النتائج 1 إلى 8 من 8
الموضوع:

۩ ۞ الـــدولــــــــة فــــــي نظـــــــر الإمــــــام علــــــي ( ع ) ۞ ۩

الزوار من محركات البحث: 31 المشاهدات : 1028 الردود: 7
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    ياجرح لا تقسى
    تاريخ التسجيل: July-2011
    الدولة: بيــن أوراقـــي
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 4,761 المواضيع: 244
    التقييم: 222
    مزاجي: يمكن محتاره
    المهنة: أخصائيه أجتماعيه في مجال الطب النفسي .. بلا وظيفة
    أكلتي المفضلة: ااامممم مافي شي معين ^_ ^
    موبايلي: Galaxy s Plus
    آخر نشاط: 30/September/2019
    مقالات المدونة: 40

    ۩ ۞ الـــدولــــــــة فــــــي نظـــــــر الإمــــــام علــــــي ( ع ) ۞ ۩



    فلسفة الدولة عند الامام علي عليه السلام
    د.نبيل ياسين

    الدولة الحقوقية موضوع اجتهد الفلاسفة في تكريسه طوال عملهم الفلسفي من اجل الدولة فلسفة الحكم عند الامام علي
    على ضوء مفاهيم الدول الديمقراطية المعاصرة

    رغم ان كثيرا من الكتابات تناولت فلسفة الحكم عند الامام علي بن ابي طالب على ضوء الشريعة الاسلامية،فما تزال هناك حاجة ،في العصر الحديث، لدراسة فلسفة الحكم و تطبيقاتها لدى الامام على ضوء النظم الديمقراطية المعاصرة ، التي تقوم على مفاهيم وتطبيقات حقوقية ،مثل سيادة القانون واحترام حقوق الانسان و الانتخابات واحترام الرأي المعارض وحرية التعبير وتعددية الافكار و الشفافية واحترام المال العام و الفصل بين السلطات، و غيرها من مفاهيم حقوقية تقود الحياة السياسية في النظم الديمقراطية القائمة على مبدأ الاختيار الحر وتداول السلطة والاحتكام الى الدستور.
    تشكل هذه المفاهيم صورة العالم المتقدم اليوم سياسيا و اقتصاديا و ثقافيا.و هي تقوم على ما عُرف في الادبيات الاجتماعية والسياسية الحديثة بالعقد الاجتماعي بين المواطنين و الدولة، حيث تبلورت صورة المواطن الفرد باعتباره حجر الزاوية الذي يقوم عليه البناء الحقوقي و السياسي للمجتمعات الحديثة.و هذا يعني ان القانون يطبق من خلال تساوي جميع المواطنين،بمن فيهم افراد السلطة الحاكمة.اي ان القانون فوق الجميع وليس هناك احد فوق القانون.اما من ناحية عمل الدستور فليس هناك اجراء اكبر من الدستور. اذ ان كل الاجراءات يجب ان تكون دستورية. اي مطابقة لنصوص الدستور و تتمتع بالشرعية الدستورية التي يتفق عليها الجميع.
    مثل هذه المفاهيم،كانت و ماتزال، القيم المرجعية لديمقراطية النظام السياسي.اي لكونه ممثلا لمصالح الغالبية من المواطنين الذين يستطيعون الحكم على هذا التمثيل من خلال الاعتراضات او الانتخابات او الاحتجاجات ،سواء من خلال التظاهر او وسائل الاعلام او التعبير عن الرأي.
    يؤكد كثير من الباحثين و الكتاب المسلمين على ان الاسلام يحتوي على هذه القيم او اكثر منها لضمان العدالة و تمثيل السلطة لمصالح المسلمين و احترام شؤونهم و خصوصياتهم و تطبيق الشريعة باعتبارها تطبيقا لسيادة القانون و الدستور و ضمان حقوق جميع المسلمين .و بالتالي فليس هناك ديمقراطية اكثر من الديمقراطية التي ينادى بها الاسلام باسم الشورى.
    غير ان هذه التأكيدات لا تصمد في تاريخ الحكم عبر اكثر من الف و اربعمائة سنة. صحيح أن الاسلام يتضمن مثل هذه الرؤية، ولكن تطبيقها لم يكن قاعدة و انما كان استثناء .و قد مثل هذا الاستثناء التطبيق الذي شهدته فترة حكم الخليفة الرابع علي بن ابي طالب. و سنبحث ذلك ، ليس فقط في النصوص و النظريات الخاصة بفلسفة الحكم و شرعيته التي وردت في خطب و احاديث و عهود الامام علي، و انما في التجربة التي استمرت اكثر من ثلاثين عاما و تلخصت في السنوات الاربع التي استغرقتها خلافة الامام.
    كانت السقيفة بداية التجربة الديمقراطية التي خاضها فكر الامام علي السياسي المنبثق عن التصور الاسلامي و النص الاسلامي.فمنذ البداية كان هناك عدم وضوح لطبيعة (الامر) الذي تمت مناقشته في السقيفة. فوفاة الرسول(صلى الله عليه و آله) انهت واجبات النبوة و فتحت الباب امام واجبات من نوع جديد. وكانت المبررات التي ساقها عمر بن الخطاب لحصر (الامر) بيده في الواقع مبررات لصالح تبوء الامام علي موقع الخلافة مثل السبق الى الاسلام و القرشية و الهجرة و القرابة من الرسول. و بعد ان كانت نتيجة المجادلات في السقيفة خلافة ابي بكر بالطريقة التي تمت بها، كانت اعتراضات الامام علي تنصب على عدم اعطاء هذه الطريقة من التخليف الشرعية التي كان الامام علي يمثلها والتي جعلت ابا بكر و عمرا حريصين على الضغط على الامام علي لاعطائها لكي تأخذ الخلافة شرعيتها.
    يقوم الفكر السياسي والاجتماعي الديمقراطي المعاصر على افكار و مفاهيم فلاسفة وكتاب و حقوقيين و سياسيين غربيين طوروا افكارهم و جعلوها قابلة للاعتناق و التنفيذ على مدى اكثر من ثلاثة قرون.و تتوزع هذه الافكار و المفاهيم على عدد واسع من هؤلاء الفلاسفة و الكتاب و الحقوقيين و السياسيين حيث اختص كل واحد منهم بتطوير واحد او اكثر من هذه المفاهيم و الافكار مثل الحرية و الفصل بين السلطات و التفاوت بين البشر و حقوق الانسان و حق المواطنة و العدالة و دور الدولة و الدين و الدستور و الحكم المطلق و المقيد و غيرها من افكار وم فاهيم المجتمعات و الدول الديمقراطية الغربية الراهنة.
    غير ان ما يثير الانتباه هو اننا نرى فصلا في اغلب الاحيان بين منتجي هذه الافكار و بين مطبقيها، فانتاجها اقتصر في الغالب على الفلاسفة و الموسوعيين و الكتاب و الحقوقيين في حين اضطر الساسة لتطبيقها والاخذ بها بعد ان تحولت الى مرجعيات قانونية و حقوقية تضمنتها دساتير الامم الديمقراطية.
    اما فيما يتعلق بالمفاهيم و الافكار التي تضمنتها الفلسفية السياسية و الاجتماعية للحكم لدى الامام علي، فاننا نرى ان هناك مصدرا واحدا مشتركا لانتاجها و تطبيقها هو شخص الامام علي نفسه.فهو يجمع بين انتاج الفكر الفلسفي و الحقوقي و الاجتماعي و بين ممارسته و تطبيقه من خلال عمل السلطة نفسها.

    مفهوم الدولة والسلطة
    يشكل مفهوم الدولة الذي صاغه التطور السياسي والاجتماعي الاوربي حين تحللت الامبراطوريات فوق الدولة و اصبحت الدول القومية الحيز الاول لممارسة السلطة.و في المفاهيم المعاصرة فان الدولة مفهوم ظهر في القرن السادس عشر و تبلور ضمن انسحاب الامبراطوريات الى حدودها القومية وبالتالي فانها نوع من التنظيم الاجتماعي القائم على قوة مادية. لذلك يقول اهرنغ(ان انعدام السلطة المادية هو الخطيئة المميتة للدولة)(الدولة -جاك دونديو دوفابر) ص6
    غير ان التمادي في استخدام السلطة المادية يحول الدولة الى مستبد. و لذلك ظهرت افكار تنادي باقامة مؤسسات المجتمع المدني لتحد من هيمنة الدولة المادية على المجتمع.
    ولذلك قال فولتير في (المعجم الفلسفي):لم اعرف حتى الان اي شخص لم يحكم دولة ما)(نفس المصدر-ص5) وهو يعني(ان جميع الناس الاخرين الذين يعرضون عند تناول العشاء او في مكاتبهم اسلوبهم للحكم و اصلاح الجيوش و الكنيسة و القضاء و المالية)(نفس المصدر)
    هذا يعني ان الدولة و سلطتها امر يهم الجميع بما ان الدولة و السلطة تعنيان بامور المواطنين. و نجد تاكيد حق المواطنين في تناول امور الدولة في عهد الاشتر جيث يقول الامام علي( ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و ان الناس ينظرون من امورك مثل ما كنت تنظر من امور الولاة قبلك ،يقولون فيك ما كنت تقول فيهم)(عهد الاشتر )ص27
    يتجاوز هذا القول، قول فولتير.اذ ان فولتير يشير الى امكانية ان يكون موضوع الدولة امرا مختلفا عليه ، في حين يشير قول الامام علي الى حق المواطنين في نقد تصرفات الدولة من خلال تحقيق مصالحهم او عدم تحقيقها ، و بالتالي فان هناك تخصيصا للوظيفة الاساسية للدولة و هي تحقيق العدالة بمختلف اصنافها ، سياسية او قضائية او اجتماعية.
    كما يعني قول الامام حق المواطن في التعبير عن رأيه في نقد الدولة و ممارساتها، و يذهب ابعد من ذلك حين يؤكد النص على ان الدولة تعبير عن مصالح مواطنيها و لذلك فانهم احرار في نقد سياسة الدولة اذا لم تعبر عن مصالح المواطنين. و هذا يجعل الدولة او السلطة تحت معيار الرقابة الشعبية كما يحدث في الدول الديمقراطية المعاصرة.
    هذا على المستوى النصي النظري، و لكن الامام علي لا يتوقف عند محتوى النص، فهو حاكم مطبق لنصه و محتواه فعليا. فاثناء خلافته طبق الامام من خلال عدة احداث التزامه ، و هو الحاكم، بتطبيق بنود نصه و فكره و موقفه.ان حوادث واقعية كثيرة تثبت ذلك ، منها العقد الذي استعارته ابنته من خازن بيت المال و وقوفه مع اليهودي الذي رهن لديه درعه و اعتراضه على تمييزه من قبل القاضي بتكنيته ،و قبوله النقد الموجه اليه من مواطنيه و موقفه من الخوارج كمعارضة لها الحق في الاعتراض السلمي و نقد السلطة.
    ان افكار و مفاهيم عدد من الفلاسفة والكتاب و التنويريين كانت اساسا للتحولات السياسية الكبرى نحو الديمقراطية التي قامت على انتاجهم الفلسفي والفكري مثل جون لوك (1632-1704) الانجليزي، و ديفيد هيوم(1711-1776) الاسكتلندي، و هيغل(1770-1831)الالماني، و توماس هوبز(1588-1679) الانجليزي و جون ستيورات مل(1806-1873) الانجليزي و مونتسكيو(1689-1755) الفرنسي.و غيرهم


  2. #2
    من المشرفين القدامى
    ياجرح لا تقسى
    مفاهيم الدولة الحقوقية الحديثة
    ناضل الفليسوف جان لوك طويلا من اجل الحرية السياسية في انجلترا في زمن الحكم المطلق، فكتب (في الحكم )و (حول الحكم المدني) 1690و(رسائل حول التسامح)1692 و كلها تحتوي على افكار ليبرالية لم تكن معهودة من قبل تتصف بالعقلانية و التجريبية وكان يعتمد على العقل و الوقائع و يبشر بالتسامح بين المذاهب و الافكار. لكنه كان قد عمل ثمانية عشر عاما في كتابه (محاولة في الفهم البشري) و هو بدايات الاهتمام بالعقل و الانسان باعتباره هو من يقرر حاجاته و مصالحه.
    اما ديفيد هيوم ، فقد قام فكره ايضا على دور الاخلاق في السياسة فكتب (فحص عن مبادئ الاخلاق) و (محاولات اخلاقية وسياسية)1741 و اهتم ايضا بالفهم البشري و الطبيعة البشرية ، اذ كانت هذه المفاهيم تعد حكرا على الكنيسة، و لذلك فان تناولها بصورة عقلانية كان يعد نوعا من الهرطقة و التشكيك ، و لذلك لعبت مثل هذه الافكار دورا في اعطاء المواطن و الفرد دورا تدريجيا ليكون جزء من عملية اختيار الحكم.
    اما هيغل فقد كان بعيد الاثر في الافكار اللاحقة خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين (الايمان و العلم) و (المنهج العلمي للقانون الطبيعي)، لكن الاثر الذي تركه في الدولة الحديثة قام على مبادئ كتابه (مبادئ فلسفة القانون) الذي صدر عام1818 و مبادئ كتابيه (فلسفة التاريخ) و (فلسفة الدين) و من خلال هذه الدراسات ارسى المذهب الجدلي المثالي القائم على التطور و التغير و التحول المستمر غير المتوقف للتاريخ و الطبيعة و الروح و هو ما دفع الفلاسفة و المفكرين الالمان الى الثورية و الوقوف ضد عبادة السلطة.
    و يتميز هوبز بصياغة فكرة المواطن ، و كان قد خاض غمار الصراع السياسي حول الحكم الملكي المطلق الذي كان من انصاره، و اضطر الى العيش في فرنسا، و كان قد كتب كتابين هما ( في الطبيعة الانسانية ) و ( الجسم السياسي) وكانت هذه المواضيع جزء من الصراع حول طبيعة الحكم و علاقة الانسان بها ، و لذلك فانه طور الكتاب الثاني الى (العناصر الفلسفية للمواطن) المعروف باسم (في المواطن) و كانت اثاره تتمحور على اولوية الدولة على الكنيسة ، و كتب كذلك ( الحرية و الضرورة) عام 1654 و كتب ايضا (العناصر الفلسفية في الجسم) (و العناصر الفلسفية في الانسان) اللذين اثارا عليه رجال الدين الانجليز باعتباره مناهضا للدين، داعيا الى ضرورة العناية بالمواطن الفرد باعتباره حجر الزاوية في النظام السياسي. و كان هوبز قد عانى من الحروب الدينية و الاهلية التي عصفت في اوربا و لذلك دارت افكاره حول ( الانسان ذئب مقابل الانسان) اذا لم يكن هناك قانون و سلم اجتماعي و حكم قوي و لكن بتحديد سلطة الدولة و سلطة العاهل الذي يمثلها ، وبذلك ارسى مبادئ اضعاف الحكم المطلق بقيام عناصر المجتمع المدني بذلك. و هو بذلك استبعد شرعية الحق اللالهي التي كان الحكم المطلق يقوم عليها كما انه انتقد مفهوم السلفية السياسية-القانونية لهذا الحكم. حيث اعتبر الانسان فردا محكوم بقوانين نزعة انانية نفعية فردانية تتناسب مع غريزة السيطرة و هو المفهوم الذي قامت عليه نظريته السياسية العملية.
    و رغم التناقضات في فلسفته المعادية لرجال الدين الا انها فتحت الباب امام افكار فولتير وديدرو وهولباخ بعده.
    يخطو مل خطوات اكثر عملية في فلفسته فهو يكتب عن (النفعية) و (اوغست كون و الوضعية) و (مبادئ الاقتصاد السياسي(1848) في زمن الثورات الشعبية المناوئة للحكم المطلق و الملكية في اوروبا و التي شهدت صعود الطبقات المسحوقة ، و لذلك يكتب (تأملات حول الحكم التمثيلي) و ينتخب لمجلس العموم و يطالب بحق المرأة الانتخابي و يكتب (عبودية النساء) و كان يطالب بالاصلاح و السياسة الليبرالية و يهاجم الاستبداد القانوني ضد المرأة.
    يبقى اخيرا مونتسكيو الذي اشتهر بدعوته لفصل السلطات و بكتابه (روح القوانين) الذي حاول ان يثبت فيه ان القوانين تتغير و هي ليست تعبيرا عن نزوات و ليست اعتسافية و يعتبر الفضيلة هي ان الجمهورية ترتكز على الروح المدنية و ان فصل السلطات يحمي الحريات السياسية و عني بالديمقراطية و الاستيداد.
    هؤلاء بشكل عام ، اضافة الى آخرين مثل ديدرو وروسو و فولتير و فورباخ وغيرهم كثيرون ، ارسوا معالم الفكر العقلاني السياسي و الفلسفي الجديد الذي قامت عليه النظم الديمقراطية في اوروبا.
    و نرى من خلال الاستعراض الدقيق لمفاهيمهم و افكارهم ان هناك قاسما مشتركا لها هو الانسان و الحرية و القانون و العقل و الحكم المدني و التسامح و الموقف السلبي من رجال الكنيسة الذين كانوا يحتكرون الحقيقة و المعرفة و يحجبون الحقائق عن البشر.
    ان هذه المعالم تجسدت في وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، اكثر منها في اية وثيقة اخرى. فهذه الوثيقة خلاصة سياسية و حقوقية و اجتماعية ، لعمل اكثر من ثلاثة قرون من الجدل و الصراع السياسي و الفكري و الفلسفي و الاجتماعي في اوروبا.و قد صاغت الوثيقة الحقوق الاساسية التي ناضل الفلاسفة و الكتاب و المفكرون التنويريون من اجلها في مصنفاتهم. و هي ليست صياغات عابرة بل نتاج التطورالتاريخي لارضيتها التي شهدت هروب و نفي و سجن و اعتقال و مطاردة اصحابها.
    فاين تقع هذه المفاهيم في فلسفة الحكم عند الامام علي؟ هل تتناقض معها او تكون قد سبقتها في النص والممارسة؟

    معالم الدولة الديمقراطية
    في فكر الدولة عند الامام علي

    لم يبق الامام علي صامتا امام النص القرآني، فقد كان نهج البلاغة و اقوال و خطب اخرى للإمام علي تفسيرا فلسفيا و روحيا و تأمليا للطبيعة و الكون و الروح و القدر و الانسان و السلطة و التربية و التسامح و المدنية ، اضافة الى التطبيق الفعلي لهذه القيم و المفاهيم التي جسدها باعتبارها تعبيرا عن القيم القرآنية ،و لذلك لم يكن الامام علي مترددا في النصوص التي خلفها ، و لم يتردد في كشف مضامينها دون تورية او ترميز.
    يتناول النص لدى الامام علي هذه الافكار و المفاهيم في مختلف الفترات و المراحل، خاصة التي سمح فيها الامام لنفسه المضي في الحديث بعد ان توقفت الاحاديث النبوية بوفاة الرسول(صلى الله عليه و آله) حي اصبح حديثه امتدادا جوهريا للاحاديث النبوية شرحا و تحليلا و تكريسا.
    يتضح من عهد الاشتر ان الامام علي تعامل مع الدولة كما يتم التعامل معها الان في الدول الحديثة. فهذا العهد هو عمل دستوري من جهة ، و توصيف لواجبات الدولة الحديثة من جهة اخرى.ورغم عدم وجود مؤسسات الحديثة في عهد الاام ، الا ان وظائف هذه المؤسسات وردت في العهد من خلال تحديد موقف الحاكم من وظيفته و وظائفها. بمعنى حديث ، فان الامام علي حرص على دستورية التصرفات التي يقوم بها الحاكم متجنبا وقوع الحاكم في اتخاذ قرارات غير دستورية و غير شرعية. يتضح ذلك من الطلب من الحاكم ان يتبع في تصرفه و سولكه الفرائض و السنن التي اوجبها الله، و بالتالي فان مرجعية القرارات هي شرعية هذه الفرائض و السنن، و لذلك جعل الرأي العام رقيبا على تطبيق العدل، و هو اساس الملك ، حيث تتفرع منه و عنه بقية العدالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
    و يتناول الامام علي الطبيعة البشرية مبتدأ بها، كونها المنطلق الغرائزي عند البشر، فيوجه الحاكم الى استشعار الرحمة في قلبه و المحبة لمواطنيه و اللطف بهم فلا يكونن سبعا ضاريا يغتنم اكلهم(عهد الاشتر.ص29). و بهذا يكون الامام علي قد سبق فلاسفة فلسفة الحكم الديمقراطي الذين تناولوا الطبيعة البشرية و علاقتها بالحكم مثل هوبز و هيوم و لوك. كما انه يؤكد حق المواطنة بالاقرار بان الرعية (الواطنين) تتمتع بهذا اللطف والرحمة بالتساوي والعدل بغض النظر عن الدين، فالمواطنون، من حيث الموقع الديني، صنفان اما اخ للحاكم في الدين او نظير له في الخلق ( العهد .ص29) وهو بهذا يساوي بين ثلاث درجات و يلغي التمايز بينهما . فالحاكم ليس اكثر من اخ في نفس الدين او مساو لبقية البشر من الاديان الاخرى.
    ان هذا الاختصار الحقوق و الفلسفي لمفهوم المواطنة يتوسع على مثيله لدى هوبز في تصنيف المواطن ، و يتوسع على مثيله لدى لوك في مفهوم التسامح. فالتسامح عند لوك انطلق من الصراع بين الكاثوليكية و البروستانتية، بينما ينطلق مفهوم التسامح عند الامام علي من نقطة ابعد واعمق< هي الانسانية و الخلق، و هذا يتعدى حتى الاديان ليصل الى بلورة اهمية دور المواطنة و وظيفة الحاكم في التعامل العادل مع الحق الانساني. ان الامام علي لا يذهب مع هوبز الى اولوية الدولة على الكنيسة بالطريقة ذاتها، و انما يجعل الدولة ممثلة لوظيفة الايمان بالعدالة و المساواة و الرحمة و تسبق اليها قبل العقوبة الدينية كونها رادعا اكثر منها قصاصا.الحق لدى الامام يعلو على التمايز الديني كونه حقا انسانيا قبل كل شئ ، و وظيفة الدين هي تحقيق هذا الحق .
    و هذا المفهوم يتطابق تماما مع المادة الثانية من وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تقول( لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في الاعلان، دونما تمييز من اي نوع، و لاسيما التمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي سياسيا او غير سياسي، او الاصل الوطني او الاجتماعي او الثروة او المولد او اي وضع آخر).(الاعلان العالمي لحقوق الانسان)
    ان مفهوم نظير لك في الخلق يختصر اللون و المنشأ و البلد و اللغة و كل شئ ليعود الى الاصل الانساني الشامل.
    و يتناول الامام علي مفهوم التعسف باستخدام الحق او التعسف باستخدام القانون. فالعقوبة ليست فضيلة مطلقة،اذ يقرر الامام علي بان الطبيعة البشرية للناس تجعلهم(يفرط منهم الزلل، و تعرض لهم العلل) و لذلك فان التسامح لا يكون بين المواطنين فحسب، و انما بين المواطنين و الحاكم.(فاعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه و صفحه.
    ان التعاليم و فلسفة الحكم لدى الامام هي تعاليم الهية موجهة الى الحاكم.لكن الامر ليس انعكاسا جامدا بقدر ما هو تطبيق فعلي لتجنب الاستبداد و الطغيان و الخطأ في استخدام الحق، فحق الحاكم ليس فوق حق المواطن الا بقدر ان الحاكم مسؤول عن تطبيق العدالة بمنظورها الالهي.و هذا ما يتناسب و روح القوانين التي بين مونتسكيو انها ليست نزوات و ليست تعسفا و انها تستهدف حماية الانسان من التسلط و الطغيان. و هو ما يتفق مع المادة الحادية عشرة من الاعلان العالمي التي تقول( لا يُدان اي شخص بجريمة بسبب اي عمل او امتناع عن عمل لم يكن في حينه يُشكل جرما بمقتضى القانون الوطني او الدولي ، كما لا توقع عليه اية عقوبة اشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي) الاعلان العالمي لحقوق الانسان
    ان الامام علي يأمر الحاكم بان( لا تندمن عن عفو و لا تتبجح بعقوبة و لا تسرعن الى بادرة وجدت منها مندوحة(العهد .ص30) وهذا مايتناسب تماما مع نص المادة الحادية عشرة ، بل يتجاوزها الى اولوية العفو في المسائل التي يمكن ان لا تشكل ضررا اجتماعيا و ان لا تكون العقوبة ضربا من الانتقام.
    يهتم الامام علي بفلسفة الدولة و مؤسساتها وم ؤسسات المجتمع المدني و دور القطاعات المهنية و الاجتماعية و تمثيلها في الحكم، فيقول(اعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض و لا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله ، و منها كتاب العامة و الخاصة ، و منها قضاة العدل، و منها عمال الانصاف و الرفق، و منها اهل الجزية و الخراج من اهل الذمة و مسلمة الناس، و منها التجار و اهل الصناعات، و منها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة و المسكنة، و كل قد سمى الله له سهمه و وضع على حده فريضته في كتابه او سنة نبيه صلى الله عليه و آله و سلم، عهدا منه عندنا محفوظا)(العهد ص53)
    نحن هنا امام مبادئ سياسية و اقتصادية، منها تقسيم العمل و دور الصناعات و التجارة و الزراعة و دور الدولة الاقتصادي و دور النشاط الخاص و قدرته على ادارة المشروعات الاقتصادية و اشراف الدولة الاقتصادي.ان مسألة الربط بين النشاطات (لايصلح بعضها الا ببعض و لا غنى ببعضها عن بعض) يؤكد اهمية الترابط بين القطاعات الاقتصادية و هو ما تقوم عليه الدولة الحديثة. فالضرائب التي تقوم عليها الدول الرأسمالية الديمقراطية توفر ميزانية الدولة الرئيسية الداخلية للصرف على الخدمات، و هنا يقوم الخراج و الجزية بهذا الدور (ثم لا قوام للجنود الا بما يخرج لهم من الخراج)(العهد ص55)اما بالنسبة للجنود فهم ( حصون الرعية.. و سبل الامن .. و لا تقوم الرعية الا بهم) و هذه المهمات تجعل من هذه المؤسسة مؤسسة خارج التاثيرات الأساسية كما هو الحال في الدول الديمقراطية كما يقول ايهرنغ (ان انعدام السلطة المادية هو الخطيئة المميتة للدولة و التي لا هوادة فيها و لايتحملها المجتمع او يتسامح بشأنها. ان الدولة المجردة من سلطة الاكراه المادية تتناقض مع نفسها)(الدولة ص6-7)
    ويعود الامام علي الى امر الخراج كونه المصدر الاول للضرائب التي تقوم عليها الدولة(و تفقد امر الخراج بماي صلح اهله، فان في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم و لا صلاح لمن سواهم الا بهم، لان الناس كلهم عيال على الخراج و اهله، و ليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لايدرك الا بالعمارة ، و من طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد و اهلك العباد و لم يستقم امره الا قليلا)العهد ص83.
    تكشف التطورات اللاحقة لخلافة الامام علي صدق هذه المبادئ ، خاصة فيما يتعلق باللتاعسف الاموي في استحصال الضريبة على حساب عمارة الارض، الاداة الرئيسية للانتاج آنذاك. و يؤكد نص الامام علي على قضية بالغة الاهمية و هي ان الناتج الاقتصادي لا يقوم على الجباية بقدر ماي قوم على توفير المستلزمات الاساسية لاستمرار الموارد المالية، و هي اصلاح الارض و مساعدة عمالها على التغلب على العقبات الطبيعية مثل الجفاف و الفيضانات فحماية مصدر الموارد اهم من الحصول عليها (و ليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج). وهذا المبدأ تعرض في زمن الامويين الى التخريب حيث اصبحت كثير من الاراضي الخراجية عشرية عن طريق القبالة او البيع ، ولذلك اعاد القاضي ابو يوسف على الرشيد مسآلة عدم (تقبل السواد و لا غير السواد من البلاد، فان المتقبل اذا كان في قبالته فضل عن الخراج عسف اهل الخراج، و حمل عليهم و ظلمهم و في ذلك و امثاله خراب البلاد و هلاك الرعية) (كتاب الخراج لابي يوسف 150). و هذا ما يجعل من مبدأ الامام علي مصدرا لافكار و مفاهيم القاضي ابي يوسف ، خاصة و انه يستخدم تقريبا نفس المفردات التي وردت في عهد الاشتر من ( خراب البلاد وهلاك العباد).
    لقد صاغ الامام علي في هذا النص مبدأ اقتصاديا من مبادئ الاقتصاد و هو مسؤولية الدولة عن حماية المصادر القومية للاقصاد.و هو مبدأ اساسي من مبادئ الدولة العصرية. يقول دوفابر(يترتب على الدولة العصرية ان توفق بين كيانها و بين التوسع العظيم لنشاطاتها و مسؤولياتها الاقتصادية)(الدولة .ص56)
    ان ما تقوم به الدولة الديمقراطية الحديثة في مجال الاقتصاد يعبر عنه دوفابر بقوله (ان فكرة مسؤولية الدولة الاجمالية تجاه الاقتصاد بمجموعه تعد فكرة حديثة و عصرية وهي تبدو متصلة بالنمو الفني و الصناعي و بتقدم التفكير الاقتصادي و المالي، و تطبيق انظمة الديمقراطية)(الدولة .ص57)
    هذه الفكرة العصرية و الحديثة وجدت انعكاسها في الترتيبات الاقتصادية للامام علي سواء في نصه الموجه الى الاشتر او في تطبيقه لها اثناء خلافته.

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    ياجرح لا تقسى
    الدولة الحديثة
    و نظام الضمانات الاجتماعية

    و يتفق مفهوم ( ان الناس كلهم عيال على الخراج و اهله ) مع نظام الضمانات الاجتماعية الذي اخذ يميز الدولة الديمقراطية الحديثة ، حيث تكفل هذه الضمانات التي تعتمد على الضرائب، اعالة العجزة و كبار السن و العاطلين عن العمل بتوفير الحد الادنى للعيش. كما يتفق نص الامام علي ، مع نص المادة الثانية و العشرين من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الخاصة بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية التي تنص على انه (لكل شخص ، بوصفه عضوا في المجتمع ، حق الضمان الاجتماعي، و من حقه ان توفر له، من خلال المجهود القومي و التعاون الدولي، و بما يتفق مع هيكل كل دولة و مواردها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي لاغنى عنها لكرامة و لتنامي شخصيته في حرية.) الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
    يمضي الامام علي في تاكيد مسؤولية الدولة لتوفير الحد الادنى من ضمانات العيش فيؤكد (ثم الطبقة السفلى من اهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم و معونتهم)(العهد .ص56)و هذه الطبقة اصبحت تجبر الدول الحديثة على توفير ادنى الضمانات الاجتماعية التي اقرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان كما جاء في المادة الثانية و العشرين التي ذكرناها آنفا.

    مصداقية الدولة الحديثة
    و احترامها للمواثيق

    تشغل الازمات بين الدول بال المفكرين و القانونيين ،كما تشغل بال السياسيين الذيت يتولون ادارة هذه الازمات مباشرة.، و قد توصل الفكر المعاصر بعد حروب عالمية طاحنة الى فكرة القانون الدولي و المعاهدات الدولية.(ان كثيرا من المعاهدات و الاتفاقات الدولية تنشئ اليوم او تحاول ان تنشئ منظمات دولية يلزم نشاطها الاعضاء ) (الدولة ص78).
    هكذا نشأت الامم المتحدة و الاتحاد الاوربي و منظمات دولية كثيرة لكي تجعل من العهود و الاتفاقيات ملزمة لاطرافها و هي صفة من صفات الديمقراطيات الغربية بعد الحربين العالميتين الاولى و الثانية.ان الامام علي ينص علي الاشتر في عهده ما يلي ( و ان عقدت بينك وبين عدوك عقدة او البسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمتك بالامانة و اجعل نفسك جنة دون ما اعطيت، فانه ليس من فرائض الله شئ الناس اشدّ عليه اجتماعا،مع تفرق اهوائهم وتشتت آرائهم، من تعظيم العهود)عهد الاشتر ص131 .
    يكشف هذا النص ملاحظة سياسية و اجتماعية بالغة الدقة و العمق ، و هي ان اختلاف الاراء و المواقف سمة بشرية و هي مقبولة فهي ظاهرة اجتماعية عميقة الجذور. و رغم عمق ظاهرة الاختلاف في الرأي و قبول الامام علي بها كظاهرة طبيعية ذات مغزى سياسي و اجتماعي ديمقراطي الا ان هذا الاختلاف و التشتت يجمعان من جديد على قضية حقوقية و سياسية ذات اهمية لما تسميه الديمقراطيات الحديثة بالمصداقية ، مصداقية الحكومة التي يشكل تعرضها للشك تهديدا للحكومات و الاحزاب امام الرأي العام. فنقض العهود و خيانتها بالتالي هي نقض لفريضة دينية ، و بالتالي تصبح مصداقية اية سلطة مهددة مما يؤثر على شرعيتها و قبول الناس لها.
    يكشف النص شيئا آخر يشيع في الديمقراطيات الحديثة ايضا ، و هي تحمل المسؤولية الاخلاقية فرديا اذا اقتضت الضرورة (و اجعل نفسك جنة دون ما اعطيت) وهو ما يعرف باقدام من يتحمل المسؤولية الاخلاقية على الاستقالة اذا لم يستطع ضمان ما تعهد به او تعرضت مصداقيته للخلل.و هذا يعطي التعهد و الالتزام قيمة اخلاقية فوق القيمة السياسية و النفعية.
    و يؤكدالامام علي اهمية مصداقية اية سلطة او حاكم بقوله( ايها الناس، ان لي عليكم حقا ، و لكم علي حق.فاما حقكم عليَّ فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم) فالنصيحة هي بمعنى معاصر مصداقية الحاكم و عدم الاخلال بها. تقوم الدولة المعاصرة على الاختصاص.فالفروع المختلفة من اقتصاد و مالية و تقنيات و تخطيط و تربية و غيرها ليست مهمات سياسية بقدر ما هي مهمات تقنية. و تتعامل الحكومات الديمقراطية مع هذه الفروع تعاملا تكنوقراطيا. فعدا الوزير و ربما نائبه اللذين يكونان من السياسيين ، هناك فرق من الاختصاصيين التكنوقراط يخططون وي نفذون امور الدولة.
    الاختصاصات وتوسع مهام الدولة

    ينص الامام علي في عهده الى الاشتر (واكثر مدارسة العلماء و منافثة الحكماء في تثبيت ماصلح عليه امر بلادك و اقامة ما استقام به الناس قبلك) (عهد الاشتر .ص51)
    يحقق موضوع الاعتماد على الخبرة والاختصاص عدة قضايا في وقت واحد. فمن جهة يلغي المحسوبية و العلاقات الخاصة و العامة، و من جهة اخرى يجعل العمل مشتركا بين اكثر من فريق و رأي فيحقق الرقابة التي اصبحت في الديمقراطيات المعاصرة تسمى الرقابة البرلمانية و هي من اختصاصات البرلمان. و مفهوم العلماء و الحكماء اخذ يشمل اليوم مختلف الاختصاصات التقنية و العلمية اضافة الى الاختصاصات القانونية و الحقوقية. اذا كان الامام علي قد اشتهر بدعوته المتجددة و المتكررة الى العدل و المساواة ، فان الديمقراطيات الحديثة في الواقع هي دول سيادة القانون الذي يتوخى تحقيق العدالة بسريانه على الجميع بمن فيهم الحكام.
    يقول دوفابر (ان الدولة الحديثة هي دولة حقوقية ،و تعني هذه العبارة من جهة ان تصرفات الحكومة تخضع لقواعد ثابتة و اكيدة،كما يستطيع الافراد، من جهة ثانية المطالبة باحترام هذه القواعد عن طريق اثارتهم،امام قضاة مستقلين،الحقوق التي تمنحهم اياها إزاء الدولة)(الدولة.ص12) و يقول ماك ايلفين(ان القدماء كانوا يتكلمون عن الحقوق بالفاظ سياسية، في حين اننا نتكلم اليوم عن السياسة بالفاظ حقوقية)(نفس المصدر.ص13)
    (و يتميز الدستور الانجليزي بمبدأ اساسي هو حكم القانون ،و ذلك يعني انه لا يعاقب احد او يمكن ان يضار قانونا في جسده او ماله الا نتيجة خرق واضح للقانون بالاسلوب القضائي العادي امام المحاكم العادية في البلاد.كما يعني في المقام الثاني انه لا يوجد بيننا شخص فوق القانون فحسب، و لكن الامر الذي عكس ذلك هو ان كل شخص مهما تكن رتبته او ظروفه يخضع للقانون العادي للمملكة و يسأل امام المحاكم العادية)دراسات في نظم الحكم- الديمقراطية البرلمانية الانجليزية.ص5.
    ان الدستور البريطاني يعمم بواسطة حكم القانون، مما يعطي القانون نفوذا و سلطة اكثر مما يعطي اية جهة سياسية حكومية او مدنية اخرى.و لذلك فان القانون و سيادته يعدان مرجعية للخلافات السياسية التي تنشأ في الازمات.

  4. #4
    من المشرفين القدامى
    ياجرح لا تقسى
    الدولة الحقوقية الحديثة
    و العدالة عند الامام علي

    تأخذ العدالة حيزا واسعا في فلسفة الحكم عند الامام علي. و هي تشكل هاجسا مستمرا لان فلسفة الحكم عند الامام علي تنطلق من سيادة القانون الذي يحقق سيادة العدالة. ان جوهر الفكر السياسي للامام علي هو العدالة مما يتطابق مع تاريخ و انتاج الفكر السياسي و الاجتماعي للديمقراطية في الغرب القائم على فكرة المساواة بين البشر امام القانون. و يقتضي هذا جهازا قضائيا مستقلا غير خاضع لرغبات الحاكم، و هو الامر الذي استشرى في السلطة الاموية و العباسية بحيث نشأت في التاريخ الاسلامي محنة القضاء حيث رفض كثير من المثقفين و الفقهاء المسلمين تولي القضاء لسلطة توجهه حسب مصالحها. فقد رفض اياس بن معاوية و الشعبي و سفيان الثوري و غيرهم تولي القضاء و صاروا يتمسكون بالحديث الشريف (من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين). كما تكررت المحنة في عهد المأمون حيث اجبر القضاة على تبني مبدأ خلق القرآن.
    يقول دوفابر حول وضع القضاء في الانظمة الديمقراطية (ان نظام القضاة وكيان التنظيم القضائي يتجهان نحو اقصاء ممارسة العدالة عن المنافسات السياسية و الصراع الاجتماعي و النفوذ الحكومي) (الدولة.ص37)
    ينص عهد الاشتر على المساواة( و لاي كونن المحسن و المسئ عندك بمنزلة سواء ، فان في ذلك تزهيدا لاهل الاحسان في الاحسان و تدريبا لاهل الاساءة على الاساءة و لزم كلا منهم ما لازم نفسه( (العهد. ص45)، و هذا يعني ان تكون للحاكم قدرة التمييز الحصيف اولا و قدرة الحياد الثابت تجاه المسئ فليست هناك محسوبية او تردد شخصي او عائلي او عشائري في مبدأ الثواب و العقاب ، كما ان ذلك من شأنه اعادة اصطفاف القيم فيكون الاحسان و الاساءة شيئا واحدا و ربما غلبت الاساءة و اصبحت من القيم السائدة كما حصل فيما بعد حين اصبحت العدالة رغبة الحاكم في معاقبة البعيد رغم احسانه و اثابة القريب رغم اساءته.
    و يعتمد هذا ايضا على شخصية الحاكم و مدى التزامه بالعادلة و القانون (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الامور ولاتمحكه الخصوم و لا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفئ الى الحق اذا عرفه و لا تشرف نفسه على طمع .....ممن لا يزدهيه اطراء و لا يستميله اغراء و اؤلئك قليل) (العهد .ص72 )
    لا يكتفي الامام علي بايراد العرض في النص وفق السياق الديني او الحقوقي فحسب و انما يذهب الى اشارات مختصرة ، لكنها كافية في دلالاتها الاجتماعية و الانسانية و النفسية. ان الحصول على قاض نزيه و يتصف بنكران الذات اضافة الى تمتعه بالمعرفة اللازمة لامور القضاء يمكن ان تكون متوفرة نظريا في كل نص. فالديمقراطية المعاصرة تحدد نفس الشروط تقريبا، غير ان الامر يتعقد حين يتحول الى تجربة عملية (و اؤلئك قليل). انهم عملة نادرة و لكن لابد منها و لابد من معرفة النوازع التي يمكن ان تحركهم خارج العدالة و النزاهة.ان شواهد التاريخ كثيرة في هذا الصدد. انها تضم تاريخا من الاستبداد و مصادرة العدالة و عدم نزاهة القضاء، و لكنها في الوقت نفسه تضم تاريخا من العدالة و النزاهة و الثبات على القيم الحقوقية حتى على حساب المصالح الفردية حيث قدم كثير من القضاة التضحيات من اجل تطبيق العدالة رغم ارادة و رغبة الحاكم او نفوذه.و هو ما ثبتته المادة السابعة و المادة الثامنة و المادة التاسعة و المادة العاشرة و المادة الحادية عشرة من مواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان ،الامر الذي يتفق تماما مع الرؤية االفلسفية و الفكرية للمام علي في اعتباره العدالة المنطلق لجميع الحقوق و المهد الذي تتربى فيه قيم الدولة الاخرى في علاقتها بمواطنيها.
    تنص المادة السابعة من الاعلان على مايلي (الناس جميعا سواء امام القانون، و هم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز)كما تنص المادة الثامنة على انه (لكل شخص حق اللجوء الى المحاكم الوطنية المختصة لانصافه الفعلي من اية اعمال تنتهك الحقوق الاساسية التي يمنحها اياه الدستور او القانون)فيما تنص المادة التاسعة على انه (لا يجوز اعتقال اي انسان او حجزه او نفيه تعسفا).اما المادة العاشرة فتنص على انه (لكل انسان على قدم المساواة التامة مع الاخرين الحق في ان تنظر قضيته محكمة مستقلة و محايدة نظرا منصفا و علنيا للفصل في حقوقه و التزاماته و في اية تهمة جزائية توجه اليه).و تؤكد المادة الحادية عشرة على ان (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا الى ان يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه) الاعلان العالمي لحقوق الانسان
    هذه المواد تشكل الاساس الحقوقي للعدالة التي تتوخاها الانظمة الديمقراطية.و هي مواد قامت عليها فلسفة الدولة عند الامام علي بشكل واسع.يقول في عهده( واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عاما، فتتواضع فيه لله الذي خلقك،و تقعد عنهم جندك و اعوانك من احراسك و شرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع فاني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في غير موطن (لن تقدس امة لاي ؤخذ للضعيف حقه من القوي غير متتعتع)(العهد .ص107)
    هذه الاضافة النفسية و الاخلاقية و الحقوقية العميقة التي تطالب القاضي و الحاكم ان يبعد شرطته و حرسه و جنده عن مكان القول الحق لكي ينطلق جليا واضحا دون خوف او وجل او اشارة غدر تجعل من مفهوم الحق و العدالة مفهوما اكبر من الحاكم نفسه و من جنده و حرسه، و هذا ما تعنيه الدولة الحديثة بسيادة القانون و كونه فوق الجميع.
    ثم يتواصل العهد بالقول( والزم الحق من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك و خاصتك حيث وقع، و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه)(العهد .ص125)و هذا تأكيد آخر بان سيادة القانون تطال الجميع دون تمييز و انها فوق العواطف و المشاعر الشخصية و القوى المتنفذة سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية. و يذهب العهد نقطة ابعد فيما يتعلق باعقوبة و نوعها فيحذر (اياك و الدماء و سفكها بغير حلها فانه ليس شئ ادنى لنقمة و لا اعظم لتبعة و لا احرى بزوال نعمة و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها) العهد .ص137. و هذا يعني ان الاستبداد و خرق القانون من قبل الحاكم يعجل بالثورة و الانتفاضة طلبا للحق فضلا عن تعارضه مع الحق و العدالة.
    و يوصي الامام علي بتطبيق احد المبادئ الحديثة في الدولة الديمقراطية التي يستقل فيها القضاء و القضاة و يتمتعون بالكفاية المادية كي لا يتأثر حكمهم بالوضع المعاشي الذي قد يدفعهم للتمييز ، فينص العهد ( ثم اكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيل علته و تقل معه حاجته الى الناس و اعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك)العهد.ص73 .
    وهذا المبدأ يعلي من شأن العدالة باعلاء من يمثلها فلا يكون هناك من هو اعلى منه منزلة ليؤثر في احكامه و قراراته.كما يؤكد على اسلوب القضاء الحديث الخاضع للتفتيش و المتابعة و موافقته للقانون حرصا على نزاهة القضاء و استقامته.
    و يحسم الامام علي موضوع العدل حسما اكيدا يلغي فائدة الجدل الذي نشأ فيما بعد حول الايمان و الاستبداد و الكفر و العدالة فلا يبرر لمؤمن ان يجور و يستبد باسم الايمان حين قال(الكافر العادل خير من المسلم الجائر) ( الانتفاضات الشيعية.ص 80) اذ يضع العدالة في اهميتها و مصلحتها العامة فوق الايمان الفردي، و هو مبدأ من اهم مبادئ الديمقراطيا الحديثة.
    اما على مستوى التطبيق العملي لفكرة سيادة القانون و تطبيق العدالة على الجميع ، فان حادثتين كافيتين لتأكيد التطبيق العملي للنص. فبعد اغتيال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، اقدم ابنه عبيد الله على قتل الهرمزان دون محاكمة او توجيه تهمة او قضاء،و ظل في حماية الخليفة الثالثة عثمان بن عفان دون قصاص رغم مطالبة المسلمين به و على رأسهم الامام علي. فطلبه علي حين تولى الخلافة لتنفيذ العدالة فهرب و التحق بمعاوية. اما الحادثة الثانية فكانت ايضا في زمن عثمان حين كان الوليد بن عقبة الذي كان قريبا لعثمان و كان سكيرا حتى في ايام ولايته الكوفة فخرج ذات يوم من ملهاه سكران الى المسجد فصلى بالناس الفجر اربع ركعات و قال لهم ساخرا(اذا شئتم زدتكم) في احتقار بيّن و واضح للفرائض فشكاه اهل الكوفة و شهدوا عليه و طالبوا باقامة الحد، لكن عثمان كان قد وصل الى مرحلة ارهاب المسلمين عبر اقاربه المتسلطين و عبر اجراءاته التي كانت تمالئ اقاربة من بني امية بغض النظر عن ايمانهم و تعادي الصحابة الاوائل مثل ابي ذر و عمار و غيرهما.لكن الامام علي، الذي يطبق العدالة على اقرب الناس اليه نهض و جلده ،و كان من اسباب النزاع بين الامام علي و عثمان الذي غضب و ظهرت عليه نزعة تفضيل اقاربه على العدالة و الحق.
    اما العدالة في المال العام و اعادة الاموال او مصادرتها قانونيا و اعادتها الى بيت المال، لانها ملك المسلمين، فقد طبقها الامام علي تطبيقا سريعا بعد توليه الخلافة (الا و ان كل قطيعة اقطعها عثمان و كل مال اعطاه من مال الله فهو مردود الى بيت المال فان الحق لا يبطله شئ و لو وجدته قد تزوج به النساء و فرق في البلدان لرددته و من ضاق عليه الحق فالجور عليه اضيق).
    كما عزل الولاة الذين عينهم عثمان ليس لكفاءتهم و عدلهم و نزاهتهم وانما لقرابتهم منه، و رفض المساومات السياسية حين طلب للبيعة بعض الامويين و من اقارب عثمان، فساوموه على الابقاء على مصالحهم مقابل بيعتهم له ، فرفض ، و تصرف تصرف رجل الدولة الديمقراطية الحديثة التي تعطي لمعارضيها الحق في البقاء على ارائهم ، حين اجاب الناطق باسمهم و هو الوليد بن عقبة الذي ذكّر الامام بما قام به في معركة بدر حيث قتل أباه في تلك المعركة، فاجابه الامام علي( اما ما ذكرت من وتري اياكم فالحق وتركم، و اما وضعي عنكم ما في ايديكم فليس لي ان اضع حق الله.و اما اعفائي عما في ايديكم فما كان لله و للمسلمين فالعدل يسعكم. و اما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتالهم اليوم لزمني قتالهم غدا، و لكن لكم ان احملكم على كتاب الله وسنة نبيه فمن ضاق عليه الحق فالباطل اضيق، و ان شئتم فالحقوا بملاحقكم).
    ان رجل الدولة الديمقراطية المعاصرة يعتمد على الدستور و سيادة القانون و التصرف بالمال العام تصرفا قانونيا خاضعا للرقابة و المحاسبة، و هو ما تضمنه جواب الامام علي اذ اعتبر القرآن و سنة النبي دستورا و قانونا، و هو الامر الذي لم تتعود عليه الاقلية الاموية و خرقته حالما استلمت السلطة في عهد عثمان.
    و الروايات التي تكرس تطبيق العدالة عند الامام علي اشهر من تناقش ، و منها حادثة تهديده لابنته ام كلثوم بقطع يدها لانها استعارت من بيت المال عقدا لمدة ثلاثة ايام عارية مضمونة من خازن بيت المال، و امرها باعادته فورا و وبخ الخازن بانه اعارها العقد لانها ابنة امير المؤمنين و لو كانت ابنة احد من المسلمين لما اعارها اياه.
    اما جوابه لاخيه عقيل و كان قد فقد البصر، حين طلب زيادة في العطاء من اموال المسلمين فقد كان عمليا اذ احمى حديدة و قربها من وجه اخيه الذي احس بالحرارة في فعل رمزي و عملي بان حرارة جهنم وراء كل من يتصرف بالاموال العامة وفق مصالحه، و لكن الامام علي عرض عليه عطاءه الخاص و هو حقه كفرد من المسلمين.
    ان عمق هذا الاحترام للمال العام جاء بعد انقطاع في زمن الخليفة عثمان الذي كان عهده قد شهد صراعا بين القيم الاستبدادية و الاستئثارية الجاهلية و بين القيم الاسلامية التي اخذت تتراجع امام مفاهيم الاستئثار بالسلطة و المال العام و احتقار القضاء و احتقار الرأي العام و تغيير موقع الحقوق و الواجبات و محاولات اعادة الاصطفاف الجاهلي القديم على حساب القيم الحقوقية الجديدة.
    اما رفضه لولاة عثمان و خاصة معاوية بن ابي سفيان فكان في الواقع صراعا بين الديمقراطية و الاستبداد، بين سلطة الدستور و القانون و سلطة احتكار السلطة و استخدام الطرق غير القانونية للاستيلاء عليها. و هو ميز بين الاساليب التي تؤكد لا اخلاقية الحكم بتطبيق مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) التي قام عليها الحكم الاستبدادي في كل الدول و العصور ، و بين الاساليب القانونية الشرعية ، فحين قيل له ان معاوية ادهى منك ، اجاب (و الله ما معاوية بادهى مني، و لكنه يغدر و يفجر، و لولا كراهية الغدر و الفجور لكنت ادهى العرب).
    ينحى عدد من الكتاب المعاصرين على الامام علي باللائمة ، كما القاه بعض الذين اشاروا عليه بابقاء معاوية، بانه لا يجيد فن السياسة. نعم. انه لا يجيد فن السياسة بمعناها الانتهازي النفعي الذرائعي. فهو صاحب رسالة و مشروع انساني و ليس صاحب مشروع خاص للحكم.
    ان المشكلة الكبرى التي واجهت الامام علي سياسيا ، كانت نابعة من الفروق الهائلة بين مشروعين للحكم. مشروع يقوم على الوسائل غير المشروعة وعلى مصادرة السلطة والمال العام واستخدام القانون لصالح اقلية حاكمة وحرمان الامة من العدالة ، وبين مشروع رسالي شرعي له مرجعياته الاخلاقية سياسيا و اجتماعيا يستهدف تحقيق العدالة و المساواة و الرفاهية للجميع حسب الامكانيات المتاحة و بغض النظر عن الجنس و اللون و اللغة و المنشأ. و لذلك فانه، حين طالبته امرأة عربية ان يفضلها على اخرى غير عربية في العطاء ، فاخذ حفنة من التراب و نظر فيها ثم قال(لا ارى في التراب فضلا لاحد على احد) فالمساواة اذن تنبع لديه من العنصر الانساني و ليس من عناصر اخرى.

  5. #5
    من المشرفين القدامى
    ياجرح لا تقسى
    العلم و الطبيعة و العقل في اوربا
    و منزلتها في فكر الامام علي

    يعثر ، من يتابع بدايات الفكر الفسلفي الاوربي الحديث، على ظهور العقل في الكتابات باعتباره نقيضا للميتافيزيقيا القديمة التي كانت تحرم التفكير. كذلك نجد ظهور الطبيعة باعتبارها تجربة و واقعا نقيض اللاهوت القديم الذي يفصل الطبيعة عن الفكر. ذلك ما نجده في كتابات فرانسيس بيكون (1561-1626) التي اثارت ضجة واسعة و اعتبرت فتحا في الفكر الجديد باعتبارها تعيد الاعتبار الى العلم مثل( التجديد الاكبر: في كرامة العلوم و تنميتها) و (علامات صادقة لتأويل الطبيعة و (وصف دائرة العقل) و (مقدمات للتاريخ الطبيعي و التجريبي) حتى قال عنه فولتير ان بيكون (بذل كل ما في وسعه كيلا لا تستمر تلك الجماعات التي نصبت نفسها مدافعة عن كمال العقل البشري في افساد هذا العقل بماهياتها و بهلعها من الفراغ و استقباحها له و بصورها الجوهرية، اي كل تلك الكلمات التي اكتسبت هالة من الوقار بفعل الجهل و التي اصبحت شبه مقدسة من جراء مزجها على نحو مثير للسخرية بالدين) (المعجم الفلسفي.ص205 و كان بيكون رائد الحقائق التي تولى نيوتن فيما بعد كشفها للناس كما يقول هوراس والبول(المعجم الفلسفي .نفس الصفحة) فيما اعتبره برتراند راسل مؤسس المنهج الاستقرائي الحديث و رائد لمحاولة تنظيم الاجراء العلمي تنظيما دقيقا( نفس المصدر).
    و نجد ذلك ايضا في تجارب و كتابات ديكارت((1596-1650) مثل (قواعد لتدبير العقل) و (المقال في المنهج) و (تأملات ميتافيزيقية) الذي استدعي من اجله الى المحاكمة بتهمة التجديف، و (كتاب العالم) الذي ايد فيه نظرية غاليلو .لقد قال سان سيمون عنه (ان ديكارت هو الذي نظم الانتفاضة العلمية وهو الذي رسم خط الفصل بين العلوم القديمة والحديثة. هو الذي انتزع صولجان العالم القديم من يدي الخيال ليضعه بين دي العقل)(معجم الفلاسفة . ص275). واذا تقدمنا في تاريخ الفلسفة و الافكار سنجد كثيرا من الاشارات الى العقل و المنهج و الطبيعة، تلك الاشارات التي وردت على شكل مساجلات للفكر القديم و كانت مهد الافكار التحررية في السياسة و الاجتماع و العلوم للعصر الحديث.
    كل تاريخ الفلسفة و الافكار الاوربية الذي مر بعدة مراحل حول العقل و الطبيعة و المنهج نجده في فلسفة الامام علي مكثفا و جليا. و الواقع ان هناك دهشة تصيب الدارس لفكر الامام علي مصدرها هذه الرؤية الشاملة و المترابطة و الحديثة للمفاهيم الفلسفية و الفكرية التي تربط فليفة الحكم و المجتمع عند الامام علي ، حتى لتبدو هذه الرؤية التي نتجت من عقل وفكر شخص واحد وفي فترة مبكرة وفي ظروف العالم آنذاك رؤية جميع الفلاسفة والمفكرين الاوربيين على مدى اكثر من ثلاثة قرون.
    ان هذ البحث لايفي بجميع المقارنات بين المفاهيم و الافكار الفلسفية و الاجتماعية لفكر الدولة و المجتمع لدى الامام علي و لدى المفكرين التنويرين و الموسوعيين الاوربيين في القرون الاربعة الاخيرة التي صنعت تفوق اوروبا و جعلت منها في المراحل الاخيرة قارة ذات انظمة حقوقية ديمقراطية ، تسير رغم السلبيات و النواقص و الانتهاكات ، وفق سيادة الدستور و سيادة القانون و حكم الاغلبية في الشعب .
    و رغم كثير من الدراسات التي تناولت الامام علي و حقوق الانسان ، فان المنظومة الفكرية للامام علي حول الدولة و السلطة و القانون و الرأي العام و المال العام و مسائل الادارة و الضمان الاجتماعي ، فما تزال هناك حاجة ماسة لدراسات اشمل في هذا الموضوع.

  6. #6
    صديق نشيط
    تاريخ التسجيل: June-2011
    الدولة: العراق
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 367 المواضيع: 64
    التقييم: 35
    مزاجي: متفائل
    أكلتي المفضلة: برياني
    موبايلي: x6
    آخر نشاط: 19/October/2011
    مقالات المدونة: 3
    شكر لك ولكن حيلنا هديتيي يلا خلصنا الموضوع وبحث جميل

  7. #7
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: January-2010
    الدولة: بلد الائمة
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 4,426 المواضيع: 190
    التقييم: 311
    مزاجي: هادئة
    آخر نشاط: 17/September/2012
    مقالات المدونة: 7
    اين العلم من حكم وفلسفة وعدل الامام علي .... جعلوا حكمهم ارضاء لأهوائهم ومصالحهم الدنيوية وتاركين ملاين المساكين ... شكرا نبراس على هذا البحث القيم .. تقيمي

  8. #8
    من المشرفين القدامى
    ياجرح لا تقسى
    أخي كرار العراقي ..عزيزتي نورالهدى



    على التواجدالدائم والرائع كما أنتما
    الذي أسعدني وأنار صفحتي
    وثبتنا الله وأياكم على ولاية
    أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب
    دمتما في رعاية الباري
    نبراس الولاية


تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال