حامض اللبن وطيب اللبن
يحكى عن صديقين اسم احدهما (طيب اللبن) واسم الاخر (حامض اللبن) انهما اتفقا ان يهجرا القرية التي يعيشان فيها الى المدينة طلبا للعمل، فحمل كل منهما معه متاعه في صرة وظلا يسيران ويسيران حتى جاء المساء فقال (حامض اللبن) لصديقه (طيب اللبن): لنكن صديقين وفيين فنتقاسم طعامنا ونبدأ اليوم بطعامك وغدا بطعامي وكان (طيب اللبن) نقي الفؤاد فوافق في الحال، وفرش المنديل ووضع عليه طعامه وتناولاه حتى اذا انتهيا قررا ان يفتش كل منهما عن مغارة ينام فيها ليله وصمم (حامض اللبن) ان يهرب ويترك صديقه (طيب اللبن) الذي جاء الى مغارة فدخلها ووصل الى نهايتها ثم وضع امامه حاجزا من الشوك ونام غير انه استيقظ عند منتصف الليل على صوت يقول: (اني اشم رائحة انسان).
فنظر (طيب اللبن) من وراء الاشواك فرأى اسدا وابن آوى وفأرا وحيوانات اخرى.
فعرف (طيب اللبن) انه نام في منتدى الحيوانات وسمع ابن اوى يقول: (لو يوجد انسان هنا لاجهزت عليه بلقمتين لا يوجد احد سوانا تكلموا ما تشاؤون).
فقال الاسد: (لو يعلم الانسان ان في الخرائب الفلانية كنوزا من الذهب مدفونة لذهب اليها واستولى عليها) وقال ابن آوى: (لو يعلم الانسان ان جمجمة فتاة باكر عذراء موجودة وراء التل..) فلم يمهله الثعلب، بل اكمل قول ابن آوى قائلا: (اذا وضع الانسان فيها حليبا من العنزة الفلانية عند الراعي الفلاني وتركها ستاتي افعى وتشرب منه ثم تتقيأ الحليب..) فسبقه ابن آوى الى النتيجة (فيكون ذلك دواء لكل مبتلى بالجنون) فقال الفأر (ولو انه علم ان بنت السلطان مريضة لذهب اليها بهذا الدواء واشفاها..) وكان (طيب اللبن) يستمع الى ذلك مبهور الانفاس ويتمنى لو ان الصباح اشرق في الحال.
فبحث عند الصباح عن الجمجمة وحلب العنزة وترك الحليب فيها فجاءت الافعى وشربت منه وتقيأته.
فأخذه (طيب اللبن) ووضعه في اناء وتوجه الى بيت السلطان وتوقف امام بابه، وشرع ينادي : "طبيب. طبيب. حكيم يشفي الامراض " .
يشفي الجنون) فخرج اليه رجل من رجال السلطان وقال له: (ان بنت السلطان مصابة بالجنون منذ سنة وانت تدعي انك تستطيع شفاءها فان لم تستطع فان السلطان يقطع رأسك كما قطع رؤوس الاخرين) واراها له.
فوافق (طيب اللبن) وادخلوه الى القصر. وطلب منهم ان يعقدوا له على البنت كي يحل له رؤية جسمها وتطبيبها فأدخلوها في غرفة خاصة ونزعوا عنها ثيابها كما طلب منهم الطبيب.
فدلك جسمها بالسائل الذي معه، واغلق عليها الباب، وتركها نائمة كما لم تنم من قبل .
ثم صحت من نومها وطلبت ملابسها وشعرت بالخجل من وضعها كما لم تشعر من قبل ونادت من اجل الطعام، فجلب لها، وفرح كل من في القصر، وسرّ والدها وقال لـ(طيب اللبن) بما انك شفيت ابنتي من مرضها فهي زوجتك حسب العقد، وانك وريثي من بعدي) فخرج (طيب اللبن) من القصر واخبرهم انه ذاهب الى اهله لجلب خزائنه بيد انه في الحقيقة استأجر جمالا وذهب الى الخرائب فحفر الارض واستخرج الكنوز المدفونة فيها، وعاد بها الى قصر السلطان وتزوج ابنته في حفل بهيج ومرت الايام واذا بـ(طيب اللبن) جالس امام قصر السلطان، فمر به رجل رث الثياب، ارسل (طيب اللبن) في طلبه، وسأله: هل تعرفني يا(حامض اللبن)؟ قال: لا قال له: انا صاحبك (طيب اللبن) اتذكر يوم أكلت طعامي وتركتني جائعا في اليوم الثاني؟ ثم قصّ عليه قصة المؤتمر والسرّ الذي سمعه من الحيوانات فكان ما كان فذهب (حامض اللبن) الى نفس المغارة التي نام بها صاحبه (طيب اللبن) وعند منتصف الليل جاءت الحيوانات واكتمل النصاب فقال الاسد: (اني اشم رائحة انسان) وأيده الجميع في قوله واحساسه، وفتشوا عنه فوجدوه وراء حاجز الشوك، وقالوا: (ان هذا هو الذي سمع سرنا في السابق وسرق الكنز فمزقوه اربا).
وروي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : " إيّاك أن توجِفَ بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة "