بسم الله الرحمن الرحيممن زينة المتّقين أيضاً إطفاء النائرة، فإنّ غير المتّقي إذا عاداه أحد، إمّا أن يردّ العداء بالعداء، وإمّا أن يسكت في أحسن الأحوال، أمّا المتّقي الذي يرسم الإمام السجّاد سلام الله عليه لنا صورته فهو لا يكتفي حتّى بالسكوت على من اعتدى عليه، بل يحاول إرضاءه، لأنّه يسعى جاهداً أن لا يدخل شخص مسلم بسببه النار، فيحاول إطفاء ناره ويسرع بإسداء الخير إليه.
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
«روي أنه وقف على الإمام علي بن الحسين سلام الله عليهما رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه، فلم يكلّمه، فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردّي عليه.
قال: فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول.
قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: «وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ والْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(1)فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً.
قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به. فقال: قولوا له: هذا علي بن الحسين.
قال: فخرج إلينا متوثّباً للشرّ وهو لا يشكّ أنه إنما جاءه مكافئاً له على بعض ما كان منه. فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: يا أخي إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنتَ قلتَ ما فيَّ فأستغفرُ الله منه، وإن كنتَ قلتَ ما ليس فيَّ فغفر اللهُ لك.
قال: فقبّل الرجل ما بين عينيه وقال: بل قلتُ فيك ما ليس فيك، وأنا أحقّ به»(2).
فهل هذا العمل والتصرف من الإمام أفضل أم ترك الفرد يموت ناصبياً ويدخل نار جهنّم؟
لا تقل: وما شأني به فليدخل جهنّم، فهذا لا يعدّ اقتداءً بالإمام سلام الله عليه.
وهكذا يجب أن تكون علاقاتنا مع بعض. علينا أن نقتدي بالأئمّة سلام الله عليهم ونتّخذ سبيل التسامح والعفو ونغفر لإخواننا ونعذرهم؛ فإنّ بروز المشكلات بين الإخوة والمتعاشرين كالأرحام والزملاء والزوجين والأساتذة والتلاميذ والصديق وصديقه أمر طبيعي يولّده القرب والاحتكاح؛ فلذا لا ينبغي تضخيمها وعدم التسامح بشأنها بل اللازم الاقتداء بأئمّتنا سلام الله عليهم الذين كانوا المثل الأعلى في الأخلاق الفاضلة وهذا كلّه لا يأتي إلاّ بالترويض والتدرّج كما قلنا.------------------------------------------
.
1) سورة آل عمران: الآية 134.
2) الإرشاد للمفيد: 145، باب ذكر طرف من أخبار علي بن الحسين عليهما السلام.