الحقيقة الأولى: ليس لدينا خيار آخر.
القصص تحترق وتتوسل للخلاص. نحن كتّاب بالفطرة والقدر والنيّة. ليس بالاختيار. إذا لم نخربش كلمة أخرى على منديل مقهى، لن يغيّر هذا شيئًا. الكاتب لا يرتبط بأفعاله، بل بذاته. الإنكار سوف ينتج وجعًا لا يتوقف، وفراغًا أكبر من كل شيء. كلماتنا هي الطريقة الأصدق التي نخدم بها العالم.
الحقيقة الثانية: لدينا عشيقة سريّة دائمًا.
هي ربّة الإلهام واسمها ميوز. نعمل لها بإخلاص. نفعل أي شيء لإرضائها وإبقائها قريبة. بالغزل، بالإغواء. نجثو على ركبنا، نرافع عن قضيتنا أمامها بيأس. وعندما تتركنا -كما تفعل دائمًا- علينا أن نكتب حتى نكتشف طريق العودة إليها. لأنها لا تستجيب إلا للأفعال.
الحقيقة الثالثة: سنتوقف عند الإشارات الحمراء.
أوقف سيارتك على جانب طريق مليء بالغبار في منتصف مكان لا تعرفه. عند مواقف محطة وقود. عند الثالثة صباحًا، ستكتب بكلّ شغف، ستكتب على أي سطح يهب نفسه لك. عندما تأتيك الكلمات محترقة بالوضوح والحقيقة، عليك أن تستجيب لها. وحين تضيع منك عليك أن ترثيها، كما ترثي الأم ولدها.
الحقيقة الرابعة: من المخيف أحيانًا أن نحمل كل هذه الكلمات داخلنا.
الكلمات تضطرب داخلنا. الكلمات تحترق وتخمش وتدفع وتسحب. الكلمات تريد الحرية. الكلمات تشتاق لخطر الحواف. الكلمات لا تهتم لأي أحد. بإمكاننا أحيانًا أن نقيدها ونصبح أساتذة نتحكم في قوتها، ولكننا في الغالب نسقط أمامها ونصبح تحت رحمتها. الكلمات كائنات حيّة تتنفس وتعيش وهي وحدها من تسيطر على كينونتها. علينا أن نفسح لها الطريق لتحيا خلالنا وتحولنا إلى أشخاص جدد.
الحقيقة الخامسة: الكتابة هي أكثر ما نحتاجه.
إنها القوة الأكثر تأثيرًا علينا. ورغم هذا ستأتينا أيام نفعل فيها كل ما بوسعنا لنتفادى الكتابة. سنختفي ونهرب ونقاوم بكل ما نملكه من قوة. إنه الانشطار اللانهائي للروح الخالقة.
الحقيقة السادسة: هنالك أيام تصبح الكتابة فيها بالنسبة لنا مسألة نجاة.
في هذه الأيام سيكون تصحيحنا للكلمات على الصفحة هو منقذنا الوحيد من شياطيننا ومن أنفسنا. سيكون الطريق الوحيد للاحتراق، للوصول إلى البعث، للوصول إلى الحياة.
الحقيقة السابعة: نشعر بالاطمئنان عندما نعيش في تناقضاتنا.
نحن نعيش في تناقضاتنا. نحن سلامٌ يمشي على الأرض، ونحن شك يتلوّى في الطرقات. يقيننا الوحيد يأتي من صلابة غموضنا. ولو كنّا على ثقة من أي شيء، لما استطعنا كتابة كل هذه الكلمات.
الحقيقة الثامنة: نحن نكتب منذ أن كنّا في الثامنة أو الحادية عشرة أو الخامسة عشرة.
أو منذ الأزل. نكتب قصائد مقفّاة بالاخضرار والأمل، بالقلق والخوف، نرسلها للفتيان والفتيات، للغروب ولأمواج المحيط، ولباصات أحلام اليقظة. غالبًا ما كانت عن الحب. أما الآن فلم نعد نقلق كثيرًا بشأن القافية. ولكننا مازلنا مهووسين بالحب بشكل أعمى.
الحقيقة التاسعة: ينزف الآخرون دمًا، بينما ننزف روايات.
ضربات مشارطنا تصل إلى أدق إيقاعات من نحب، بينما تنزلق أصابعنا من الضلع إلى الخصر. أحيانًا نحتاج لجرح أنفسنا، لقطع جلدنا، حتى نجبر كل حقيقة للصعود إلى السطح، حتى نصل إلى الصدق الذي يتدفق عبر أوردتنا.
الحقيقة العاشرة: نعيش في المجاز كما نعيش في الواقع.
هنالك طرق غير محدودة بإمكانها أن تجعلنا ننزف. نعرفها كلها. ونعرف أيضًا أن أفضل طريقة لإيقاف النزيف، هي الطريقة ذاتها التي نفرغ بها ذواتنا ونعيد تعبئتها. أن نجلس ونكتب ما داخلنا، نكتب حزننا، متعنا، شهواتنا، اشتياقنا، رغبتنا في السفر والتجوال، والعودة إلى الوطن أيضًا. علينا أن نكتب حتى تنتهي قوانا. حتى تنتهي كلماتنا.
الحقيقة الحادية عشرة: نحن لا ننتظر.
انهض لتطلّ على مدينتك في الليل وانظر. مازالت الأضواء تحترق عند الثالثة صباحًا. كن واحدًا من موظفي الليل المصابين بالأرق، كن واحدًا من أصحاب القلوب المكسورة. وكن واحدًا من الكتّاب. دائمًا الكتّاب. الساعات الساحرة الممتدة من منتصف الليل وحتى الفجر ملكنا وحدنا. للشموع والسجائر والحبر وصوت المفتاح وأكوام الورق، وأكوام الورق المليء بطبقات من الحقيقة والهراء والحب الصادق والمجد والرذيلة والمعارك. في الليل، في الوقت الهادئ، عندما ترقص الأشباح، يبدأ العمل الجاد وينتهي.
الحقيقة الثانية عشرة: تعلّمنا أن نتحدث في المساحات الفاصلة بين الكلمات.
في الوقفة الأبديّة على قمة منحدر، عند انحراف فاصلة. في مساحة التنفّس. نعلم أن أنين أحدنا بإمكانه أن يتحول إلى قصة حب كاملة. وأن الدموع بإمكانها أن تكون تجسيدًا للغواية، وأن القضمات المعدنية للنحاس ليست إلا طعمًا للحزن.
الحقيقة الثالثة عشرة: أن تكون فنانًا يعني أن تكون عالم آثار وجرّاحًا في الوقت نفسه.
نحن نحفر عميقًا، نكشف عن كل القطع المكسورة والمهملة. ننفض عنها الغبار ونضعها جانبًا للنظر إليها من جديد. نحن ندرس تاريخك ونجد المعنى في قصتك، ثم نعيد تركيبك مرة أخرى بالحروف والمقاطع والفصول. وعلى صفحاتنا أنت أكثر من مجموع أجزائك، هذا مثير للقلق ورائع أيضًا.
الحقيقة الرابعة عشرة: إذا أحببتنا، ولو لبعض الوقت، لن نتركك تغادر سالمًا.
حبّك لأحد الكتّاب سوف يشغل عالمك وسوف ينقذك من الغرق ويحطّمك وينقذك مرة بعد أخرى. ستصبح أنت باعثًا للإلهام، وستصبح أيضًا الشخص الوحيد الذي يقف في طريقه. سنحبك كما لم يفعل أحد من قبل، وسنخبرك بقصص لم ترد أن تسمعها. سندفعك إلى أقصى الحدود ثم سنعيدك لمنزلك آمنًا. سنحبك بشكل مطلق. سننادي باسمك في أحلك الليالي. حتى لمساتنا ستكون كالقصص. ولن تكون بعدنا كما كنت في السابق أبدًا.
الحقيقة الخامسة عشرة: القوائم الشبيهة بهذه القائمة عبارة عن هراء محض.
نحن الكتّاب، نتغيّر دائمًا. العذاب والساعة الثالثة صباحًا والويسكي وربّات الإلهام والحب والدم والتناقض -كل هذه الأشياء- ليست سوى كلماتي، ليست سوى قلبي العاري على هذه الشاشة. لا أكثر ولا أقل.
إذا كنت كاتبًا فحتمًا لديك قلبك النابض، الراقص، المتوحش، الرائع. ولديك ربّة إلهام خاصة بك، وحقيقة خاصة بك، وطقوس خاصة بك. ووحدك تعلم كيف بإمكانك أن تحب وتحيا وتتنفس فنّك وتجعله يظهر إلى الحياة، وتجعله يبني كل ما حولك.
وستعلم حينها، أنك بحاجة إلى شيء واحد فقط.
أن تكتب.
لا تدعني أقف في طريقك. لا تعر أدنى اهتمام لهلوساتي. هذه ليست سوى أحاديث ليل تمت تقويتها، وجعلتها شمعة حمراء مليئة بالرومانسية، والاشتياق لقلب الكاتب الذي يسكنني.
ولكن أنت؟ كل ما تحتاجه هو صفحة بيضاء وقلم جيد. أوقد شموعك. استحضر أشباحك وقم بإغراء ربّة إلهامك. ارقص لك وحدك فقط. اجعل رقصك حيًا. اشعر بالحقيقة في عظامك وهي تدعوك للوطن.
ولا تسمح لي بإخبارك ولو شيئًا واحدًا عن واقعك. أو حياتك أو فنّك. لا تسمح لي بسرد الطرق والوسائل عليك. هذا شغفك الخاص بك. أنت أعلم به. لطالما كنت أعلم به.
لذلك اترك الأعذار. اجلس. تنفس بعمق. وامتلك هذه القوة المحترقة داخلك