الاستغناء عن إقامة ووجود حكومة إسلامية أمر غير معقول
أمّا لماذا الاستغناء عن الحكومة الإسلاميّة أمر غير معقول، فهذا راجع إلى سببين هما:
السبب الأول: أنّنا نعلم أنّ المجتمع أيّاً كان صالحاً أو فاسداً، لا يمكن الاستغناء فيه عن حكومة وإمرة وولاية، مادام هو مجتمعاً لا أفراداً محدّدين قليلي العدد، وهذه الحاجة نابعة من: التنافس والتضارب والتزاحم بين مصالح الأفراد، ومحدودية الدنيا على سعتها، وعدم إمكان اجتماع مصالح جميع الأفراد فيها. ولشدة التضارب بين هذه المصالح تقع بين أيدي الناس موارد للنزاع والتخاصم والاختلاف، ولولا وجود قوة تنظّم أمور البلاد لوقع الهرج والمرج والقتال ولفسدت أمور البلاد والعباد ولما أمكن تنظيم الأمور.
ولو افترضنا أنّ البشرية أصبحت لا تزاحم بين مصالح أفرادها، وكل يقنع بحصّته وما قُسِم له، فإنّ هذا الفرض لا ينفي الحاجة إلى الحكومة، إذ إنّه لابدّ من عقل جمعي يجمع ويوزّع ويرتّب الأمور؛ لأنّ كلّ أحد لا يعلم ما يلزم للآخر. فوجود الدولة إذن لا بدّ منه على كلا الفرضين والحالتين.
وفي الأثر: لابدّ من دولة وإن كانت فاسقة، كي يمكن للمجتمع العيش تحت رايتها، ولا يمكنه ذلك دون دولة بالمرّة. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام):
«لابُدّ للناس من أمير، بَرٍّ أو فاجر، يعمل في أمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلِّغ اللهُ فيها الأجل، ويُجمَع به الفيء، ويُقاتَلُ به العدو، وتأمن به السبل، ويُؤخذ به للضعيف من القوي، حتّى يستريح برٌّ، ويُستراحَ من فاجر».
وحينئذ، ما هو موقف الإسلام من تأسيس الدولة وفي زمن العجز عن تحصيل المعصوم (عليه السلام)؟
إنّ الجواب، لا يخلو، من أحد احتمالات ثلاثة:
الأول: أن نفترض أنّ موقفه هو رفض وجود دولة وحكومة، ما دمنا لا نستطيع تحصيل المعصوم(عليه السلام). وهذا كلام لا يُتعقّل ولا يُقبل من إنسان عادي، ونحن نُسخّف الفكرة الماركسيّة، إذ قالت بمجيء زمان لا حاجة فيه إلى الحكومة، ونقول بأنّ هذا خلاف الطبيعة البشرية وخلاف العقل. فكيف ننسب ذلك الكلام إلى الإسلام؟! إنّ هذا الاحتمال واضح البطلان.
الثاني: أن يقال: لا يترك أصل إقامة الحكومة من الأساس زمن الغيبة، بل يقال: إنّ المؤمن يجب أن يترك هذا الأمر ويرفع يده عنه، ويُبقيه في يد غيره من الفسّاق والظلمة، ليحكموا البلاد والعباد.
إنّ مثل هذا القول، قول لا يصدر عن دين سماوي خاتم. وإننا نتّهم الإنسان الذي يدعو مواطني بلده إلى تسليم إدارة بلادهم إلى الأجنبي، نتهمه بالعمالة والخيانة، ذلك لو فكّرنا بعقليّة الوطنية الغربية التي نرفضها ونتّهمها بالقصور. فكيف نقبل في نظريّة إسلاميّة ما يناظر ذلك في دائرة تقابل الإسلام والكفر من تسليم بلاد الإسلام والمسلمين بيد الفاسق والظالم والذي لا يتبنّى نظريات الإسلام في حكمه؟
إنّ ديناً يدعو إلى مثل هذا الأمر، دين مزيّف ولا يمكن أن يصدر عن الله ويقول به نبي. فهذا الاحتمال باطل كسابقه.
الثالث: ــ وبه ينحصر الأمر ــ أنّه لا بّد من إقامة دولة الإسلام في كل آن. ولو تعذر حصول المعصوم (عليه السلام)، فالأمر ينحصر في أفضل الموجودين.
السبب الثاني: أنّ الإسلام يشتمل على نواح ثلاث:
1 ــ الوظائف الفردية: كالصلاة والصوم، وما شابه ذلك من العبادات الفردية.
2 ــ الوظائف الاجتماعية: كوظائف إدارة وتنظيم البلاد، والعلاقة مع سائر الأمم ونحو ذلك...
3 ــ الجانب التنفيذي: فالإسلام سنّ الوظائف وعيّنها، وقرّر العلاقات، وبيّن الحدود والعقوبات واهتمّ بتنفيذها ومتابعتها ومعاقبة من يشذّ عنها.
إنّ وجود جانب التنفيذ في الشريعة الإسلاميّة دليل على أنّه ليس بالإمكان افتراض أنّ الشريعة الإسلاميّة قد غضّت النظر عن أصل الدولة والحكومة عند عدم وجود المعصوم (عليه السلام).
فقيه العصر سماحة اية الله العظمى
السيد كاظم الحسيني الحائري (دام ظله)