الاحد, 4 أبريل/ نيسان, 2010, 09:40 GMT
في العراق .. الغني بدياناته
إد ستروتون
بي بي سي ـ العراق
كان سلوكا طفوليا من جانبي، لكني لم أستطع منع نفسي من التفكير في السلطة.
كنت أجري مقابلة مع بابا شيخ، الذي يوازي منصبه بالنسبة للإيزيديين منصب البابا بالنسبة للمسيحيين الكاثوليك.
أثناء إعدادي للمقابلة صادفتني المعلومة المحيرة بأن أكل الخس محرم على الإيزيديين.
كان بابا شيخ يجلس على دكة بمستوى أعلى مني، بعمامة على الرأس، أضفت عليه السنين هالة من التبجيل.
بدا لي أن من الاستخفاف أن أطرح عليه مثل هذا السؤال.
لكني استجمعت شجاعتي وسألته "هل صحيح أن بعض المأكولات محرمة؟"
"لا"، فسر لي بصبر، فبإمكان الإيزيديين العاديين أن يتناولوا ما طاب لهم"، لكن رجال الدين مثله يمتنعون عن تناول بعض الخضروات لأنها "تسبب انبعاث غازات في الجهاز الهضمي".
الآن فهمت.
وبإحساسي بالجرأة طرحت سؤالا آخر يبرز في كل حديث عن الإيزيديين.
"لماذا؟" سألت: "يتهمكم أعداؤكم بعبادة الشيطان؟"
"ذلك" همس لي من زاوية فمه "السؤال الوحيد الذي لا يجوز طرحه على أي إيزيدي".
انتقلنا بسرعة إلى موضوع آخر.
قصة نوح
أعرف قليلا عما حدث للمسيحيين في العراق منذ غزوه عام 2003، لأنني تناولت الموضوع خلال رحلاتي السابقة إلى البلاد. إلا أن غزارة تقاليد الأديان الأخرى فيها كانت اكتشافا.
يقع المعبد الرئيسي للإيزيديين في أعالي تلال كردستان العراق في مكان يسمى "لاليش".
للمكان علاقة وثيقة بحكاية نوح. لمحت حية منحوتة على الجدار قرب المدخل الرئيسي، وبسبب كل هذا الحديث عن عبادة الشيطان سألت عن مغزى هذا النحت.
اوضح لي دليلي أنه حين أخذت المياه تتسرب إلى سفينة نوح من ثغرة في قاعها كورت إحدى الأفاعي نفسها لتسد تلك الثغرة.
يقول الإيزيديون إن دينهم هو الأقدم في العالم.
بعد محاولاتي الجادة لفهم الدين جيدا أعترف أنني لست متمكنا من الموضوع، لكن معبد لاليش يبدو لي مكانا أقيم للاستمتاع بالتعبد.
هناك أمتار وأمتار من القماش زاهي الألوان تلف به بعض الأعمدة، وعليك أن تعقد عقدة فيه إذا ما أردت الدعاء.
في إحدى القاعات كرسي محفور في الصخر وبإمكانك الجلوس عليه لتشفى من آلام الظهر.
دعيت لإلقاء قطعة مربعة من قماش شبيه بالساتان على صخرة بعلو قائم كرة السلة. وحين سددت هدفي حييت بالتصفيق الشديد والوعود بأن دعواتي جميعها ستستجاب.
وقع الإيزيديون ضحايا لهجمات شرسة عديدة. في عام 2007 أسفر انفجار متزامن لخمس سيارات في إحدى مناطقهم عن مقتل 200 وجرح 300 آخرين.
لكن غريزتي تقول لي إنهم ربما سسينجون من الاندثار كطائفة دينية مميزة لأن معبد لاليش موجود في منطقة هي الآن آمنة نوعا ما بالعراق.
حياة المسيح
أما الصابئة المندائيون في العراق فهم يواجهون مستقبلا أقل استقرارا.
هم يعتقدون بأن يحيى المعمدان هو آخر نبي عظيم على الأرض.
والماء الجاري أساسي في معتقداتهم، وهم يذهبون للتعمد في مياه الأنهار أسبوعيا كما يذهب المسيحيون إلى الكنيسة.
في بغداد التقيت بثاني أكبر رجل في دينهم: الشيخ علاء.
بدا لي وكأنه خرج لتوه من مشهد تصوير فيلم عن حياة المسيح.
حول عنقه، وكما يرتدي القس المسيحي الصليب ـ يرتدي صورة مزخرفة بالفضة الخالصة لشال تعميد على غصنين من الشجر كالصليب.
أوضح لي الشيخ علاء أن المندائيين لا يؤمون بالحرب، وأنهم يعملون تقليديا في صياغة الفضة والذهب.
وكونك صائغا رافضا للعنف في مجتمع تتفشى فيه جرائم العنف والسطو ليس أمرا سهلا.
يعتبر المندائيون أنفسهم أقرب الناس إلى المسيحيين، وكمسيحيي العراق تم استهدافهم من قبل الإسلاميين المتشددين، الذين ظهروا على الساحة العراقية في الفوضى التي اعقبت الغزو.
وهناك روايات عن فتيات مندائيات اغتصبن بسبب ارتدائهن سراويل الجينز، وحكي لنا عن شاب أجبره زملاؤه الطلبة على الخضوع للختان، وكيف أن أحدهم كان يتلو آيات من القرآن فيما قام الآخرون بما قاموا به.
مأساة العراق من الضخامة بحيث تضيع وسطها هذه المآسي الصغيرة من العنف الطائفي.
غير أن العراق في عمومه يصبح الآن أكثر أمنا، وإن كانت مسألة نجاة الدين المندائي نفسه غير محسومة.
إذ يعيش 85% من مندائيي العراق في الخارج، والباقون في العراق منهم 5 آلاف فقط.
فهل يواصل الجيل الجديد المقيم في بلاد كالسويد ممارسة تقاليدهم القديمة بالتعبد في النهر؟
يخشى الكبار كالشيخ علاء أن الجواب بالنفي.
BBC
SALLY