مقاطع من رسائل بعثها السيّد الشهيد الأول محمّدباقر الصدر (قدس سره) إلى سماحة المرجع الديني السيّد كاظم الحسيني الحائريّ (دام ظله):
بسم الله الرحمن الرحيم
«ولدي وقرّة عيني ورفيق يسري وعسري الذي قدّر لي أن افتقد قربه العزيز وأنا أحوج ما أكون إلى قربه، وأن أخسر عونه المباشر وأنا أشدّ ما أكون حاجة إلى عونه، أسأل المولى سبحانه وتعالى أن يقرّ عيني به، ويجمع شملي بلقياه، ولا يحرمني وجوده ذخراً وعوناً وولداً بارّاً بجاه محمّد وآله الطاهرين.
بالله يا أبا جواد، ما ازدحمت على أبيك القضايا والهموم إلاّ وذكرتك، وما تراكمت عليه المتطلّبات والمقتضيات إلاّ وافتقدتك; لأنّك كنت ساعدي، كنت أجد فيك ما يجده الوالد في ولده البارّ، والاُستاذ في تلميذه الوفي، ولئن كانت مرارة هذا الفراغ عاطفيّاً ونفسيّاً وموضوعيّاً تحت الشعاع فترة من الزمن لمرارات اُخرى أذهلت البال، فالآن بدأت أشعر شعوراً صارخاً بدرجة أكبر فأكبر بمرارة هذا الفراغ، وبأثره العاطفيّ والواقعيّ الذي هدّ أباك قلباً وقالباً.لا أدري لماذا أقول هذه الكلمات، ولماذا اُزعجك، واُثير شجونك بإثارتها، غير أنّها استمرار لحديث كنت قد أدرته مع إخوانك بالأمس، ذكرت لهم فيه ما أحسّه من ضياع بسبب فقدك، أي: فقد قربك على الرغم من اتساع الجهة، وزيادة تكاليفها باطراد».«اُريد أن أذكر لكم أنّ أيّ شيء تكتبه لي فسوف اُرحّب به بالقدر الذي يمكن لقلب أبيك الغارق في الآلام المتنوّعة أن يرحّب، وسأهتمّ به; لأنّي أعتبرك يا ولدي، قد اجتزت امتحاناً من أعسر الامتحانات التي يجتازها الأبناء البررة تجاه آبائهم أو من قبل آبائهم، وقد خرجت من هذا الامتحان وأنت في عين أبيك وفي قلبه ذلك الولد البارّ قلباً وروحاً وفكراً، لم يزدك الامتحان بكلّ مراراته إلاّ بنوّةً ووفاءً وإخلاصاً، وبهذا حقّقت ثقة أبيك فيك; إذ كان يخالجني في البداية الخوف من أن يكون استعمال هذا الامتحان كمرحلة يؤدّي إلى عكس الهدف المتصوّر منه، وكنت أطرد هذا الخوف بثقتي فيك، وأتذكّر أنّ هناك أبناء مرّوا على يدي آباء أنبياء بامتحانات شديدة، والحمد لله على انتهاء الامتحان، وتوضّح أنّ تلك الثقة كانت صحيحة».