العلامة الشيخ قاسم القيسي الفضلي 1876 - 1955 م
هو فضيلة العالم والنابغة الشهير والخطيب و الفقيه والمفتي والقاضي والشاعر والخطاط والمحقق والمفسر الواعظ المرشد الاستاذ الشيخ قاسم القيسي الذي يُعد من ألمع رموز النهضة الفكرية والعلمية في القرن الماضي المنصرم والذي سبقه بقليل، في تاريخ العراق الحديث والمعاصر وله الحضور الدائم في الذاكرة البغدادية والعراقية والعربية بما قدمه من انتاج معرفي رصين وأثر نفيس في صفحات الحياة العلمية في الفترة الزاهية التي عاشها والتي تركت بصمات عطرة من حيث الأثر والتأثير والاضافة الابداعية الخلاقة في العلوم العربية والشرعية والأدبية فيما بعد، ويكفيه خلوداً ورود أسمه بأنه أول من وضع واسس "علم تاريخ التفسير" بشروطه وترتيباته وضوابطه وتطوراته، وقد أفردنا لذلك بحثاً خاصاً سننشره تباعاً بإذن الله، وذلك بمناسبة إقامة مؤتمر خاص لاحياء ذكرى علماء بغداد المبدعين في القرن العشرين في منتصف الشهر الحادي عشر لسنة 2013م، وقد قدم الشيخ قاسم القيسي صورة رائعة ومهمة كشف فيها النقاب من خلال منظوره الصائب والعلاقة التلازمية بين علم التفسير مع علم التاريخ وعدم استغناء أحدهما عن الأخر، وقد أبدى أراءه ونظراته فيها منهجاً ومقصداً بالجملة والتفصيل.
ولد المغفور له الشيخ قاسم القيسي سنة (1293هـ) الموافق (1876م) في محلة الفضل التاريخية، في بغداد، والمعروفة بتمسكها بالقيم والاخلاق والفضائل العربية والاسلامية عبر العصور، وفي عائلة دينية محافظة حيث نشأ فيها نشأة صالحة ولما بلغ السابعة من عمره سلمه والده الى مدرسة أهلية لقراءة القرآن وتعلم الكتابة، وقد برع بسرعة في الحفظ والتفوق في الكتابة وحسن الخط، ثم درس في مدارس أخرى اتقن فيها مبادئ عدة علوم يومذاك اضافة الى تعلمه التركية والفارسية، وفي سنة 1303هـ تجرد لطلب العلم على علماء بغداد المشهورين فدرس الخط والنصيب على الشيخ عبد المحسن الطائي مدرس المدرسة الحيدرية (الحيدرخانة) فتوجه اليه الشيخ بكليته لما توسم فيه من الخير المقبل وكان ممّا قرأه على الشيخ المومى اليه علم الصرف وعلم المنطق فضلاً عن علم النحو والكلام والتصوف، ثم شرع في القراءة على الشيخ المغفور له (عبد الوهاب النائب) رئيس محكمة التمييز الشرعي في العراق، فدرس عليه عدة علوم مثل علم الوضع والبيان وعلم المناظرة وعلم المعاني...الخ. ومن شيوخه أيضاً العلامة غلام رسول الهندي (الانصاري) المدرس المشهور سابقاً بمدينة مندلي ثم الكرخ ببغداد، فقد قرأ عليه (خلاصة الحساب) و(أشكال التأسيس) و(المواقف في علم الكلام) وكتابي (تشريح الفلك) و(الجغميني) في علم الهيئة..ولما اصبح الشيخ قاسم القيسي أهلاً لأن يكون مدرساً وواعظاً ومرشداً ومفتياً تعين اول مرة بمدينة خانقين من أعمال (محافظة ديالى) سنة 1900م، ثم نقل لقضاء الصويرة. وفي سنة 1910م عين عضواً في مجلس المعارف ببغداد ثم عضواً في المجلس العلمي للأوقاف ثم مدرساً لتدريس الولاية ببغداد ثم مدرساً في دار المعلمين ثم عضواً في مجلس التمييز الشرعي واخيراً عهد اليه بالخطابة في الحضرة القادرية ومفتياً لبغداد (وصُدر فيه مرسوماً ملكياً لم يحظ به أحد بعد ذلك) ورئيساً لجمعية الهداية الاسلامية، ومدرساً للعلوم الشرعية ومجيزاً لها، حتى توفاه الله سنة 1955م /1375هـ بعد عمر حافل بالتقوى والزهد وخدمة العلم والدين والمجتمع وكان يوم تشييعه مشهوراً في تاريخ أيام بغداد، ودفن في الحضرة القادرية باحتفال مهيب، وكان من دعاة الاصلاح وجمع الكلمة ونشر الخير والفضيلة وقد أحبّه الجميع ونال احترام العلماء والطلبة وشرائح المجتمع كافة... وله رحمه الله قصائد كثيرة اكثرها من شعر المناسبات والاخوانيات وتقريظٍ للمؤلفات المهداة اليه من قبل أصحابها أو تعُرض عليه لأجل تقويمها... وله مؤلفات ثمينة ما بين كتاب ورسالة وتعليقات مفيدة جداً معظمها في التفسير، وانفرد متميزاً بالاهتمام بعلم "تاريخ التفسير" وله فيه كتاب رائع، وكان انساناً عالماً مسامحاً محبوباً من قبل الشعب فاضلاً كريماً، جمع بين الزهد والتواضع ورحابة الصدر، وكان له طلاب كثيرون يميلون للدرس اليه لشغفه وسعه صدره، وحسن تربيته، وصبره الجميل.. وكان فطناً ذكياً يحترم العلماء وطلاب العلم والناس كبيرهم وصغيرهم وكان بارعاً في كل ما يتعلق باصول الفقه معنياً كل العناية بالحديث والتفسير والأدب واللغة والشعر، وبالرغم من انصرافه الى التدريس والتوجيه والارشاد وتوليه المناصب الدينية الرفيعة فانه لم يتوان عن خدمة الدين الحنيف بالمشاركة العملية الفعالة في تأسيس عديد من الجمعيات الدينية وبخاصة جمعية الهداية الاسلامية التي كان يتولى رئاستها بأسلوبه الحكيم وادارته الرشيدة، وستبقى مؤلفاته وأثاره وأنشطته حية في لوحات ضمير التاريخ العربي الاسلامي الزاهر، ومفيدة للعلماء، وقد الف الشيخ عدداً من الكتب القيمة التي لا تقدر بثمن كما أشرنا، طبع منها اثناء حياته بعضاً منها مثل الحديقة الندية في المواضيع التفسيرية ورسالة في علم الحديث...الخ وكتب أخرى لم تطبع بعد محفوظة بذمة العائلة لدى الورثة، نرجو لها ان ترى نور النشر والتحقيق من قبل طلبة الدراسات العليا قبل غيرهم فهي أمانة كبيرة وغالية وثقيلة في ميزان الشعور بالمسؤولية أمام الله في تحقيق تراث الأمة على الوجه الاكمل بدون زيادة او نقصان.