اكتشاف أمريكا ؟ أسوأ حدث في التاريخ
- بانواما الشرق الاوسط
احمد الحباسي
كتب أحدهم أن اكتشاف أمريكا هو أعظم حدث في التاريخ ، و أن العالم بعد هذا الاكتشاف ، لم يعد إلى ما كان عليه من قبله ، بطبيعة الحال ، لا نختلف مع القائل بكون هذا الاكتشاف قد أسس لتطور علمي و تقدم اقتصادي و هيبة دولية للشعب الأمريكي ، و لو أن تسمية القادمين المحتلين للأرض الأمريكية العذراء من سكان القارات الأخرى يجعل تسمية الشعب الأمريكي بهذا الاسم من باب انتحال الصفة،لكن نختلف مع القائل لان العالم ألفرد نوبل قد كان يشعر تماما بأن اكتشافه لمادة الديناميت سيغير وجه العالم لكنه اضطر في نهاية الأمر إلى الاعتراف بالخطأ و تخصيص جائزة نوبل للسلام في نوع من التعويض للبشرية على هذا الخطأ المدمر .
عندما نتحدث عن حالة التبعية الأوروبية للإدارات الأمريكية المتعاقبة ، نحن ننسى طبعا أن هذه التبعية لم تخلق من عدم أو هي حالة انخراط غير موضوعية في السياسة الأمريكية بل هي نتاج لإحساس أوروبي بأن مشروع مارشال الأمريكي الشهير هو من أنقذها من الانهيار الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية و من الاحتلال و الأطماع السوفيتية في تلك الفترة المتقلبة التي تلت انهيار النظام النازي و أن منظومة حلف شمال الأطلسي هي من تحميها من مشاريع التغول سواء كانت من الاتحاد السوفيتي السابق أو من بعض القوى الإقليمية الصاعدة مثل الهند و الصين ، لذلك يمكن القول أن الولايات المتحدة قد أفلحت في جعل أوروبا قاطبة حبيسة مشاعر رد الجميل كما أفلحت إسرائيل في جعل العالم الأوروبي بالخصوص حبيس مشاعر الهولوكست الشهير .
مصائب قوم عند قوم فوائد ، هذا ما ينطبق على الحالة الأمريكية بمعنى أن اكتشاف القارة الأمريكية العجوز كما كان طالع خير على الشعوب الأوروبية ،فقد كان طالع شؤم على الشعوب العربية دون استثناء ، قلت الشعوب العربية و ليس الدول التي جعل الأمريكان من رؤساءها و ملوكها مشاريع ديكتاتوريات متتالية فرطت في كل المكاسب العربية ، فالولايات المتحدة هي مدبرة كل المؤامرات الصليبية الصهيونية على الشعوب العربية و مصالحها ، و هي الوحيدة في العالم التي سخرت القانون الدولي لشرعنة إرهاب الدولة ، و هي الراعية الوحيدة في العالم أيضا لأكبر مظلمة في التاريخ و هي اغتصاب الأرض الفلسطينية و تشريد الشعب الفلسطيني و انتهاك المقدسات العربية في سابقة لا وجود لمثلها في التاريخ على اعتبار أن حالات الفيتو الأمريكية في مجلس الأمن ضد إفراز قرار يندد أو يوقف التعنت و البربرية الوحشية الصهيوني قد أصبح مثالا في وقوف دولة إرهابية إلى جانب دولة غاصبة إرهابية أخرى .
نفذت الولايات المتحدة ضد العرب كل أغراضها أو أغلبها على الأقل ، و حققت مخططاتها التدميرية لمناحي القوة العربية كل أهدافها لحد الآن ، و العرب اليوم مفتتون في قوتهم و في عقولهم و منقلبون ضد بعضهم البعض بشكل رهيب ، هذا الخلل العربي المدمر ليس حالة من الصدفة أو نتيجة حتمية لتصرفات الحكام العرب فحسب بل من المؤكد أن العقل الأمريكي في مختلف المجالات الاقتصادية و الإعلامية أساسا قد عمل جاهدا لتكون رقعة الوطن العربي بمثل هذه الحالة من التشرذم و الانقسام العمودي و الأفقي ، و عندما نبحث في كل ” الأحوال” العربية المقلقة لا بد أن نجد ضلعا أمريكيا فيها سواء أكان ضلع تحريض أو تهميش أو دافع إلى التفتيت أو التقسيم في كل المجالات .
ليس صدفة أن تكون هناك قواعد أمريكية في الأماكن الحساسة المهمة في المنطقة العربية ، و ليس صدفة أن تضرب الطائرات الصهيونية في كامل المساحة العربية لان الولايات المتحدة توفر ما استطاعت من ” الغطاء” الالكتروني لهذه القوات الجوية حتى تعمى ما وجد من “العيون” الالكترونية العربية البسيطة ، و ليس صدفة أن تخسر القوات العربية مجتمعة حروبها ضد مجموعات صهيونية لا تمثل شيئا في التعداد الجملي للشعوب العربية ، و ليس صدفة أن يصبح العراق بهذا الشكل المتفجر الغير قابل للإصلاح أصلا ، و ليس صدفة أن تكون الميزانيات العربية للتسليح هي الأعلى في العالم مع أن العرب لم يكسبوا معركة مهمة تحول وجه التاريخ العربي الراهن ، و ليس صدفة أن لا تنفذ بعض القرارات الدولية الهزيلة ضد إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن من الاحتلال الصهيوني ، و ليس صدفة أن تصنع الولايات المتحدة “القاعدة” لمواجهة المد الروسي في أفغانستان ثم توجه قوتها الإرهابية التدميرية إلى الدول العربية مثلما يحدث الآن في سوريا و في العراق و في تونس و ليبيا ، و ليس صدفة أن تقسم السودان بهذا الشكل، و ليس صدفة أن تصبح الجامعة العربية وجها مشوها بهذا الشكل مهمتها الوحيدة إعطاء الغطاء السياسي للمشاريع الأمريكية الصهيونية القذرة في المنطقة العربية .
أهم أو أشنع ما فعلت أمريكا أنها احتلت العقول العربية المهمة و أسقطتها في حبال مخابراتها لتصنع منها عملاء و خونة يقدمون للاقتصاد الأمريكي الدعم المالي النفطي بشكل لا يوصف ، و أقبح ما في أمريكا حديثها عن الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان لان هؤلاء الذين تمتعوا بهذه المبادئ الكونية ” النبيلة” في معسكرات غوانتانامو و أبو غريب و بعض المعتقلات الأمريكية في بعض البلدان العربية مثل المغرب و الأردن يشهدون بأن أمريكا هي الراعية الأولى للإرهاب في العالم و أن مبادئها هي مجرد سلاح تستعمله لضرب كل ما يقف ضد نزعتها الشريرة لاحتلال العالم اقتصاديا أو سيا سيا أو إعلاميا ، و لعل من يتحدثون عن أبراهم لنكولن الرئيس الأمريكي السابق كمحرر للعبيد كاذبون منافقون مغفلون لان أمريكا تستعبد اليوم مليارات من الشعوب من كل الألوان كل ذلك باسم الديمقراطية و محاربة الإرهاب و نشر مبادئ حقوق الإنسان ، لنفهم أخيرا أن اكتشاف كريستوف كولومب قد كان مصيبة حلت بالأمة العربية ، و ليت أهل الرجل يستشعرون هذا الخطأ التاريخي و يعتذرون نيابة عنه إلى هذه الأمة و إلى كل المظلومين في العالم .