قد لا يهتم البعض, لكن ملايين لا يزالون يتساءلون حتى يسجل التاريخ الحقائق, كيف نجح الرئيس العراقى السابق صدام حسين فى الاختفاء بضعة اشهر داخل حفرة, عرفت باسم «حفرة العنكبوت» ومن الذى ساعده, وحفر له هذه الحفرة .علاء نامق العمر 41 عاما, بطل «حفرة العنكبوت» قرر أخيرا الخروج عن صمته بعد أكثر من 10 سنوات من الحادثة, فهو الرجل الذي أخفى صدام بالحفرة الشهيرة, وقد بقى «نامق» سنوات عازفا عن كشف هذه الأسرار, رغم تشوقه لان يحكى, ثم قرر أخيرا كسر حاجز الصمت, وقد صارت لديه رغبة عارمة فى الحديث المتواصل عن القصة دون توقف للصمت لحظات وهو يهز رأسه كصخرة صلدة, فى حديثه مع قناة عراقية, كان يروى وهو جالس بجسده الطويل ومنكبيه العريضين على مقعد بلاستيكي فى استرخاء يرشف الشاي, ممسكا بلفافة تبغ في المطعم المتواضع الذي افتتحه الصيف الماضى, والذي لا يبعد كثيرا عن «الحفرة»، ليحكى قصة إخفائه «صدام حسين» الرجل الذي عرفته عائلته لعقود.
فيقول وعيناه تمتلئان بالفخر : «أنا الذي حفرت له الحفرة», وساعدنى أخى قيس, تلك التي يعرفها العالم باسم «حفرة العنكبوت»، وكانت عبارة عن غرفة صغيرة تحت الأرض في مزرعتى حيث عثرت عليه القوات الأميركية في 13 ديسمبر 2003 بعد 9 أشهر من البحث, ويضيف «نامق» «جاء صدام إلى هنا وطلب منا أن نساعده فوافقت, وقال لنا (قد تتعرضون للأسر والتعذيب بسببى)، لكن عاداتنا العربية والشريعة الإسلامية تحثنا على مساعدة من طلب منا العون» فصدام حسين كان يعرف عائلة «نامق» منذ عام 1959, و في السابق عمل «نامق» كسائق ومساعد لصدام حسين, ونظرا لان صدام ولد في قرية قريبة من تكريت إلى الشمال من هذه البلدة الصغيرة الواقعة على ضفاف نهر الفرات, لذا عندما كان الجيش الأميركي يبحث عنه، كانت هناك قناعة في محلها بأنه سيبحث عن مأوى بين أبناء عشيرته في تكريت بين بساتين أشجار النخيل والبرتقال والكمثري الوارفة.
ويروى نامق «عندما لجأ إلينا «صدام» عملت على نقله أيام الغزو بين منازل عدة في المنطقة في مارس 2003 وحتى تعرضه للأسر, وقد رفض «صدام» استخدام أى هاتف، لأنه يعلم أن الأميركيين كانوا يتنصتون على الاتصالات بحثا عن صوته، وكان فى أوقات فراره بمساعدتنا يقرأ ويكتب بغزارة النثر والشعر، وقد تمت مصادرة كتاباته من قبل القوات الأميركية التي اعتقلت, وقد كتب رسائل كثيرة إلى زوجته وبناته، لكنه لم يرهن على الإطلاق وقت اختفائه, وكان زائراه الوحيدان هما ابناه عدي وقصي اللذين اعد لهما نامق زيارة سرية إلى المزرعة.
ويتابع نامق بان صدام سجل كثيرا من الخطب النارية خلال الفترة التي كان مختبئا فيها يحث مؤيديه على قتال الأمريكيين, وقد سجلها على جهاز تسجيل صغير. ولعلمه بأن الأمريكيين سيحللون تسجيلاته بحثا عن أدلة تقودهم إلى مخبئه، كان نامق يقود السيارة 10 كيلومترات إلى مدينة سامراء ويقف على جانب الطريق ليسجل صوت السيارات وهى عابرة على شريط تسجيل خطب صدام حتى يشعر الأمريكيون بالحيرة والارتباك».
ويحاول نامق تجاوز كيفية وصول القوات الأمريكية إلى صدام حسين داخل حفرة العنكبوت, لكن هناك معلومات سبق ترددها بأن شقيقه قيس هو الذى ارشد الى مكان صدام, إلا ان نامق ينفى هذا قطعيا عن اخيه, ولكنه لا يقدم بديلا آخر لهذه الرواية, ويقول انه عند اعتقال صدام حسين, تم اعتقاله هو ايضا مع شقيقه قيس, وان الغرفة التي أقام فيها صدام بالسجن كانت مظلمة طوال الوقت, وكان الحراس يرشون الأرضية بالماء لتكون باردة دوما، وان الجنود الأمريكيين عندما اعتقلوا صدام غطوا وجهه وتعرض للعض من كلاب الحراسة, وقد تم سجن نامق 6 أشهر في سجن أبو غريب، وخضع للاستجواب من قبل جنود أميركيين بشكل يومي حول أسلحة الدمار الشامل والأماكن التي يختبئ فيها مساعدو صدام, وتم تقديمه اكثر من مره لعملية إعدام وهمية وموسيقى «روك» تصم الآذان بشكل مستمر، وحول هذا يقول نامق دون: «تحملت الكلاب والتعذيب، لكني لم أستطع تحمل تلك الموسيقى».
وبرغم إعدامه شنقا في عام 2006 لا يزال نامق يحمل تقديرا كبيرا لصدام حسين، فيقول: «كان صدام يعلم أنه سيؤسر ويعدم يوما ما. كان في داخله يعرف أن كل شيء قد ضاع وأنه لم يعد رئيسا», وبعد اعدام صدام, وخروج علاء نامق من السجن, تحولت عائلة نامق إلى ما يشبه العائلة الملكية في الدور، لإيوائهم رجلا قبليا لا يزال يحظى بكثير من الحب هنا, فيقول العقيد محمد حسن، من قوة الشرطة العراقية المتمركزة في الدور: «نحن نعتبر ذلك عملا بطوليا. هذا العمل لا يخص العائلة وحدها، ولكنه يمثل كل مواطني الدور لأن هذه المدينة كانت تحب صدام, فلو كان أهل الدور يكرهون صدام، لما استطاعت عائلة نامق العيش هناك, ويؤكد العقيد محمد حسن أن أفراد الأسرة يعاملون باحترام كبير لأنهم عملوا لسنوات طباخين وصيادين عند صدام حسين. والناس في الدور يحترمون هذه الأسرة ويقدرونها أكثر من السابق فيما دفن صدام حسين بالقرب من قرية العوجة مسقط رأسه, الا ان نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، أمر بإغلاق منطقة قبر صدام أمام العامة حتى لا يتحول قبره إلى ضريح.
اما المزرعة التي أسر فيها صدام, فقد تمت تغطية «حفرة العنكبوت» الموجودة أسفل نخلة، بقبة خرسانية بطول 4 أقدام, فيما اعتلتها أقفاص مليئة بالحمام والببغاوات،, وقضى نامق السنوات القليلة الأخيرة فى العمل كسائق لسيارة تاكسي، و تمكن في النهاية توفير بعض المال لافتتاح مطعم, ومع نهاية حوار نامق مع القناة العراقية المحلية والتى استغرقت ساعتين, فاجأ متحدثه بقوله «لن أطلعك على كل شيء، ولكن يوما ما سأقول كل ما أعرف، وربما أكتب كتابا، أو فيلما سينمائيا، لكني لن أخبرك بكل شيء