اعلم أن إسرافيل عليه السلام لقنه الله كلمة بها ينفخ في الصور فيصعق أهل السماوات والأرض، وهي الاسم الذي قامت به السماوات والأرض، ثم يناديهم بها فيقوم بها الأموات ويحيي الرفات ويجمع الشتات من العظام الدارسات وتعود بادرة كما ناداها الجبار في الأزل فأجابت بالكلمات التامة التي لها التفريق والجمع والموت والحياة، وهي رموز مستورة في القرآن: أما عرفت أن الله برئ عن الصورة المثلى وأنه الحي الكريم المتعال وأن باسمه وقدرته وأمره يوجد الأشياء ويعدمها إذا شاء، وأنه ليس هناك جوارح تفعل ولا حركات ولكنها رموز مبهمات وكلمات تامات، وإليه الإشارة بقوله: (خمرت طينة آدم بيدي) (1) أي بقدرتي، ومثله: (أن الله خلق آدم على صورته) (2) أي على الصورة التي كان عليها من الطين لم ينتقل من العلقة إلى المضغة، بل يقول: كن فيكون، فلو اطلعت على السر المصون في قوله كن فيكون لعرفت ما بين القلم والنون.
روي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه استدعى يوما ماء وعنده أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فشرب النبي صلى الله عليه وآله ثم ناوله الحسن فشرب، فقال له النبي: هنيئا مريئا يا أبا محمد، ثم ناوله الحسين، فقال له النبي: هنيئا مريئا يا أبا عبد الله، ثم ناوله الزهراء فشربت، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: هنيئا مريئا يا أم الأبرار الطاهرين، ثم ناوله عليا فلما شرب سجد النبي صلى الله عليه وآله فلما رفع رأسه قال له بعض أزواجه: يا رسول الله شربت ثم ناولت الماء للحسن، فلما شرب قلت له هنيئا مريئا، ثم ناولته الحسين فشرب فقلت له كذلك، ثم ناولته فاطمة فلما شربت قلت لها ما قلت للحسن وللحسين ثم ناولته عليا فلما شرب سجدت فما ذاك؟ فقال لها: إني لما شربت الماء قال لي جبرائيل والملائكة معه هنيئا مريئا يا رسول الله، ولما شرب الحسن قالوا له كذلك ولما شرب الحسين وفاطمة قال جبرائيل والملائكة: هنيئا فقلت كما قالوا، ولما شرب أمير المؤمنين عليه السلام قال الله له: هنيئا مريئا يا وليي وحجتي على خلقي، فسجدت لله شكرا على ما أنعم علي في أهل بيتي (3).
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
( 1) عوالي اللئالي: 4 / 98.
( 2) الكافي: 1 / 134.
( 3) بحار الأنوار: 43/ 311 ح73



.