لم نجد أوهن من مقالة التحريف إلا ّ أنّنا لم نجد أشرس ضراوة من معركة بين فريقين يتّهم كلّ فريق مقابله بالتحريف، ولعلّ مقالة التحريف وجدت طريقها في الصراعات المذهبية، بل وجدت التحالفات السياسية «بغيتها» في الدفاع عن القرآن والحرص عليه لتحاول محاربة الآخر، وللأسف كاد القرآن يكون وسيلة للقتال، بل للتكفير بين الفرقاء، فهذا المأمون العباسي يعمد إلى تصفية خصومه لقولهم بعدم خلق القرآن فيقتل عدداً لا يُستهان به من الأشاعرة الذين رفضوا القول بمقالة المأمون في ذهابهم إلى عدم خلق القرآن، وذاك المتوكل يؤسّس قوّته على نقيض ما أعلنه المأمون من خلق القرآن، حيث أعلن مقالة عدم خلق القرآن وقدّم رقاب مخالفيه إلى سيوف التصفية والاجتذاذ، فكان نصيب المعتزلة من موقف المتوكل المعارض لخلق القرآن القتل والتنكيل، ويبقى شيعة أهل البيت^ تبعاً لأئمتهم بمنأى عن هذه «اللعبة» وفي نجاةٍ من محاولات التصفيات السياسيّة حيث التزموا بمقالة «القرآن كتاب الله» وبذلك ترفّعوا عن مهاترات الطعن السياسي وقبضة التصفيات السياسيّة المحسوبة.

وحيث لم يكن للشيعة نصيب من هذه التصفيات بعد أن أفلتوا من قبضة السلطة للتنكيل بهم، فطن الفرقاء ـ الذين وقعوا ضحيّة هذه اللعبة السياسيّة ـ إلى خسارة حصيلة الصراع وهشاشة الموقف الذي ينبغي اتخاذه سدّاً لطريق الذرائع السياسيّة من محاولة التصفية العارمة التي طالت أقطاب معارضة النظام تحت شعار «الدفاع عن القرآن» عمد هؤلاء إلى التحالف ضدّ خصومهم الفكريين من الشيعة، فغالوا في اتهامهم وإلصاق تهم التكفير بهم «حرصاً على كتابهم المقدس» من أن تناله محاولات التحريف الذي اتهموا الشيعة بترويجه، وهي مناورة غير موفّقة، إذ أنّ تاريخ التحريف يبتدئ منذ الصدر الأول للإسلام، كدواعٍ تختلف مناشئها وأسبابها لزجّ الفرقاء المتخاصمين في ورطة القول بالتحريف.
لم نجد ما يدعو إلى القلق، فتهمة التحريف لم تحقّق أغراضها وكتاب الله محفوظ بين الدفّتين يتداوله المسلمون جميعاً، إلاّ أنّ مقالات التحريف لا زالت تأخذ طريقها في المعركة بين الفرقاء وتتصاعد وتائر الاتهامات بين الفريقين حتّى كأنّ المتتبّع يُخال له أنّ قرآن اُولئك غير قرآن هؤلاء، وهي بالفعل تهمة. حاول خصوم الشيعة ترويجها دون العثور على أدنى دليل يثبت التهمة، بل حتّى أتباع المذهب السنّي شعروا بالملل من هذه التهمة التي روّجها علماؤهم ضد خصومهم الشيعة، إذ لم يستطيعوا حتّى هذه اللحظة أن يُقَدِّموا لأتباعهم ما يثبت تهمتهم ضد الشيعة سوى التهم التي تُجهّزها دوائر التكفير السلفي التي اعتادت خلق تهم التكفير ضد الخصوم لتحقيق غاياتها، فلم يكن الشيعة وحدهم تحت مطرقة التكفير، بل طالت هذه المطرقة خصوم الحنابلة من الشافعية.
فهذا الطبري دفن ليلاً خوفاً من هياج الحنابلة وإغراء العامّة به «وفي هذه السنة ـ سنة ثلاثمائة وعشرة ـ توفّي محمّد بن جرير الطبري صاحب التاريخ ببغداد ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين، ودفن ليلاً بداره، لأنّ العامّة اجتمعت ومنعت من دفنه نهاراً، وادّعوا عليه الرفض ثم ادّعوا عليه الإلحاد، وكان علي بن عيسى يقول: والله لو سئل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه ولا فهموه، هكذا ذكره ابن مسكويه صاحب تجارب الاُمم، وحاش ذلك الإمام عن مثل هذه الأشياء.
وأمّا ما ذكره من تعصّب العامّة فليس الأمر كذلك، وإنّما بعض الحنابلة تعصّبوا عليه ووقعوا فيه فتبعهم غيرهم، ولذلك سبب، وهو: أنّ الطبري جمع كتاباً ذكر فيه اختلاف الفقهاء لم يصنّف مثله ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن فقيهاً وإنّما كان محدّثاً، فاشتدّ ذلك على الحنابلة وكانوا لا يحصون
كثرة ببغداد، فشغبوا عليه وقالوا ما أرادوا»([1])، وابن الأثير يصوّر الأحداث المتشنّجة بين الحنابلة والشافعية واغراء العامّة بمشايخ الشافعية وتكفيرهم.
ولم يكن ابن الجوزي الحنبلي بمنأى عن هذا الصراع، فقد أغرى بتأجيج الصراع بين الحنابلة والشافعية إلى الحدّ الذي أسقط معه الحرمة العلميّة لخصوم أحمد، فقد شنّع ابن الجوزي على عبدالكريم بن محمّد السمعاني الشافعي المتوفّى «361» حيث طعن عليه بحجة أنّه «كان يتعصّب على مذهب أحمد ويبالغ، فذكر من أصحابنا جماعة وطعن فيهم بما لا يوجب الطعن»([2]) بل ذهب ابن الجوزي في الطعن على السمعاني إلى أبعد من ذلك حيث اتهمه بالكذب وشنّع عليه وانتقص منه فقال: «وهذا الرجل كانت لـه مشقعة عجيبة، فإنّه كان يأخذ الشيخ البغدادي فيجلس معه فوق نهر عيسى ويقول حدثّني فلان من وراء النهر، ويجلس معه في رقّة بغداد ويقول حدثني فلان بالرقّة»([3]).
ولم يقتصر الأمر على أصحاب الشافعي، بل طال هذا الصراع التكفيري أبا حنيفة واتّهامه بالكفر والزندقة، فالخطيب البغدادي يروي في تاريخه ما تحدّث عنه أصحاب أحمد في كفر أبي حنيفة واتهامهم لـه فيما رواه عن عبدالله بن حنبل عن معمّر قال: قيل لشريك: ممّ استتبتم أبا حنيفة؟ قال من الكفر([4]).
وعن يحيى بن حمزة، قال حدّثني شريك ـ وهو شريك بن عبدالله قاضي الكوفة ـ : أنّ أبا حنيفة استتيب من الزندقة مرّتين([5]).
ويخرج هذا الصراع عن نطاق الصراع بين الفرقاء والخصوم ليدخل مرحلة متقدّمة من الصراع الفكري بين الحلفاء، أي داخل الفريق الواحد وضمن المذهب الواحد.
فسفيان الثوري وهو أحد أتباع أبي حنيفة يصرّح بعدائه لاُستاذه واختلافه معه حتّى أنّه يتّهمه بالكفر ويستتيبه منه.
فعن أبي حفص عمرو بن علي قال: سمعت معاذ
ابن معاذ يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : استتيب
أبو حنيفة من الكفر مرتين ([6]) بل في رواية يعقوب:
مراراً([7]). وفي اُخرى: أنّ سفيان الثوري يقول: إنّ أبا حنيفة استتيب من الزندقة مرتين([8]). وفي ثالثة: أنّ سفيان الثوري يوعز استتابة أبي حنيفة لأصحابه فيقول: لقد استتابه أصحابه من الكفر مراراً([9]).

ويحمل أحد تلامذته توبة أبي حنيفة من الزندقة على عاتقه فيؤكّد سفيان بن عيينة أنّه «استتيب أبو حنيفة من الدهر ثلاث مرات»([10]).
إلاّ أنّ أبا داود السجستاني صاحب السنن يلخّص ما أجمعت عليه مذاهب أهل السنّة من تضليل أبي حنيفة.
فقد روى أبو بكر محمّد بن عبد الله بن صالح الأسدي الفقيه المالكي، قال: سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني يوماً وهو يقول لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والشافعي وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسن بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر لا تكون مسألة أصحّ من هذه. فقال: هؤلاء كلّهم اتّفقوا على تضليل أبي حنيفة (4). ومهما يكن من أمر فإنّ الصراع بين المذاهب يأخذ منحى التكفير ولم يقتصر على حالات الخلاف الفكري.
وإذا كان الأمر كذلك فمن المتوقّع جداً أن ينال الشيعة الإمامية ما تناله المذاهب الاُخرى من هذه الصراعات، إلاّ أنّ الغريب أنّ الصراع بين هذه المذاهب الإسلامية وبين المذهب الشيعي يأخذ طابعاً آخر، فبقدر ما تظهره صورة العداء والوقيعة بين مذاهب أهل السنّة، إلاّ أنّ تحالفاً يظهر في اُفق الصراع السياسي والعداء الفكري حينما تصل النوبة إلى المذهب الإثني عشري، وسيكون لهذا الصراع بين الفرقاء السنّيين شأنه في التحالف ضد خصمهم التقليدي «المذهب الإثني عشري».
فهم يفتتحون عداءهم بتغيير التسمية إلى لقب «الرافضة» إمعاناً في التنكيل وإظهاراً للتحالف التاريخي ضدّهم، ولعلّ التسمية أخذت طابعها السياسي حتّى كاد خصوم أهل السنّة لا يسلمون من النقد إلاّ وتلصق بهم تهمة الرفض.
ولم تزل هذه التسمية تُعدّ حالة استنفار لدى جميع المذاهب لتتحشّد ضدّ خصومهم التقليديين، فبقدر ما يكون هناك عداء بين أصحاب مالك وخصومهم الحنفيين، أو بين أصحاب أحمد وخصومهم الشافعيين، أو بين هؤلاء، أو اُولئك، إلا ّ أنّ الصورة سرعان ما تأخذ مساراً آخر حينما يصل الأمر إلى الشيعة الإثني عشرية فتذوب هذه الخصومات التقليدية بين الجميع لتتّخذ موقفاً موحّداً ضدّ الخصوم «الروافض».
ولم نجد ما يدفع الإمامية إلى تأجيج حالة الصراع بين المذاهب الاُخرى، بل لم نجد محاولات التنكيل من قبل الشيعة في نبز خصومهم الفكريين بأي لقب كان، فهم إذا أرادوا أن يطلقوا على أصحاب مالك، أو أصحاب أحمد، أو أصحاب الشافعي، أو أصحاب أبي حنيفة، فإنّهم لا يتعدّون عن تسميتهم «بأهل السنّة» وهي التسمية التي لا تثير أصحاب هذه المذاهب، بل هي في موضع الاعتزاز لديهم، أي لم نجد لدى الإمامية استعدادهم في إثارة خصومهم الفكريين حتّى نبز الألقاب، وهي نقطة رائعة تسجّل لهم مشفوعة بالاحترام بقدر ما يحملون احتراماً لخصومهم، أي لا يتعدّى نـزاع الإمامية مع خصومهم حالات الحوار والتفاهم، في حين يذهب المؤرّخون إلى أنّ بقيّة المذاهب الإسلامية تتعدّى في خلافها مع خصومهم الإمامية إلى حالات تنكيل وتقتيل، ولعلّ هذا ما أثار الخليفة العباسي الشافعي «الراضي بالله» إلى التنديد بهذه الحالة والتزام موقف الدفاع عن الإمامية في رسالة استنكار بعثها إلى الحنابلة يؤنّبهم على تماديهم في الانتقام من خصومهم الإمامية والتشنيع عليهم ومحاولة وقف الانتهاكات المستمرّة حيال الشيعة، ولعلّ الرسالة التالية تُعدّ وثيقة تاريخية تحكي حدّة الصراع الفكري الذي أخذ منحى القسوة والبطش والتنكيل بالشيعة من قبل خصومهم.
فقد وجّه الراضي بالله الخليفة العباسي الشافعي المتوفّي
(329هـ ) رسالة تحذير إلى الحنابلة يحذرّهم فيها اجراءاته بشأن الحدّ من تماديهم في عداء خصومهم الإمامية وهذا نص الرسالة:

«تأمّل أمير المؤمنين أمر جماعتكم، وكشفت له الخبرة عن مذهب صاحبكم، زُيّن لحزبه المحظور، ويُدلي لهم حبل الغرور، فمن ذلك تشاغلكم بالكـلام في ربّ العـزّة تباركـت أسمـاؤه، وفي
نبيّه والعرش والكرسي، وطعنكم على خيار الاُمة، ونسبتكم شيعة أهل بيت رسول الله| إلى الكفر والضلال، وإرصادهم بالمكاره في الطرقات والمحال، ثم استدعاؤكم المسلمين إلى الدين بالبدع الظاهرة، والمذاهب الفاجرة التي لا يشهد بها القرآن ولا تقتضيها فرائض الرحمان، وإنكاركم زيارة قبور الأئمة صلوات الله عليهم، وتشنيعكم على زوّارها بالابتداع. وأنكم مع إنكاركم ذلك تتلفّقون وتجتمعون لقصد رجل من العوام « أحمد بن حنبل» ليس بذي شرف ولا نسب، ولا سبب برسول الله| وتأمرون بزيارة قبره والخشوع لدى تربته، والتضرّع عند حفرته، فلعن الله ربّاً حملكم على هذه المنكرات ما أراده، وشيطاناً زينّها لكم ما أغراه، وأمير المؤمنين يقسم بالله قسماً جهد إليه، يلزمه الوفاء به، لئن لم تنصرفوا عن مذموم مذهبكم ومعوجّ طريقتكم، ليوسعنّكم ضرباً شديداً، وقتلاً وتبديداً، ويستعملنّ السيف في رقابكم، والنار في محالكم ومنازلكم، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فقد أَعذر من أنذر، وما توفيق أمير المؤمنين إلاّ بالله عليه يتوكل وإليه ينيب<([11]) .
والرسالة وثيقة مهمّة لمقطع تاريخي من الصراع الذي تعرّض إليه الإمامية من قبل خصومهم.
ولم نقصد من استعراض هذا الصراع الفكري الذي تحوّل إلى عنف سياسي ونـزاع طائفي إلا ّ لبيان تاريخيّة هذا النزاع، وبالتأكيد فإنّ هذه النزاعات ستخلّف وراءها كيلاً من التهم بين الفرقاء، ولعلّ القرآن الكريم سيكون محور هذا النزاع، لبيان كل فريق حرصه عليه واتهام الآخر بالطعن به، ويؤدّي هذا المنحى من العداء إلى نشوب تهمة التحريف ومحاولة اتّهام كلّ فريق بالطعن بحرمة القرآن وقداسته، إلا ّ أنّ الشيعة سينالهم القسط الأوفر من هذه الخصومة لتصوّرها العقلية العامّة إلى حقيقة لا نزاع فيها حتّى أنّها تناست مشكلة النبز بالتحريف فيما بينها، لتُفرغ وسعها إلى اتّهام الشيعة بمشكلة التحريف.
ولم يكن بوسعنا أن نراهن على صحّة مدّعيات المذاهب الإسلامية في اتّهامها للشيعة بالتحريف ونحن نملك سيلاً من روايات الزيادة التي روتها كتب المذاهب الاسلامية في مسألة التحريف، كحذف آيات من القرآن الكريم، ورواية بعضها لآيات كان يفترض رواتها أنّها من القرآن، إلاّ أنّها لم تكن قد اُدخلت في القرآن.
ولعلّنا نجد أنّ الخليفة الثاني يتزعّم قضية دعوى الزيادة في القرآن ويدافع عنها، لولا خشيته من اعتراض المسلمين، فقد اشتهر عنه قـولـه: «ولولا أنّ الناس يقولون زاد في كتاب الله لكتبته حتّى اُلحقه بالكتاب»([12]). وكونه يحتلّ موقع الزعامة في مسألة الزيادة في القرآن، لما يحتلّه من موقع الخلافة الإسلامية الذي يجعل لكلامه أثراً لدى أتباعه ومعتقديه، هذا من ناحية، ومن ناحية اُخرى كونه أوّل من أعلن وتحدّث في هذا المضمار، إذ لم يكن لأبي بكر سابقة في هذا المجال، إمّا لعدم اعتقاده بالزيادة أو لهشاشة موقفه السياسي بعد إعلان تمرّدات المسلمين على خلافته واتّهامـها بالردّة
فانشغل في إسكاتها في حروب عنيفة عُرفت بحروب الردّة، فضلاً عن أنّ هناك مرحلة «احتواء الحديث النبويّ» الذي كان الخليفة الأوّل مشغولاً في ترتيبه ومعالجة هيمنة الحديث النبويّ على برامج الخليفة السياسية التي لابدّ من تنفيذها ومع وجود الحديث فإنّ ذلك يُعدّ مستحيلاً، لذا حاول تصفية الحديث النبويّ، كما حاول تصفية خصومه السياسيين أمثال سعد بن عبادة وشلّ حركة المعارضة العلوية وتطويقها في بادئ الأمر، ومع هذه الظروف السياسية فلا يتسنّى للخليفة الأوّل التحدّث في مسألة الزيادة أو النقيصة في القرآن فضلاً عن كونه رفع شعار «حسبنا كتاب الله » كما رفعه صاحبه إبّان اُخريات حياة النبيّ(ص) فكيف والحال هذه يتعرّض لمسألة القرآن وزيادته؟
في حين وجد عمر بن الخطاب بعد الاستقرار السياسي الذي عاشه عهده مجالاً لطرح آرائه في الزيادة في القرآن ومحاولة تعديله إلاّ أنّ ذلك بقي لم يتسنَّ له، لتطويقه بالمعارضة القوية التي يتزعّمها عليّ بن أبي طالب(ع) وقتذاك ولم يتح لمثل هذه المحاولات النجاح في ظلّ تصدّي عليّ بن أبي طالب(ع) لأيّة خروقات تحدث، لتمسَّ بواقع الشريعة وحقيقة الأحكام الإسلامية، فكيف بالقرآن الذي يُعدّ دستور المسلمين وله من القداسة ما تفوق سطوة الخليفة الثاني وهيمنته؟
إذ من غير الممكن نجاح خطوة الخليفة في إدخال زياداته في القرآن ويبقى الأمر مجرّد اُمنية يتمنّاها الخليفة.
ولم تكن عائشة بنت أبي بكر بمنأى عن هذا الجدل الدائر في أروقة محافل المسلمين، فقد أدلت بدلوها في مسألة الزيادة لما ترى في نفسها من أهلية الدخول في المعترك الثقافي فضلاًَ عن المعترك السياسي، وكون الأوّل إحدى مكمّلات الحالة السياسية التي يكافح الفرد من أجلها، كما سيأتي لاحقاً .
وهكذا تتزايد حدّة الصراع بين القائلين بالزيادة والنقصان في القرآن الكريم وبين النافين، وما تتدخّل في ذلك من عوامل سياسية وثقافية واجتماعية متعدّدة.


--------------------------------------------------------------------------------
([1]) الكامل في التاريخ لابن الأثير: 6 / 170 حوادث سنة 310.
([2]) المنتظم لابن الجوزي: 10 / 224 في حوادث سنة 563.
([3]) نفس المصدر .
([4]) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13: 393.
([5]) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13: 393.
([6]) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13: 393 ـ 395.
([7]) المصدر السابق.
([8]) المصدر السابق.
([9]) المصدر السابق.
([10]) المصدر السابق نفسه.
([11]) الأديان والمذاهب بالعراق/ رشيد الخيون: 410 عن تجارب الاُمم لابن مسكويه: 322.
([12]) السنن الكبرى 4 / 272.