يـا أبناء الحرف العربي
من فتح هذا الشرخ النازف في جسم العرب.. يا أبناء الحرف العربي.. قيل كان العربي يُقتل بخنجر أخيه فكيف يخرج الضوء من زجاج الليل.. والنهر من نوافذ الكهف.. والبرق من صخرة التراب.. وحبيبتي من نار الأخدود تنهض كالشمس من المنفى.. وتنزل ثانية كالأمطار.. هنا قمر الحقيقة بلون المرمر الشامي.
من هنا تخرج العروبة.. مغسولة بعطر الشام..
ومن هنا ترتفع الأشرعة التي كانت قد سقطت.. ويبتدئ النهر العربي.. ويبتدئ الزمان.. ويلتم النهر على البحر.. وقلبي على الخارطة.. أمد يدي إلى بردى.. ضمنّي أيها النهر إلى أرخبيل الهوى.. ودلني كيف أقصم ظهر المسافات مثلما الريح في البهاء العلي.. وعلّمني كيف يراقص شرشف الماء خصر حبيبتي لأدل الجنون على ليلى وأدل العاشقين بوقع خطاي على نجمتي الظامئة الأجراس الشتاء.. وفي الزمن الأخير.. هل تنبت الوردة من تحت الرماد.. هل يطلع الجمر فراشة حمراء.. هل تصعد الجذور عبر أنفاق الظلام.. أعيديها با حبيبتي تفاحتي الأولى إلى فجوة النور الذي تطلع من أغصانه زهرة الشمس وزهرة الحب وزهرة النهر والنهار.
ويا سيدي.. أيها النهر العربي..لا تسل عن زمان وراءك وارسم على وجهك الصباح.. وما مضى جسد من جراح لا يجيء ليلقاك إلا على فرس من جراح.. أنت هو الآن في أحضان ترابك..
وهي الآن في هنية نخلة.. وبين ميقات الموت ويواقيته لا تغيّر اسمك كي تناديك وحيداً مثل محرابك أو غريباً مثل سيفك:
يا غريب الدار أدر الكأس لنجيب خلخال النهر يسكب أحلامه..
ويجري ويغني أغانيه..كيما تجيء الفصول عل وجهه نبياً يهز بكفه البيضاء تلك المدينة النائمة. النهر ممتلئ بأحزان النخيل..
والنهر يفتح أبراج الحمام.. يمضي بقوارير الحلم ويؤاخي بين العواصم وأشرعة الزمان.. وحبيبتي تدّفق نحوي ساهرة عليّ ولما يتعبها زورق الوقت.. يساقط عليها الورد من جروح العراق والكبرياء.. وتنفض عني غبار دمي.. وتطفئ أوجاعها من زبد الصبر.. وتناديني غريباً حتى يضجّ الفرات.. وترفع اسمي ممهوراً بدمعها مثل عاشقات الله.. وتناديني تماماً مثلما تفعل الحبيبة الأخيرة..ثم تقرأ ما تيسر لها من سفر العناق.. يا غريب الدار قمري الآن عثرة في دجى الليل.. فولّ وجهك شطر السماء.. يا وجهك الذي لا يغيب.. يا صوتك في الموج.. ها إني أواري قناديلك في الوصايا.. وظلك في الشجر.. وسرك في بئر يوسف.. وصليبك لزيتون القدس.. وعمامتك لقرص الشمس..
وشرايين قلبك لدمشق.. ونون النهر لنون فلسطين..من أقفل صباحك يا صباح الناي والكرمل والعائدين؟!.. والنهر يجري والبدو يركضون خلف النهر.. سكنوا الرمال.. وطالت بهم مضارب الصحراء.. وتفرقت أديانهم على نحل الرمال الصفر..
ألا من يدلني على بقايا العرب.. ألا من يدلني كيف تفرقت فيهم الأرض واكتهلوا وصاروا مثل نفايات العرب..