وقد أقام المجلس 30 مشتلا في مختلف أنحاء البلاد لإنتاج أصناف جديدة، كما أطلق برامج لإعادة تأهيل البساتين القديمة وبناء مرافق معالجة وتخزين. وهو يسعى إلى تطوير أصناف من أشجار النخيل تنتج ثمارا في سنتين بدلا من الأربع أو الخمس سنوات التي تستغرقها في العادة.
وقد أحدثت هذه الجهود بعض التقدم، حيث قال الدليمي إن عدد الأشجار قد ارتفع ليصل إلى 21 مليون شجرة، وإنها قد أنتجت 420000 طن في العام الماضي. وقال الدليمي بفخر: «هذه قفزة كبيرة إلى الأمام. ونحن نحصد ثمار هذه الجهود». ويرغب مرهون عابد فالح، مزارع تمر من جنوب البصرة، في جني بعض من تلك الأرباح، ولكنه غير متأكد من أن الحكومة يمكنها مساعدته.
ويقول المزارع قيس نعمة خميس إن الوقت قد حان، بعد سنوات من الحروب والعقوبات والجفاف، للبدء في حفظ التمور من جديد، وإحياء صناعة تمر النخيل العريقة في العراق مرة أخرى، والتي كانت تتصدر السوق العالمية يوما ما. ويقوم خميس، الذي تعمل أسرته بزراعة التمر منذ عام 1880، بزراعة مئات من أشجار نخيل التمر هذا العام، حيث يهدف إلى مضاعفة عدد النخل في بستانه ليصل إلى 1500 نخلة. وتقوم الحكومة من جانبها باتخاذ إجراءات الخاصة لإحياء عصر التمور الذهبي الضائع في العراق، من خلال منح القروض للمزارعين وإنشاء المشاتل الزراعية. وقال خميس، 40 عاما، إنها مجرد بداية، ولكن «العراق قد أصبح الآن مفتوحا للعالم أجمع، وقد بدأت الحكومة في اتخاذ بعض الخطوات التي منحت بارقة الأمل»، على حد قوله.