إن القرآن الكريم حي لا يموت، تجري أحكامه وأمثاله ومفاهيمه في جميع الأزمان والعصور، فهو وإن كان قد نزل في عصر معين وعالج قضايا وأحداثا خاصة، وتحدث عن أشخاص معينين ماضين أو معاصرين في القصص، أو أحداث نزول الرسالة وتطورها مما يرتبط بأسباب النزول، وبنى قاعدة بشرية قوية من خلال هذه المعالجة تحملت أعباء الرسالة الاسلامية إلا أن القرآن - مع ذلك كله - هو الكتاب الإلهي للرسالة الخاتمة والمعجزة الخالدة للاسلام ونبيه الكريم، يتحدث إلى جميع الناس في مختلف العصور والأزمان.

وفي هذا المجال توجد نظرة شمولية يتميز بها أهل البيت (عليهم السلام)، فإنه بالرغم من أن أكثر علماء الاسلام ذهبوا إلى مبدأ " إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " ومن ثم فهم يرون أن خصوص السبب لا يتقيد بخصوص الاحداث والوقائع التي تحدث عنها أو نزل فيها، لان جميع هذه القضايا انما جاء بها القرآن الكريم للعبرة والهداية والموعظة، كما دلت على ذلك الآيات الكريمة:

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (1).

{هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (2).

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} (3).

حيث نلاحظ أن القرآن الكريم ضرب الأمثال وتحدث عن الاحداث والوقائع بروح التربية والتزكية والهداية، فكما ان هذا المثل له مصاديقه في عصر النزول، فهو له مصاديق (يؤول) إليها في العصور الأخرى.

وكما أن قصة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء تمثل حقائق عاصرها الأنبياء، ولم يذكرها القرآن الكريم لمجرد التسلية أو تسجيل حوادث التأريخ وتوثيقها، بل لأنها تمثل أيضا حقائق وقعت في عصر نزول القرآن، فكذلك هي - في نظر أهل البيت (عليهم السلام) - تمثل حقائق متشابهة ومطابقة لها في العصور والأزمنة الأخرى التي تلت عصر الرسالة الاسلامية، وفي كل عصر وزمان.

وهكذا الحال في الأحكام الشرعية والأخلاق الاسلامية والسنن التأريخية والحقائق الكونية كلها تتحدث عن مصاديق ونظائر ومفردات وتطبيقات لعصر الرسالة، بل ولكل عصر وزمان.

ونحن هنا لا نريد ان نفصل في الاستدلال على صحة هذه (الرؤية) فإن لذلك مجالا آخر، وانما نريد هنا أن نذكر الجانب (التصوري) لهذه (النظرية) من خلال ما ذكره أهل البيت (عليهم السلام).

ولعل هذا المعلم يمثل أحد أهم المعالم التي تتميز بها (رؤية) أهل البيت(عليهم السلام) لتفسير القرآن الكريم بشكل واضح وأساسي عن بقية النظريات في المذاهب الاسلامية.

المصدر/علوم القرآن:السيد محمد باقر الحكيم.