الجزائر ، الربيع العربي ، لحظات عصيبة
- بانواما الشرق الاوسط
احمد الحباسي
ماذا يحدث في الجزائر ؟ المراقب المتابع للأوضاع الجزائرية سيصاب بالدوار حتما ، الصحافة الجزائرية تطرح كثير ا من الأسئلة أكثر مما تعطى من الأجوبة ، الأمر ليس عفويا بالتأكيد لأنه من الواضح أن مراكز القوى المعروفة و غير المعروفة في الجزائر تتخفى وراء كل هذه الأسئلة حتى تطرح نفسها في الوقت المناسب كفيلة بتقديم كل الأجوبة للشعب الجزائري ، في الظاهر النظام بقيادة الرئيس بوتفليقة المريض يترنح أو يتمايل أو هو آيل للسقوط في كل لحظة كما يقول بعض رموز المعارضة الجزائرية ، مشاكل الجزائر المختلفة ليست مستعصية عن الحل لكن لكل غايته في الموالاة أو في ا لمعارضة كما يقول أهلنا في الشرق حتى يبقى الحال على ما هو عليه حتى يستفيق الرئيس من غفوته السياسية و يعبر عن خارطة طريقه المقبلة سواء بالابتعاد عن المسؤولية أو بالترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.
في تونس حدث التغيير ، و في المغرب المجاور حدث تغيير من نوع آخر ، في الجزائر هناك رئيس مريض و نظام تتصارع فيه و حوله كل القوى ، و خارطة طريق اقتصادية مهملة أو غير فاعلة لإعطاء الشعب الجزائري جرعة من الأمل في هبوط الأسعار أو زيادة معقولة في الأجور ، الفتنة الإرهابية نائمة بعض الشيء أو هي تحت السيطرة كما يقول العارفون في المجال الأمني ، دول الجوار التي حصل فيها تغيير ملتبس تبحث عن تغيير في هرم السلطة الجزائرية بعلة أن الثورات لا تتعامل مع الأنظمة الديكتاتورية أو هكذا يتحدث البعض عن النظام الجزائري ، و لعل الذين توجهوا إلى عين أميناس منذ فترة كا نوا يريدون طبعا توجيه رسالة معينة إلى السلطة الجزائرية المتهمة بمساندة النظام الليبي السابق أو بالصمت المريب على ما حدث للشعب التونسي إبان ما يسمى بالثورة التونسية ، و في كل الأحوال فالجزائر اليوم مريضة بمرض رئيسها السيد عبد العزيز بوتفليقة و مريضة بانعكاس ما يحدث في دول الجوار.
ما هي رؤية النظام و إستراتيجيته الواضحة للخروج من كل هذه المطبات المزعجة داخليا و خارجيا ، ماذا يريد فعلا من جيرانه المزعجين و المنزعجين ، ما هو تأثير ما يسمى بالربيع العربي على الأحوال السياسية في بلد المليون شهيد ، و هل أصبحت الجزائر مخيفة أو خائفة من هذا الربيع المزعوم ، و لماذا تفرز التحاليل السياسية الجزائرية نوعا من الانقسام في الرؤية لدى كثير من المحللين ، و هل هناك تخوف من كون تغيير الرئيس بوتفليقة أو غيابه عن المشهد السياسي سيخلق واقعا مرعبا يؤثر في حالة السلم الاجتماعية الهشة تستغله الجماعات الإرهابية أو بعض جنرالات الجيش لخلق حالة من انعدام الوزن أو فرض ديكتاتورية عسكرية جديدة يعرف الشعب الجزائري ويلاتها و مدى استغلالها لظروفه السيئة لتصنع الثروات و تستبيح كل القيم الكونية لتجعل من الجزائر مجرد ثكنة أمنية تتقاطع فيها كل مشاهد التعذيب و العنف الأمني بعلة المحافظة على الجزائر .
لعل كل هذه الأسئلة المنطقية هي من تراود الذهن الجزائري الذي يرفض التغيير حتى لا يقع فريسة لأطماع بعض أزلام النظام أو بعض “المستشهرين” لنمط مجتمعي سلفي وهابي معين أو بعض العالقين بين العروبة و الأنموذج الغربي ، ولان الرئيس الجزائري شخصية معروفة للشعب الجزائري بكل مساوئه و محاسنه فان هناك تحمسا مرتبكا للإبقاء عليه حتى مع وجود شعور بعدم قدرته على مسايرة متطلبات المرحلة الجزائرية المقبلة على كثير من التحديات الاقتصادية و الأمنية على وجه الخصوص ، من هنا نفهم سر هذا اللغط الإعلامي المشبوه الذي يحاول فرض التغيير الذهني بقوة التضليل و اللعب على بعض العواطف بحجة أن الرئيس هو سبب العلة الاقتصادية الجزائرية و هو الذي تتخفى وراءه كل رموز الفساد و المحسوبية ، لكن العالمين بالأمور يؤكدون للجميع أن معالجة الشأن الجزائري ليست سهلة بالقدر الذي يتحدث عنه البعض لان مشاكل الجزائر المهمة و المقلقة متأتية من دول الجوار و من التحديات التي تفرضها هذه التحولات الجذرية فيها خاصة أن هناك من يدفع على الاعتقاد بكون الشعب الجزائري مدعو اليوم إلى ثورة ثانية تدعم الثورة ضد الاستعمار لتحقيق ما يسمى بأهداف تلك الثورة التي يرى البعض أنها وئدت بمجرد بسط حزب التحرير سلطته الحاكمة منذ سنوات .
هذه الجزائر اليوم تقف على مفترقات طرق كثيرة و متشعبة ، و هذه هي الصراعات السياسية المختلفة التي تبحث اليوم عن استغلال مرض الجزائر أو مرض رئيسها لتقنع الشعب الجزائري المتخوف و المرتبك بكونها الطبيب الماهر الذي يملك الحلول لمشاكل مستعصية مترسبة ، و لعل المخيف في الحالة الجزائرية هو هذا الهوس الإعلامي الساخن الذي يدفع بالعقل الجزائري إلى كل الاحتمالات متناسيا أن دور الإعلام ليس طرح بواعث الانشغال و الارتباك بل مهمته الأساسية هي فرز الأوضاع بشكل يمنع تسلط فيروس التضليل على الذهن الجزائري حتى لا تصبح الجزائر هدفا تصوب نحوه كل البنادق لتصفي ة وجوده و فرض إمارة إسلامية أو نمط مجتمعي دخيل على العادات و الثقافة الجزائرية.