لم يسلم القرآن الكريم من محاولات التحريف الخاسرة، كما لم يسلم الحديث النبويّ من ذلك.
فالحديث النبويّ تعرّض إلى عدّة موجات من التلاعب والتحريف أو الإخفاء، وكانت لذلك دوافع عدّة، منها محاولات الحصول على مآرب سياسية واجتماعية، فضلاً عمّا يحصل عليه الوضّاعون من مشجّعات ماديّة تضمن لهم حياة خاصة يطمحون
إليها.
ولم تكن آيات القرآن الكريم بمنأى عن ذلك، فإن كان الوضّاعون قد نجحوا في وضع الحديث، فمحاولتهم وضع الآيات ستكون محاولة عسيرة وفاشلة، فالقرآن في بلاغته التي تُعدّ إحدى معجزاته عجز عن الإتيان بها بلغاء العرب وفصحاؤهم، وكم جهِدَ المناوئون إبّان دعوة النبيّ(ص) أن يأتوا بآية فلم يستطيعوا، فبان عجزهم وظهر فشلهم، والقرآن الكريم يتحدّى هذه الظاهرة، فخاطب أُولئـك الذيـن حاولـوا تكذيبـه { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ
بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ }([1])، فلم يستطيعوا ذلك، بل تحدّاهم أكثر وقال: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ }([2])، وهكذا يستمر تحدّي القرآن لاُولئك الذين حاولوا مجاراته في وضع آية أو سورة مثله. إلاّ أنّ ذلك لم يمنع الوضّاعين من محاولة الافتراء على غيرهم ونسبة الوضع لهم، ففي إطار الحرب الكلامية التي تستخدمها بعض الفرق ضد الاُخرى ظهرت مجموعة اتهامات تنسب التحريف للفرقة المخالفة، ومن المؤسف أن يتشبّث البعض باتّهام غيره بمشكلة التحريف، وستكون الشيعة أهم الفرق التي تعرّضت لهذه التهمة ذلك لمناسبة ما تعتقده الامامية من أفضلية عليّ بن
أبي طالب(ع) على جميع الصحابة بعد النبيّ| وقد نحى هذا الصراع منحاه السياسي الذي كانت للقوة أثرها في تصفية الخصوم، وكان للشيعة تاريخ طويل من تلك التصفيات، وإذا كانت حملات التنكيل تَطال خصوم السلطة من الشيعة لفترات معينة، فإنّ الحرب الثقافية والفكرية ستأخذ امتداداتها التاريخية، أي ستبقى التهم الموجّهة ضد المعارضة الشيعية للنظام السياسي فاعلة تؤثّر أثرها، فاتّهام الشيعة بالتحريف ودعوى أنّ آيات تنصّ على إمامة عليّ(ع) قد اسقطت من القرآن الكريم أخذت مأخذها في الأوساط العامة، واعتقد البعض صحة ما نُسب إلى الشيعة، ولعلّ نموذجاً من الوضع أمامنا يدين هذه المحاولات الاستفزازية التي حاول خصوم الشيعة النيل بها منهم، فقد ورد أن الشيعة تدّعي نقص آية من القرآن اُسقطت تتحدّث عن فضل عليّ(ع) هذا نصّها «في الليل ساجد يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربّه قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون»([3]) وركاكة هذا الكلام وأمثاله تكشف عن كذب الدعوى.
لم تألُ الشيعة جهداً في ردّ هذه الدعاوى، والحدّ من محاولات الوضع والتحريف، فقد صرّح الصدوق ببراءتهم من ذلك بقولـه: «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزلـه الله تعالى على نبيّه محمّد(ص) هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك .. » ثم قال: «ومن نسب إلينا إنّا نقول أنّه أكثر من ذلك، فهو كاذب»([4]).
وفي اعتقادنا أنّ كلام الصدوق يعزّز موقف الشيعة من عدم تحريف القرآن وأنّهم يُبرّئون أنفسهم ويدفعون تهمة التحريف باعتراف أهم علمائهم، وهذا كافٍ في براءتهم، فضلاً عن عدم توفّر أي دليل يؤيّد دعوى مناوئيهم عدا ما يدّعيه خصومهم من دعوى التحريف.