تنّور الطين هوية الريف وذائقة الملح العراقي
يعد تنور الطين الهوية المميزة للريف العراقي، والشيء الذي كان ومازال لا غنى عنه بالنسبة للعائلات التي تسكن الريف ، إذ اعتادت النساء منذ زمن طويل على استخدامه للخبز ، ومع تطور الحياة واتساع مدنيتها، ظل هذا التنور محافظاً على وجوده، فهو يحمل عبق الريف وذائقة الملح العراقي ، بل زاد ثباتاً في السنوات الأخيرة بسبب شح الغاز والنفط ما قد يتعذر على المرأة في المدينة على نحو خاص استخدام تنور الحديد الذي يسمى "تنور ستيل" أو "تنور الغاز".
أم وليد التي تعمل في مجال تصنيع تنانير الطين بقصد بيعها وإيجاد مورد لعائلتها، قالت إن "تنور الطين يصنع عادة من مادة الطين الحري النظيف، بعد أن يتم خلطه مع قليل من التبن أو أحيانا شعر الحيوانات لزيادة قوته وتماسكه،وأشارت الى أن مرحلة العمل تبدأ بوضع الأساس على ارض منبسطة ونظيفة،ويكون الأساس بارتفاع شبر "20 سم" تقريباً، ويترك لليوم التالي كي يجف ويتماسك، وتتم عملية بناء التنور بشكل اسطواني،عريض من الأسفل ثم يضيق من الأعلى، وتوضع في جانبه الأسفل فتحه صغيرة لغرض إشعال النار تسمى "الخنارة"، التي تفيد في التهوية أيضا".
واضافت أم وليد أن "التنور حينما يكمل، يتم نصبه في مكان مناسب ، وفي الغالب يكون مكانه بعيداً عن المنزل أو في مكان منعزل كي لا يسبب الدخان المنبعث منه ضررا على العائلة"، مشيرة الى أن "تنور الطين كان ومازال الحاجة التي لا يمكن الاستغناء عنها بين أهل الريف، ومن مزاياه أن الوقود المستخدم فيه يمكن أن يكون الخشب أو كرب السعف أو أي نوع آخر من الحطب،وللتنور معدات أخرى ملحقة به منها "السيخ" وهو قضيب حديدي رفيع يستخدم لتقليب الجمر،و"الماشة" وهي أيضا عبارة عن قضيب من الحديد لكنه اقل سمكاً وتستخدم لاستخراج الخبز، و"الواشة" وهي قطعة قماش مبللة لتظيف سطح التنور الداخلي من الخبز الذي يحترق وقد يلتصق به، إضافة الى وجود الطبق بجواره لوضع الخبز فيه، وهناك "المخدة" التي تستخدم لمد الرغيف عليها قبل وضعه في التنور".
من جهتها قالت جميلة هادي بلعوط إن "أغلبية النساء يتبركن بوجود تنور الطين في بيوتهن، وهناك من تنظر له باحترام وقدسية وتسميه تنور الزهراء لكونه طاهراً ومعطاءاً دائماً، وتخشى النساء من هدم التنور عندما يصبح قديماً أو حين ترتحل العائلة من مكان لأخر بل تبقيه كما هو ليظل بمثابة أثر في المكان".
وأوضحت جميلة أن مهنة عمل التنانير ازدهرت مؤخرا وأصبحت تشكل مورداً لبعض العائلات التي ليس لديها أي مورد،حيث تقوم بعمل التنانير وبيعها بأسعار مناسبة تتراوح مابين 15 ـ 25 ألف دينار، وهو مبلغ جيد يمكن أن يكون موردا لمن لا عمل لها من النساء أو ليس لديها معيل. وأشارت الى أن من ميزات هذا التنور انه لا يشكل خطراً مثل تنور الغاز الذي قد يسبب كوارث جراء تسرب الغاز منه، فهو أكثر أماناً من النوع الثاني.
وقالت الحاجة وردة غشيم شكبان إن هناك نوعاً اكبر، وهو الذي يستخدم من قبل الخبازين في المدن، وهذا النوع راج مؤخراً بعد أن شاع استخدامه خاصة في السنوات الأخيرة،إذ لجأت أغلبية العائلات الى شراء الخبز من هؤلاء الخبازين، ومن ميزة هذا النوع أنه يستخدم النفط لغرض إشعال النار فيه،ولا يعتمد على الخشب أو على الحطب المستخدم في تنور الطين الاعتيادي، كما أن الميزة الأخرى المهمة المتعلقة بإستخدامه تتمثل في أن الخباز يكون رجلاً هنا،ولا يمكن أن تكون امرأة، وعلى صاحب هذا النوع من التنانير التي تعرف بالـ"مخبز"،أن يحصل على إجازة من وزارة التجارة وموافقات من الدوائر الأخرى لفتح المخبز، وفي السابق كانت التجارة تزوده بمادة الطحين لكن الأمر اختلف حالياً، فصاحب المخبز يشتري الطحين من السوق المحلية،لكنه يحصل على النفط من الدوائر المعنية وطبق موافقات من المجالس البلدية.
وأشارت الحاجة وردة الى ان هناك أمثالاً متداولة محببة لدى العراقيين ترتبط جميعها بالخبز والتنور، منها "ما ينفع الجوعان شجر التنانير"،و"وطلع النور من التنور"،و"تنورك مورثة نارة وخطارك جايب بشارة"،و"الخبز الفطير ما ينهضم"،و"خبزك مخبوز ومَيَّك بالكوز"،"انطي الخبز لخبازته، ولو تأكل نصّه".
المصدر :- موقع موطني .
منقول