داخل قصر الرئيس الأوكراني المخلوع، فيكتور يانوكوفيتش، بدا غضب الشعب المتأجج من الرئيس الفار عارياً عندما اجتاح مواطنون القصر، وفحصوا بدقة كل جوانبه، وأصابتهم صدمة من هول ما رأوه من الترف الذي لم يخطر على خيال.
فر الرئيس الأوكراني من قصره تحت جنح الليل، وبحلول بعد ظهر اليوم التالي، اكتشف آلاف الأوكرانيين الذين توجهوا إلى مقر إقامة الرئيس المخلوع، بذهول حياة البذخ التي كان يعيشها يانوكوفيتش وهم يتجولون داخل القصر المكسو بالرخام، والذي يضم ملعباً للغولف وحديقة حيوانات خاصة.
وعثر العامة خلف سياج يحيط بالقصر على ملاعب تنس وملعب جولف ومجموعة كبيرة من السيارات الفارهة، وموقع لتناول الطعام أشبه بمطعم متكامل.
وعند اجتياح القصر، لم يوفر المواطنون شيئاً، واستخدموا ملاعب الجولف، ومضارب الرئيس وكراته. والتقط أحدهم صورة لحقيبة الجولف الجلدية الخاصة بالرئيس المخلوع، والتي تحمل نقشاً باسمه.
وحديقة القصر اتسمت باتساع هائل حتى إن النشطاء ساروا فيها ساعة كاملة من دون أن يجدوا منفذاً للخروج.
كما ضمت منصات من الرخام مخصصة للشواء، وممشى يبلغ طوله ميلا على نهر دينبر، فضلاً عن عدد من الطيور النادرة، ومن بينها النعام.
وداخل حمام الرئيس المخلوع، كانت مقابض التواليت والمناشف مصنوعة من الذهب.
والنشطاء الذين كانوا أول من اقتحم القصر ذكروا أن المروحيات أقلعت من القصر أكثر من 44 مرة خلال الليلة التي غادر فيها الرئيس المخلوع مقره إلى جهة غير معلومة.
وأكدوا أن الرئيس أخذ معه كل شيء يمكن حمله باستثناء الأثاث والحيوانات.
وقال أحد النشطاء مذهولاً: "كل هذا لرجل واحد، هل تستطيع أن تتخيل هذا؟ أنا لا أستطيع".
وشاهد مواطنون منصات مقامة خصيصا للبط لكي يحط عليها ويتخذ منها أوكارا على البحيرة التي يطل عليها القصر.
وعندما اقتحم النشطاء مجمع قصر الرئاسة، الذي يبعد 16 ميلا شمال العاصمة كييف، في وقت مبكر من صباح السبت الماضي، وجدوه مهجورا.
وكان في طليعة من اقتحموا القصر أيضا مجموعة من الصحافيين والمواطنين البسطاء الذين كانوا يتحرقون شوقاً لرؤية منزل رجل ظل يحكم أوكرانيا لمدة 4 أعوام.
وتسبب تدفق الفضوليين إلى القصر لمشاهدة نموذج من حياة النخبة الأوكرانية، بزحمة سير خانقة على الطريق المؤدي إلى الموقع، حيث اصطف طابور غير متناه من الناس أمام البوابة الحديدية المهيبة للقصر.
وصاح ناشط من المعارضة بواسطة مكبر للصوت بعد أن صعد إلى أحد الأعمدة: "لا تقلقوا سيدخل الجميع، إنه يتسع لكم جميعا". وحذر الزوار من إمكان وجود ألغام على العشب كما تم تحذيرهم من "الاستفزازيين" الذين جاؤوا لتخريب الموقع.
وتابع: "أهلا وسهلا بكم في أوكرانيا" فيما كان الحشد يمر أمامه. وقال النشطاء إنهم عندما اقتحموا القصر كانوا يحرصون على منع تعرض القصر للنهب والسلب الذي عادة ما يحدث عقب إقصاء الديكتاتوريين.
وعملت قوة من النشطاء على منع دخول زوار آخرين. وقال قائد من المعارضة لتجمع على الجانب الخارجي من البوابة المزخرفة للقصر: "أعدكم أنكم ستدخلون، ولكن المسألة ستكون منظمة وهادئة، بلا سلب أو نهب".
وقصر الرئيس المخلوع الذي يبعد عن كييف 40 دقيقة قيادة بسيارة طالما اعتبرته المعارضة رمزاً للفساد والجشع الذي كان يسيطر على النظام.
وموقع قصر الرئيس، في منطقة "مزهيرة"، كان في العصور الوسطى ديرا دمره البلشفيك في ثورتهم، وتحول إلى مقر للحكومة منذ العصر السوفيتي.
وبدا في الصور الملتقطة لدى اقتحام القصر مواطنون بسطاء يحملقون عبر نافذة غرفة نوم الرئيس.
بذخ هائل
وسكن يانكوفيتش المقر لأول مرة عام 2002 عندما تولى رئاسة الوزراء، ثم اضطر إلى إخلاء القصر بالقوة عام 2005 تحت وطأة الثورة البرتقالية، وعاد إليه مرة أخرى العام التالي.
وأنفق الرئيس على قصره ببذخ هائل، حيث شق طريقاً يصل القصر بمقر الحكومة في كييف، وهو ما اعتبره معارضون أحد الأمثلة البارزة على فساد الحكم.
وقالت ناتاليا رودنكو العسكرية المتقاعدة "إنني تحت وقع الصدمة"، فيما كانت تتأمل العشب المتراص المزدان بتماثيل أرانب وغزلان في هذا القصر الواقع على بعد نحو 15 كيلومتراً من كييف والذي يعتبر رمزاً لفساد النظام.
وقبل ساعات، عزل البرلمان بحكم الأمر الواقع يانوكوفيتش الذي "يختبئ حالياً في مكان ما في دونيتسك"، المنطقة المؤيدة لروسيا في شرق أوكرانيا والتي يتحدر منها الرئيس المخلوع، بحسب رئيس البرلمان أولكسندر تورتشينوف.
وتساءلت ناتاليا "كيف يمكن لشخص أن يملك كل هذا في بلد يوجد فيه الكثير من الفقر؟ لا بد أنه مريض عقلياً". وأضافت: "يجب أن يرى الجميع هذا كي يساق أمام القضاء".
وبعد أن كان محاطا بحماية حرس النخبة قبل ساعات قليلة، أصبح هذا القصر الذي لم تكشف مساحته بالتحديد، الآن تحت جهاز أمن المعارضة الذي يقوم بدوريات في الموقع ويمنع الدخول إلى المباني وأي عملية نهب.
ويستقبل المتنزهون عند المدخل بلافتة موجهة إلى "الزائرين، لا تدمروا الأدلة على غطرسة اللصوص".
والمبنى الرئيسي هو عبارة عن قصر هندسته من الطراز الباروكي مكسو بالرخام ومزخرف بأيقونات مغطاة بالذهب. وشوهدت بعض صناديق الكرتون مطروحة أرضا ما يوحي برحيله على عجلة.
والتقط البعض صورا أمام الأعمدة الشبيهة بالأعمدة اليونانية، فضلا عن مشاهد لطيور من مجموعة صاحب القصر استورد بعضها من سومطرة أو منغوليا.
وقطع آخرون مسافة عدة كيلومترات سيرا لمشاهدة المدرج والاسطبلات وجراج يضم متحفاً للسيارات العسكرية السوفيتية.
أين المراحيض الذهبية يا أمي؟
وسأل طفل في الخامسة من عمره والدته: "أمي أين المراحيض الذهبية؟" فيما يشير إلى قاعة ولائم أعدت في سفينة شبيهة بسفن زمن ملكة إنكلترا الأولى .
وأضاف: "أريد أيضا سفينة قراصنة مثل هذه". فأجابته أمه "لا تقلق لقد استولينا على هذه".
وما زال بعض الزائرين يتذكرون المواجهات العنيفة التي خلفت عشرات القتلى هذا الأسبوع في كييف وتحول وسط المدينة إلى منطقة أشبه بساحة حرب.
ولفت بوغدان بانتشيشين وهو تاجر من لفيف (غرباً) "هذا يعزز الانطباع أن ذلك كان يستحق العناء". وأضاف "لو كان بإمكان المئة شخص الذين قتلوا أن يروا ذلك، لكانوا سيقولون الشيء نفسه".
وأصيب الزوار بالذهول، وعجزوا عن التكهن بحجم ثروة الرئيس المخلوع. وكرر فيكتور كوفالتشون وهو ميكانيكي "هذا المنزل، هذه الحديقة، هذا الترف يجب أن يتحول إلى مستشفى أو إلى دار للأيتام أو مركز لجرحى التظاهرات".
وأضاف "مهما حصل يجب أن يعود ذلك إلى الشعب. فقد بني بمالنا ويجب أن يعود إلينا".