مقتدى الصدر والخطوة المحسوبة

منقول ...
ليس الرياضيون وصناع الالعاب الرياضية وحدهم من يمتلكون قدرة ابتكار الخطط والاساليب الاستباقية ويصنعوا المفاجآت للتباري امام منافسيهم لكي يصلوا الى ما يطمحون اليه من مراتب عالية تؤهلهم للفوز بالمهمة المقصودة فالسياسيون أيضا لهم اساليبهم وخططهم المحسوبة ليكونوا في صدارة التنافس لتحقيق مآربهم وبرامجهم السياسية التي تخدم المجتمع .فلكل سياسي طريقته في التعامل مع أجواء التباري والتسابق السياسي نحو الهدف المنشود . فاستقالة السياسي والقائد الجماهيري تعد احد هذه الاساليب التي تهدف في كثير من الاحيان الى تحفيز جمهوره وتجديد البيعة له او لتصحيح المسار السياسي لجهازه القيادي الذي يتعرض لهزات واخفاقات تهدد مستقبله السياسي . وفي محيطنا العربي مثال واحد فقط بل يعتبر الاوحد في هذا المجال وخلال الخمسة عقود المنصرمة وهو حين اعلن الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر استقالته من منصبه عقب خسارة مصر الحرب مع اسرائيل في حزيران من عام 1967 وكيف هب الشعب المصري بكل اطيافه ومكوناته بما فيه المؤالف والمخالف لتجديد البيعة لعبد الناصر ومناشدته العدول عن قرار استقالته مما عزز الثقة بنفسه وامكاناته امام شعبه وحفزه معنويا باتجاه التحشيد ضد اسرائيل وتجاوز الهزيمة .
من هنا فان الخطوة المفاجئة التي اتخذهاالسيد مقتدى الصدر والتي اعلن فيها اعتزاله العمل السياسي وتخليه عن ممثليه في البرلمان والحكومة بكل درجاتهم الوظيفية والنأي بنفسه عن اجواء السياسة بما فيها من معطيات واغلاق جميع مكاتب السيد الشهيد وبكل اشكالها السياسية والتوجيهية باستثناء بعض النشاطات الدينية و الثقافية و التعليمية والاجتماعية التي سيشرف عليها شخصيا وذلك تجنيبا لسمعة آل الصدر من كل ادران السياسة واوجهها الفاسدة وهي الاسرة التي عرفت عبر تاريخها تصديها باسم الاسلام للظلم والطغيان ودفاعها عن الدين والمذهب وتراث الاجداد الطاهرين فأعطت نخبة من افذاذها شهداء في هذا السبيل دون ان ينازعوا احدا على جاه او سلطة فان هذه الاسرة ارفع من ان يزج اسمها في ميدان كميدان السياسة في العراق . هذا ما انطلق منه السيد مقتدى في قرار اعتزاله والذي كما اعتقد انه جاء بعد ان بدأ الفساد ينخر في جسد الدولة العراقية بكل مفاصلها والتي تعد الكتلة الصدرية ركنا مهما من جهازيها التنفيذي والتشريعي اما الزوبعة الاعلامية الاخيرة التي اثيرت حول التصويت على المادتين 37 و38 من قانون التقاعد فتعتبر القشة التي اضطرت السيد لاتخاذ هذا القرار.
اعتقد بأن قرار السيد مقتدى الصدر غير نهائي وقد اتخذه للأسباب التالية:
1_ التوجه للرجوع الى الذات والمباشرة بتصحيح مسيرة التيار ولغرض تعزيز ثقة الجمهور الصدري ذي المساحة الواسعة وجس نبضه وتجديد البيعة لقائده الذي لعب ادوارا فاعلة وكبيرة في مقارعة المحتل والمساهمة في بناء العملية السياسية ولعل هذه الاجراءات تحقق مكسب انتخابي جديد , والجميع يتذكر المفاجئة التي اطلقها التيار الصدري قبيل الانتخابات الماضية 2010 باستخدامه آلية "المناطقية" في توزيع الاصوات مما جعله يكسب اصوات المجلس الاعلى وغيرهم من مكونات الائتلاف الوطني وحقق آنذاك اكبر مكسب انتخابي دون ان يلتفت الى هذه الآلية أي كيان سياسي اخر.
2_ قيامه بإعادة هيكلة التيار الصدري من جديد بما يتلاءم وطموحات سماحته بالقضاء على الفساد والتصدي للمفسدين .
3_ ايصال رسالة عالية الصدى الى السلطة الحاكمة وبرلمانها للتنبيه على تردي الوضع الامني والخدمي والسياسي في العراق .
4_ الدخول بقوة وفاعلية الى الانتخابات القادمة مؤيدا من شريحة واسعة من العراقيين يضمن خلالها اكبر عدد من المقاعد . ان هذه النقاط ستكون ممكنة اذا ما حسبنا ان خطوة سماحة السيد مقتدى هذه كانت سياسية بامتياز اسوة بالسياسيين المحترفين .
اما اذا افترضنا ان قرار السيد هذا بالاعتزال نهائي لا رجعة من بعده فهذا فأتوقع حصول عزوف واسع وكبير عن الانتخابات القادمة لان معظم مرشحي كتلة الاحرار سوف لن يحصلوا على العتبة الانتخابية في غياب السيد مقتدى عن الساحة السياسية وعدم دعمه لاحد منهم وبالتالي فقدان اعداد كبيرة جدا من اصوات الجمهور الصدري لما يمتلكه من قاعدة جماهيرية عريضة فضلا عن انسحاب السيد مقتدى من العمل السياسي وخسارة كتلة الاحرار لعدد كبير من المقاعد سيمهد السبيل لقوائم ومرشحين اخرين ممن لا تؤهلهم امكاناتهم للعمل تحت قبة البرلمان بالفوز في الانتخابات من باب (خلا لك الجو) وهذا يعني بأن قرار السيد مقتدى الصدر ليس نهائي الا اذا علم بأن الانتخابات ذاهبة للتأجيل الى إشعار اخر بسبب تردي الوضع الامني وعمليات الانبار وربما تعلن احكام عرفية !. وغير ذلك فأنا اتوقع ان سماحة السيد سيتعرض لضغوط سياسية كبيرة ومناشدات شعبية واسعة للعدول عن قراره و سيستجيب حتما لهذه الضغوط ويعود لقيادة تياره العريض بجمهوره حفاظا على وحدة الصف
منقول