تعرف على صناعة المُعالجات والدوائر الرقمية:هل تساءلت يوماً كيف يتم تصنيع المعالجات أو الدوائر المتكاملة أو ما يُعرف بالـ IC ؟!!
رحلة السيليكون من الرمال إلى التكنولوجيا
هل أمسكت من قبل بدائرة الكترونية وفكرت ملياً في الرحلة التي مرت بها هذه المكونات حتى تصطف معاً بها الشكل؟!!
سنتعرف سوياً في هذا الموضوع على مراحل التصنيع التي تمر بها المعالجات والدوائر الرقمية المتكاملة من البداية الى لحظة خروج المنتج وتغليفه..
والبداية هنا من الرمال..تلك الحبيبات التي تغطي سطح الكرة الأرضية..
وقبل أن تتساءل عن الصلة بين الرمال والمعالجات ، دعني اخبرك أن قوام صناعة الالكترونيات بالكامل يقوم على مادة السيليكون التي يتم استخراجها من الرمال
يمثل السيليكون تقريباً 25% من كتلة الرمال،مما يجعله ثاني أكثر عنصر كيميائي توافرأ بعد الأوكسجين،فالرمال وخاصة رمال الكوارتز تحتوي على نسبة عالية من ثاني أكسيد السيليكون (SiO2) وهي المادة الأساسية في صناعة أشباه الموصلات التي تتكون منها المعالجات..
المرحلة الأولى – قالب السيليكون :
أولى مراحل التصنيع تبدأ بتجهيز قالب/سبيكة من السيليكون المذاب. ويتم في هذه المرحلة تنقية السيليكون عبر خطوات عديدة للوصول الى مستوى النقاء المطلوب لصناعة أشباه الموصلات (مثل:الترانزستور) وذلك بالوصول لما يسمى “سيليكون الدرجة الالكترونية” وهو عبارة عن سيليكون بدرجة نقاوة عالية تبلغ 99.9999% وهذا يعني أن كل مليار ذرة من السيليكون قد تحتوي على ذرة واحدة من مادة أخرى غريبة أو ما يُعرف “بالشوائب”.ويبلغ قُطر هذا القالب 30سم ووزنه 100 كيلوجرام.
بعد إستخراج القالب السيليكوني يتم تقطيعه الى شرائح تسمى “الرقائق Wafers” ويتم صقلها حتى تصبح ملساء ناعمة كالمرآة:
المرحلة الثانية – التصوير والحفر:
بعد تقطيع الرقاقات يتم التعامل مع كل رقاقة على حدة وذلك بتغطيتها بطبقة من سائل أزرق عبارة عن مادة حساسة للضوء تشبه تلك المادة التي كانت توضع على شريط الفيلم في الكاميرات الفوتوغرافية القديمة
يتم بعد ذلك تعريض الرقاقة للأشعة فوق البنفسجية لطباعة التصميم الالكتروني عليها بحجم مصغر جداً مما يتيح طباعة المئات من دوائر المعالجات على الرقاقة الواحدة
تم الآن طباعة المئات من الدوائر كما ذكرنا على هذه الرقاقة،دعونا الآن نقترب أكثر من إحدى هذه الدوائر منفصلة ونرى ماهي الخطوات التي سيتم إجراؤها عليها فهي الآن تُعد بمثابة معالجً صغيرً لم ينضج بعد
المستوى الذي سننتقل اليه الآن هو ما يطلق عليه “مستوى الترانزستور” وهو ما يعني أننا سنتعامل مع أبعاد تتراوح بين 50-200 نانومتر (النانومتر:واحد على مليار من المتر)
والترانزستور لمن لا يعلم هو مفتاح الكتروني وظيفته التحكم في تدفق التيار في المعالج:
كما ذكرنا سابقاً فقد تمت اضافة المادة المقاومة للتصوير (السائل الأزرق)على الرقاقة بهدف طباعة المسارات المطلوبة
كما يبدو من الصورة بالأسفل
الهدف من هذه الطبقة ببساطة هو أننا سنقوم بحفر مسارات على هذه الرقاقة وبالتالي فان هناك مناطق سيتم الحفر بها ومناطق ستبقى كما هي..والحفر هنا لا يعني أننا سنستخدم أداة أو آلة لتنفيذ هذه المهمة..وإنما سيتم ذلك بتعريضها لمواد ستعمل على تآكل المناطق المطلوب عمل مسارات بها
أفترض الآن انك قد استنتجت الهدف من المادة الزرقاء وهي اخفاء المناطق التي لا نرغب بتعريضها لمادة التآكل أي انها تعمل كقناع كما يبدو في الصورة بالأسفل فقد تم إضافة القناع في المرحلة الأولى ثم تعريضها لمادة تعمل على تآكل الرقاقة ثم إزالة المادة الزرقاء بعد انتهاء المهمة المطلوبة ليتبقى لنا الرقاقة بالمسارات المرغوبة
ولتقريب الأمر أكثر لذهنك عزيزي القارئ فإن الأمر برمته أشبه بإمتلاكك لقطعة أرض فضاء كبيرة وترغب بإقامة قرية سياحية عليها فإنك تبدأ في رسم الخطوط والمسارات الخدمية وتخطيط المرافق….الخ ثم التنفيذ والبناء على مراحل وطبقات متتالية:
المرحلة الثالثة – وضع الأيونات :
في هذه المرحلة يتم بدأ البناء الحقيقي ووضع الأيونات وذلك بنفس طريقة التصوير السابقة مع اختلاف هذه المرة أننا لن نحفر مسارات وإنما سنرسم مسارات جديدة بالأيونات لتعمل كخطوط توصيل للتيار الكهربائي،لذا سنقوم باضافة المادة الزرقاء مرة أخرى وتعريضها للأشعة فوق البنفسجية لرسم المسارات الجديدة ثم قذفها بالأيونات التي ستأخذ الشكل الجديد للمسارات،وتصل سرعة قذف هذه الأيونات الى أكثر من 300 ألف كيلومتر بالساعة
بعد انتهاء هذه الخطوة يتم إزالة المادة الزرقاء مرة أخرى ليتضح شكل المسارات الجديدة:
المرحلة الرابعة – الطلاء المعدني بالكهرباء:
في هذه المرحلة يتم إكمال تجهيز الترانزستور بوضع أيونات من النحاس على سطحه وذلك بطريقة تعرف بطريقة الطلاء الكهربي.
لتستقر أيونات النحاس على سطح الترانزستور كما يتضح في الصورة بالأسفل:
يتم بعد ذلك انشاء طبقات ومسارات معدنية للتوصيل والربط بين الترانزستورات المختلفة (الأمر أشبه ببناء متعدد الطوابق) ، ويتحدد شكل هذه الطبقات والمسارات تبعاً للتصميم الذي يضعه فريق التصميم والهندسة المسؤول بالشركة (مثل شركة Intel أو AMD)
ويصل أحيانا عدد هذه الطبقات الى 20 طبقة،لاحظ هنا اننا مازلنا نتعامل في مستوى الترانزستور أي أن كل هذه الأعمال والانشاءات تتم في أبعاد لا تتجاوز الـ200 نانومتر (أي أن السنتيمتر الواحد بإمكانه أن يحتوي على أكثر من 50 الف منها)
تتألف وحدة المعالجة للحاسب من ملايين الترنزستورات كالتي تابعنا معا مراحل انشاء واحد منها،ويتم الربط بين هذه الترانزستورات بنظام الطبقات كما شاهدنا في الخطوة السابقة وعن طريق هذا الربط تنشأ البوابات المنطقية والتي تنفذ عمليات المعالجة التي يقوم بها الحاسب بداية من العمليات البسيطة مثل الجمع والضرب وصولاً الى عمليات أكثر تعقيداً بدرجات متفاوتة.
المرحلة الخامسة – مرحلة الاختبار الأولي والتقطيع:
في هذه المرحلة تتعرض الرقاقة الصغيرة (ملايين الترانزستورات التي تم تجميعها معاً) للاختبار الأول للكفاءة وذلك بتعريضها لتغذية ومراقبة الاستجابة منها ثم مقارنتها بنتائج معدة مسبقاً
يتم بعد ذلك تقطيع الرقاقة الكبيرة والتي تم كل هذا العمل عليها منذ البداية واحتوت على مئات المعالجات المكررة ، يتم تقطيعها لفصل كل معالج على حدة ثم التقاط المعالجات التي اجتازت الاختبار الأول للكفاءة بواسطة ذراع آلية دقيقة تمهيداً للخطوة التالية وهي التغليف:
المرحلة السادسة – التغليف :
في هذه المرحلة يتم تغليف الشريحة الالكترونية بالغلاف الذي يعطي المعالج المظهر الذي أعتدنا رؤيته به ، الجزء السفلي من هذا الغلاف يحتوي على الوصلات الكهربائية ونقاط التوصيل مع الحاسب وهي تلك النقاط ذات اللون الذهبي في قاعدة المعالج،أما الجزء العلوي من الغلاف وهو معدني فيمثل واجهة الفقد الحراري والتي يتم عن طريقها تصريف الحرارة الناتجة عن مرور التيار أثناء المعالجة ويتم هذا الفقد بوضع وحدة تبريد (مروحة مع معجون حراري):
المرحلة الأخيرة – الاختبار الجماعي والتعبئة :
في هذه المرحلة يتم تعريض المعالجات للإختبار النهائي والتأكد من مواصفاتها الفنية والخصائص الأساسية مثل معدل الفقد الحراري والتردد الأقصى للمعالج
بعد اختبار المواصفات الفنية يتم تجميعها معا في أدراج مجهزة خصيصاً لاحتوائها ومن ثم تغليفها تغليفاً تجارياً للتوزيع في الأسواق ومنافذ البيع
جدير بالذكر أن هذا المعالج الموضح بالصورة والذي تابعنا خطوات انتاجه هو المعالج الذي يحمل الاسم التجاري (Intel Core i7) وهو من أكثر المنتجات تعقيداً على وجه الأرض ويتطلب تصنيعه مئات الخطوات في أكثر بيئة نظافة ونقاوة في العالم (أنقى مئة مرة من غرفة العمليات المعقمة):