قد ورد لفظ «الربّ» في الذكر الحكيم بصيغه المختلفة، مفرداً و جمعاً، مضافاً و غير مضاف 987مرّة، و لايقال الرّب لغير اللّه الاّ بالاِضافة.
ذكر أصحاب المعاجم للربّ معاني مختلفة قائلين بأنّ:
ربُّ كلّشيء: مالكُه و مستحقّه و صاحبه.
ربَّ الاَمر: أصلحه.
الربُّ: المالك، المصلح، السيد.(1)
وما يشابه هذه المعاني و يماثلها.
إنّالمفروض على كتب اللغة هو ضبط موارد استعمال الكلمة، سواء أكان المستعمل فيه هو الّذي وضعت له اللفظة أم لا، و لذلك جاءت المعاني المجازيّة في جنب المعاني اللغوية بحجة أنّالجميع مستعمل فيه، و هذا نقص واضح و مشهود في كتب اللغة و معاجمها.
وهناك نقص آخر و هو، أنّاللغوي ربما يعدّللكلمة معاني كثيرة على وجه يظنُّ القارىَ أنّها مشتركة وضعاً بين هذه المعاني، و لكنّه سرعان ما يرجع بعد التمعّن بأنّها صور مختلفة لمعنى واحد و ليس اللفظ موضوعاً إلاّ لمعنى جامع ، و
____________
(1) ابن فارس: مقاييس اللغة2:381، الفيروز آبادي، قاموس اللغة، مادة رب، و المنجد كذلك.
من الصدف أنّ لفظة الرب تعاني من واجهت هذا المصير حتى أنّكاتباً كالمودوديّتصور أنّ لها خمسة معان في الاَصل و ذكر لكلّ معنى من المعاني الخمسة شواهد من القرآن الكريم ولكنّه خفي عليه أنّها ليست معاني مختلفة و إنّما هي صور موسعة لمعنى واحد و إليك هذه الموارد والمصاديق:
1ـ التربية، مثل ربّ الولد، ربّاه.
2ـ الاِصلاح والرعاية مثل ربَّالضيعة.
3ـ الحكومة والسياسة مثل فلان قد ربَّ قومَه أي ساسهم وجعلهم ينقادونله.
4ـ المالك كما جاء في الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أربُّ غنمٍ أم ربّإبل.
5ـ الصاحب مثل قوله: ربّ الدار أو كما يقول القرآن الكريم: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْت" (قريش|3).
لاريب أنّهذه المعاني قد أريدت من اللفظة في هذه الموارد و ما يشابهها و لكن جميعها يرجع إلى معنى واحد أصيل، وما هذه المعاني إلاّمصاديق و صور مختلفة لذلك المعنى الاَصيل وماهي سوى تطبيقات متنوعة لذلك المفهوم الحقيقي و هو، من فوض إليه أمر الشيء المربّى من حيث الاصلاح و التدبير و التربية.
فإذا قيل لصاحب المزرعة أنّه ربّها، فلاَجل أنّإصلاح أُمور المزرعة مرتبطة به و في قبضته.
وإذا أطلقنا على سائس القوم، صفة الربّ، فلاَنّ أُمور قومه مفوّضة إليه، فهو قائدهم، ومالك تدبيرهم و منظم شوَونهم.
وإذا أطلقنا على صاحبِ الدار و مالِكه اسمَ الربّ، فلاَنّه فوض إليه أمر تلك الدار و إدارتها و التصرّف فيها كما يشاء.
فعلى هذا يكون المربي و المصلح و الرئيس و المالك و الصاحب و ما
يشابهها مصاديق و صور لمعنى واحد أصيل يوجد في كلّ هذه المعاني المذكورة، و ينبغي أن لا نعتبرها معاني متمايزة و مختلفة للفظة الربّ بل المعنى الحقيقي و الاَصيل للفظ هو: من بيده أمر التدبير و الاِدارة و التصرّف، وهو مفهوم كلّي و متحقّق في جميع المصاديق والموارد الخمسة المذكورة ( أعني: التربية، و الاِصلاح، و الحاكمية و المالكية، و الصاحبية).
فإذا أطلق يوسف الصديق (عليه السلام) لفظ الربّ على عزيز مصر ، و قال:
"إنّه رَبّي أحسنَ مَثْوايَ" (يوسف|23).
فلاَجل أنّيوسف تربّىفي بيت عزيز مصر وكان العزيز متكفلاً لتربيته الظاهرية وقائماً بشوَونه.
و إذا وصف يوسف عزيزَ مصر بكونه ربّاً لصاحبه في السجن، و قال:
"أمّا أحَدُكُما فَيَسقي ربَّهُ خَمراً" (يوسف|41).
فلاَنّعزيز مصر كان سيّدَمصر و زعيمها و مدبّر أُمورها و متصرّفاً في شوَونها و مالكاً لزمامها.
وإذا وصف القرآن اليهود و النصارى بأنّهم اتّخذوا أحبارهم أرباباً إذ يقول:
"اتَّخَذوا أحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ" (التوبة|31).
فلاَجل أنّهم أعطوهم زمام التشريع واعتبروهم أصحاب سلطة و قدرة فيما يختص باللّه.
وإذا وصف اللّه نفسه بأنّه «ربّالبيت» فلاَنّإليه أُمور هذا البيت مادّيها و معنويها، ولا حقّلاَحد في التصرّف فيه سواه.
وإذا وصف القرآن «اللّه»بأنّه:
"رَبُّ السَّمواتِ وَ الاََرْضِ" (الصافات|5).