سكره الموت في كلام امير المؤمنين علي عليه السلام
¦[☆]¦ سكرة الموت في کلام أمير المؤمنين علي عليه السلام ¦[☆]¦
~{{اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرج قآئم آل محمد }}~
(سكرة الموت في كلام آمير المؤمنين علي {عليه السلام)
وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
عن أمير المؤمنين {عليه السلام}
وَ هُوَ يَرَى الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الْغِرَّةِ (1) حَيْثُ لا إِقَالَةَ (2) وَلا رَجْعَةَ كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ وَ جَاءَهُمْ
مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ وَقَدِمُوا مِنَ الآخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ اجْتَمَعَتْ
عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ (3) وَحَسْرَةُ الْفَوْتِ (4) فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ (5) وَتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ
فِيهِمْ وُلُوجاً (6) فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَيْنَ مَنْطِقِهِ (7) وَإِنَّهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ
وَبَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ (8) يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَهُ وَفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ وَيَتَذَكَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا (9)
وَأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَمُشْتَبِهَاتِهَا قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا (10) وَأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ يَنْعَمُونَ فِيهَا
وَيَتَمَتَّعُونَ بِهَا فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِه ِ(11) وَالْعِبْءُ عَلَى ظَهْرِهِ (12) وَالْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا (13) فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً
عَلَى مَا أَصْحَرَ (14) لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَيَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ وَيَتَمَنَّى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا
وَ يَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ فَلَمْ يَزَلِ الْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ (15) فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لَا يَنْطِقُ
بِلِسَانِهِ وَلَا يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يَسْمَعُ رَجْعَ كَلَامِهِمْ ثُمَّ
ازْدَادَ الْمَوْتُ الْتِيَاطاً (16) بِهِ فَقُبِضَ بَصَرُهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَخَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ قَدْ
أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ وَتَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ لَا يُسْعِدُ بَاكِياً وَلَا يُجِيبُ دَاعِياً ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَى مَخَطٍّ فِي الْأَرْضِ
فَأَسْلَمُوهُ فِيهِ إِلَى عَمَلِهِ وَانْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ (17)
1- الغفلة
2- لا فسخ ولا تراجع
3- شدّته وغشيته
4- الحسرة على ما فات ومضى
5- فسكنت لها أعضاءهم
6- دخولاً
7- كناية عن عجزه عن الكلام
8- كناية عن بقائه عاقلا يدرك ما يحيط به
9- لم يفرق بين حلال وحرام
10- ما يطالبه الناس من حقوق
11- ما أتاك من خير بلا مشقّة
12- الحمل والثقل
13- استحقّها وعجز عن أدائها
14- ظهر له
15- في العجز وأداء الوظيفة
16- التصاقاً
17- زيارته
لو كان يخلّد في الدنيا أحدٌ لكان الأنبياء والأوّلياء أحقّ بالخلود فيها. ولو كانت الدنيا تدوم لأحد لكان الأقوياء
والملوك والأغنياء ما زالوا ينعمون بقوّتهم وقصورهم، لكن شاء الله أن يخطّ على جيد ابن آدم قلادة الموت،
وينكت من أعماقه غصّة الفوت، فلا مفرّ منه ولا مهرب، وليس هو إلا قنطرة يعبر منها إلى عالم آخر، وهكذا
كانت مشيئة الله أن يدرك الموت كلَّ من عليها، فكيف بحال من أدركه الموت؟ وما هي الصورة التي يكون
عليها في تلك اللحظات العصيبة؟ هذا ما وصفه لنا الأمير في خطبته المذكورة، ونحن نشير إلى أهمّ المضامين منها
يحيا الإنسان في هذه الدنيا وهو يرسم خططاً لمستقبله، مؤمّلاً في الحياة كثيراً، ولا يضع في حسبانه أن ساعة الموت
قد تحين في أي لحظة وتفاجئه، فتنزل به في غفلة من نفسه، وهو يعيش الأمان من هذا الخطر المحدق به، لم يستأذن ملك الموت
من أحد، ولم يرسل الوفود للإخبار بقدومه لأحد، إنّه الملك الذي يدخل البيوت دون استئذان، فيصل الإنسان بفعله
إلى أصعب لحظات تحلّ به، إنّها سكرة الموت، وقد تطول وقد تقصر. ولكن هذه اللحظات التي لا بدّ أن تُلقي بثقلها
على كلّ إنسان، هي في غاية الصعوبة. ولكن من يقدر على وصف هذه السكرة العسيرة
غير الخبير، غير المعصومين {عليهم السلام}.
يصف الإمام الصادق {عليه السلام} في الرواية صعوبة هذه اللحظات على المذنب العاصي، ويسرها وسهولتها
على المؤمن المطيع فيقول: "للمؤمن كأطيب ريحٍ يشَمُّه، فينعس لطيبه، وينقطع التعب والألم كلّه عنه.
وللكافر كلسعِ الأفاعي، ولدغ العقارب وأشد
قيل فإنّ قوماً يقولون
إنّه أشدّ من نشرٍ بالمناشير
وقرضٍ بالمقاريض
ورضخٍ بالأحجار
وتدوير قطب الأرحية على الأحداق
قال {عليه السلام}
كذلك هو على بعض الكافرين و الفاجرين
حواس تتعطّل وأخرى تراقب
عندما تحلّ سكرة الموت، تفتر لها الأطرافُ، فلا يقدر على الحراك، لا بيد ولا برجل، وتتغيّرُ لها ألوانُ،
ويصبح الجسد بتمامه مسجّى، إلا البصر والسمع والعقل، فيبقى يراقب ببصره كلّ ما يجري حوله، ويسمع
بأذنيه كلّ كلمة تقال أمامه، فهو مدرك تماماً لم يذهب عقله، وعلى حدّ تعبير الأمير {عليه السلام} وإنّه لَبينَ أهله
ينظر ببصرِه ويسمعُ بأذنِه، على صِحّةٍ من عقلِه، وبقاءٍ من لُبِّه ، فهذه الحواس لم تتعطّل ولم تُصب بأذى ولكنّه
لا يستطيع حراكاً، فهو لا يتمكّن من النطق والكلام، ليعترض على أمرٍ، أو يحدّث بما يفكّر به، فهو الآن يؤمن
بعجزه عن القيام بأيّ تغيير. في هذه اللحظات يمرّ أمامه شريط حياته بتمامها، كيف مضى هذا العمر؟ وفيمَ
أفناه؟ وما الذي كان يسعى إليه؟ ويتذكّر ما بذله في سبيل جمع المال، من حلال أو حرام، لم يكن يظنّ أن تأتي
هذه الساعة التي ينقطع عنه كلّ هذا المال، لا يتمكّن من التصرّف به، فقد أصبح ملكاً لآخرين وهم ورثته
ينعمون به دون تعب ولا حساب، وهو يتحمّل حساب وعذاب ما اقترفت يداه وهو يجمع هذا المال
وفي هذه الأثناء يشعر المرء بالندم الشديد، والحسرة البالغة، كيف تعب وجهد لغيره، وها هو يحاسب ويعاقب على
عمله هذا أشدّ حساب، وكيف حصل غيره على هذا الجنى وكلّ هذا المال دون تعبٍ ومشقّة، ولا يحاسب عليه أبداً،
"فيكونُ المهنأُ لغيرِه، والعبءُ على ظهرِهِ"، وعندها يتمنّى ولا يستطيع أن يحقّق أمنية فيندم
ولات حين مندم
قد أَوحشوا من جانبِه، وتباعدوا من قربِه لا يُسعدُ باكياً، ولا يُجيبُ داعياً. ثمَّ حملوه إلى مخطّ في الأرضِ، وأسلموه
فيه إلى عملِهِ، وانقطعوا عن زورتِه4. وشيئاً فشيئاً تصاب هذه الحواس العين، الأذن والعقل التي كانت تعمل قبل لحظات
بالعطب، فلا يعود يرى ما يحيط به، ولا يسمع ما يقال ممّن اجتمع حوله، "يردّدُ طرفَهُ بالنظرِ في وجوهِهِم"، هل هو يودّعهم
في آخر لحظات الفراق! أو يوصيهم بأن لا يندموا كما ندم! لكن أقصى ما يمكن أن يفعله هو أن يرى
حركات ألسنتهم، دون أن يسمع شيئاً من كلامهم، ثمّ يزداد الموت التصاقاً به، وتخرج الروح الوديعة من
جسده، فيصبح هذا الجسم جيفة بين أهله، ينفر حتّى الأحبّة منها، وهو لا يستطيع أن يجيب من ناداه، بيا أبي
أو يا أمّي أو يا أخي أو يا زوجي أو يا...، وكل من يبكي حوله لا يستطيع أن يخفّف عنه أو يسعده
وفجأة ينقلب المشهد إلى ضدّه
من حزنٍ ووداعٍ حميمٍ، إلى نفورٍ واشمئزاز، هذا الحبيب الذي كان يبعث الحيويّة في البيت، وهذا الجسم
الذي كان كلّه نشاطاً وفرحاً وسروراً وحيويّة، هذا الذي كنا نبكي على فراقه، ونضمّه ونشمّه ونودّعه،
أصبح عائقاً في البيت، لو بقي لأفسد علينا الحياة، لا بدّ من التخلّص منه، أصبح رعباً نخاف منه، أصبح جسداً
وجيفةً، سرعان ما تفسد وتنتن، فيسرعون لغسلها وتكفينها ثم دفنها قبل أن تنبعث الرائحة الكريهة
منها بعد الموت، كما يحصل مع كلّ إنسان