المهدي المنتظر ( عج ) في الديانة المسيحية
لم يقتصر ذكر الإمام الحجة بن الحسن المهدي ( عجل الله فرجه الشريف ) على الدين الإسلامي فقط وإنما جاء ذكره في الكثير من الديانات مثل المسيحية واليهودية وحتى الهندية منها لان ما يمثله موضوع الإمام المهدي ( عج ) في إقامة لدولة الحق ونبذ العنف والطائفية ونشر الصلاح والوئام بين مختلف الأجناس هو ما يميز هذا الموضوع والكثير غير ذلك مما لا يسعه المقال وقد ارتأيت ان اذكر شيئا مما جاء في الإمام المهدي المنتظر ( عج ) في الديانات المتعددة في الأرض وابدأ بالديانة المسيحية باعتبارها من اقرب الديانات إلى الإسلام وكون النبي عيسى ( عليه وعلى نبينا واله أفضل الصلاة والسلام ) هو أخر من بشر من الأنبياء بظهور الإمام المهدي المنتظر ( عج ) . لقد بشرنا سيدنا عيسى (عليه السلام) بظهور نبي آخر الزمان وبأوصيائه الإثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) وبقي ذلك راسخاً في التراث المسيحي، والأمر يعود في ذلك إلى أسباب عديدة منها :
1 ـ لأنّ الديانة المسيحية هي الأقرب إلى الإسلام من غيرها .
2 ـ ولأنّ المسيحية هي آخر الديانات قبل الإسلام فتكون الدلالات محفوظة فيها أكثر .
3 ـ وكذلك لأن قضية رفع الله تعالى المسيح وطول عمره يقر بها المسيحيون لذا إذا واجهتهم قضية شبيه لذلك فهم لا يرفضوها من الأصل بل يحاولون أن يدرسوها ويتمعنوا فيها .
4 ـ خط آثار المسيحية من التحريف أقل نسبياً مما عليه من آثار الملل السابقة، وترتبط هذه القضية بالزمن أيضاً، إذ أن آثار اليهود المقدسة ابتداءاً من مرحلة نزولها وصدورها قطعت زمناً أكبر مما قطعته الآثار المسيحية.
وقد كان هذا الأمر سبباً في عدم إتاحة الفرصة ليد التحريف والتعمية لتلعب الدور نفسه الذي لعبته في آثار اليهودية وتراثها، بالإضافة إلى الجهد الذي بذله علماء المسيحية في هذا الصدد وأخذهم ظاهرة التحريف بعين الاعتبار في قبولهم وردهم للأناجيل.
ولهذا، فإننا نجد هذه البشائر بالمخلص الموعود حاضرة في التراث المسيحي بشكل واضح، ونشير هنا إلى بعض الكتب التي وردت فيها تلك البشائر والإشارات حول ظهوره في آخر الزمان: إنجيل متى، إنجيل لوقا، إنجيل مرقس، مكاشفات يوحنا، إنجيل برنابا.
ففي الفصل السادس والتسعون من إنجيل برنابا المترجم من الانجليزية . يسأل الكاهن السيد المسيح (عليه السلام): هل أنت مسيح الله الذي ننتظره؟
أجاب يسوع: حقاً إن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي.
أجاب الكاهن: إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفية سيأتي (مسّيا)؟
أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إني لست (مّسياً) الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاً: بنسلك أبارك كل قبائل الأرض ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشطيان مرة اخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عدم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله، فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يبقى ثلاثون مؤمناً، حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله، الذي سيأتي من الجنوب بقوة، وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام، وسينزع من الشيطان سلطته على البشر، وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به، وسيكون من يؤمن به مباركاً.
وجاء في الفصل السابع والتسعون: ومع أني لست مستحقاً أن أحلّ سير حذائه، وقد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه....
ثم يستطرد قائلاً: إن اسم (مسيّاً) عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي.
وقد ورد في المزمور 72 من مزامير داوود (عليه السلام) ذكر النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، والامام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) فإن صياغته شبيهة بالأدعية والتوسل إلى الله عز وجل حيث ننقل نص الترجمة العربية لهذا المزمور كما وردت في (كتاب المقدس) الصادر عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، فقد جاء في هذا المزمور:
اللهم أعط شريعتك للملك وعدلك لابن الملك...
ليحكم بين شعبك بالعدل ولعبادك المساكين بالحق. ...
فلتحمل الجبال والآكام السلام للشعب في ظل العدل. ...
ليحكم المساكين الشعب بالحق ويخلص البائسين ويسحق الظالم! ...
يخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مرّ الأجيال والعصور! ...
سيكون كالمطر يهطل على العشب وكالغيث الوارف الذي يروي الأرض العطشى!. . .
يشرق في أيامه الأبرار ويعم السلام إلى يوم يختفي القمر من الوجود. ...
ويملك من البحر إلى البصر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. ...
أمامه يجثوا أهل الصحراء ويلحس أعداؤه التراب. ...
ملوك ترسيس والجزائر يدفعون الجزية، وملوك سبأ وشبا يقدمون الهدايا...
يسجد له كل الملوك، وتخدمه كل الأمم. ...
لأنه ينجّي الفقير المستغيث به والمسكين الذي لا معين له. ...
يشفق على الضعفاء والبائسين ويخلص أنفس الفقراء. ...
ويحررهم من الظلم والجور وتكرم دماؤهم في عينيه. ...
فليعش طويلاً وليعط له ذهب سبأ، وليصل عليه دائماً وليبارك كل يوم. ...
فليكثر القمح والبر في البلاد حتى أعالي البلاد! ولتتمايل سنابل القمح كأشجار جبل لبنان! وليشرق الرجال في المدينة كحشائش الحقول! ...
ويبقى اسمه أبد الدهر، وينتشر ذكره واسمه أبداً ما بقيت الشمس مضيئة!
وليتبارك به الجميع، وجميع الأمم تنادي باسمه سعيدة. ...
يقول الأستاذ تامر مير مصطفى: اضطررنا للاستغاثة بالترجمة الفرنسية التي استفدنا منها هي من ترجمة: Lechanoine.a.crampon.
ويستطرد قائلاً: ينسب بعض مترجمي ومفسري العهد القديم من اليهود والنصارى هذا المزمور إلى نبي الله داوود (عليه السلام)، كما ينسبه البعض الآخر منهم إلى ابنه سليمان (عليه السلام)، وقد اختلف اليهود والنصارى في تعيين الشخصيتين المتوسل إلى الله تعالى بهما في بداية هذا المزمور بأن يرسلهما لإنقاذ المستضعفين من الناس وللعمل بشريعة الله وإقامة عدله في الارض، فقالت اليهود بأن المقصود بالملك في هذا المزمور هو نفسه نبي الله داوود (عليه السلام) وبابن الملك سليمان ابنه، ولكن النصارى قالوا بأن المقصود بالملك هنا عيسى (عليه السلام) وبأن جميع ما جاء في هذا المزمور جاء بشارة به (عليه السلام)، ولكنهم لم يعطوا أي تفسير بما يخص (ابن الملك).
أما نحن فنقول: بأن ادعاء الفريقين واضح البطلان ولتبيين ذلك نبدأ بما يدعيه اليهود من أن المقصود (بالملك) هو داوود نفسه وأن (ابن الملك) هو سليمان (عليه السلام) فادعاؤهم هذا باطل من عدة وجوه:
أولاً: إن النبي داوود (عليه السلام) لم يكن صاحب شريعة لكي يقول: اللهم أعط شريعتك للملك لأنه (عليه السلام) لم يأت بشريعة بل كان نفسه خاضعاً لشريعة موسى (عليه السلام).
ثانياً: لا يعقل أن يسمي داوود (عليه السلام) نفسه بالملك وهو في مقام تذلّل وتضرع وخشوع أمام ملك الملوك وخالق السموات والأرض، فإن ذلك لا يصدر عن أكثر الناس جهلاً بمقام الربوبية فضلاً عن أن يصدر عن نبي من أنبياء الله تعالى.
كما أن المعروف عن نبي الله داود (عليه السلام) هو خضوعه وخشوعه التامان لله عز وجل خصوصاً في أوقات الدعاء كما دلت الكتب المقدسة. ولذا نستعيد أن يكون نبي الله داود قد كنى عن نفسه بالملك وهو في حال التذلل والتضرع أمام الله عز وجل.
ثالثاً: إن ما جاء في الفقرة الخامسة من هذه البشارة: يخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مرّ الأجيال والعصور وأيضاً ما جاء في الفقرة الحادية عشرة: يسجد له كل الملوك وتخدمه كل الأمم لا ينطبق على النبي داود (عليه السلام). حيث لم يعرف أن الأمم والشعوب خارج فلسطين كانت وما تزال تخشاه على مر العصور والأجيال ولا إن الملوك والأمم من خارج فلسطين كانت تطيعه وتخدمه.
ونحن إذا ما أخذنا بما جاء في الفقرة الخامسة عشرة، والفقرة السابعة عشرة لوجدنا أن أياً من الصفات لا تنطبق على نبي الله داود (عليه السلام)، وإنما تشير إلى أن وعد الله لإبراهيم (عليه السلام) بأن يجعل جميع الأمم تتبارك به قد تحقق بظهور هاتين الشخصيتين العظيمتين من نسله والتي يناجي داود (عليه السلام) ربه لكي يرسلهما للناس لينشرا شريعته ويقيما عدله على الأرض بين الناس.
رابعاً: هو أنه بعد أن دعا نبي الله داود (عليه السلام) ربه لكي يرسل تلك الشخصية العظيمة المعبر عنها بالملك بالشريعة الإلهية ليحكم بها بين الناس، شرع بالتحدث بصيغة الغائب مصوراً لنا المستقبل بعد مجيء هذا المبشر به الذي سيحمل شريعة الله إلى الناس حيث ستخضع لها الشعوب والأمم وسيقوم ابنه أو (حفيده) بإقامة عدل الله في الأرض بحسب قوانين هذه الشريعة الإلهية الخاتمة.
إذن إن هاتين الشخصيتين العظيمتين ستأتيان بعد عصر داود (عليه السلام) وهذا ما يبطل ادعاء علماء اليهود من كون المقصود بالملك هو داوود (عليه السلام).
وإذا بطل بالتحقيق كون الشخصية الأولى (أي الملك) هي داوود (عليه السلام) بطل بالنتيجة الثانية (أي ابن الملك) هو سليمان (عليه السلام).
ويمكن أيضاً إبطال دعواهم من كون المقصود بابن الملك هو سليمان (عليه السلام) من وجهين:
الوجه الأول: بحسب اعتقاد أهل الكتاب وتصريح كتابهم المقدس فإن سليمان (عليه السلام) قد ارتد عن عبادة الله تعالى وعكف على عبادة الأوثان. (ونعوذ بالله من افتراءاتهم الباطلة على أنبياء الله ورسله).
حيث أقام معابد مرتفعة للأصنام مقابل هيكل الرب وكانت زوجاته يعبدن الأصنام في بيته فأي ظلم أعظم وأشنع من هذا الظلم؟!
كما أنب نبي الله أشعياء (عليه السلام) بني اسرائيل لانحرافهم عن دين التوحيد وجعلهم شركاء مع الله تعالى فقد لهم:.. فبمن تشبهون الله، وأي شبه تعادلون به؟! ألا تعلمون؟! الله هو الرب إلى الأبد.
وجاء في القرآن الكريم على لسان لقمان وهو يعظ ابنه: ((يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)).
ينطبق أيضاً جميع ما أوردناه أعلاه حول عدم خصوصية هذه البشارة بداود (عليه السلام) على ابنه سليمان (عليه السلام).
الوجه الثاني: ربما احتج بعضهم بأن أوصاف هذا الملك العظيم الواردة في هذه البشارة يمكن لها أن تنطبق على ملك سليمان (عليه السلام) حيث جاء في القرآن الكريم أن دعا ربه قائلاً: ((وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)).
ويقولون إن سليمان (عليه السلام) دعا الله تعالى أن لا يؤتي مثل ما أوتيه من الملك لأحد من العالمين غيره. ولكن الحق كما ذكره العلامة المرحوم محمد حسين الطباطبائي حيث قال:.. ويدفعه أن فيه سؤال ملك يختص به لا سؤال أن يمنعن غيره عن مثل ما أتاه ويحرمه، ففرق بين أن يسأل أوتيه ملكاً اختصاصياً وأن يسأل الاختصاص بملك اوتيه.
كما أن الواقع التاريخي يثبت لنا أن مملكة سليمان لم تزدد سعة عما كانت عليه أيام أبيه داوود (عليه السلام)، وسلطته لم تكن إلاّ على بني إسرائيل فقط، فهو لم يملك مصر ولا العراق ولا حتى سورية، بل كان على علاقات ودية في غالب الأحيان مع الممالك المجاورة لمملكته.
ومجيء بلقيس ملكة سبأ إليه كان لكثرة ما سمعته عن حكمته ودين التوحيد الذي كان يدعو الناس إليه، فقد كان نبياً ملكاً، أتاه الله تعالى من الحكمة والعلم ما لم يؤته أحداً في زمانه.
ومما يدل على ذلك ما جاء في سفر الملوك الأول في قصة ورود الملكة بلقيس على سليمان (عليه السلام): وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان واسم الرب فقدمت لتختبره بأحاجي.. وقالت للملك: حقاً كان الكلام الذي بلغني في أرضي عن أقوالك وعن حكمتك ولم أصدق ما قيل لي حتى قدمت وعاينت بعيني فإذا إني لم أخبر بالنصف فقد زدت حكمة وصلاحاً على الخبر الذي سمعته... تبارك الرب إلهك الذي رضي منك وأجلسك على عرش إسرائيل. وقولها له: تبارك الرب إلهك الذي رضي منك وأجلسك على عرش إسرائيل دليل على أن سلطته كانت على بني إسرائيل فقط وليس على بقية الشعوب والأمم.
فدعاؤه (عليه السلام) كان بأن لا يهب الله تعالى ملكه الذي أعطاه إياه لأحد من بعده، وذلك لما أطلعه الله على فساد الذين سيرثونه من بعده.
وقد استجاب الله عز وجلّ دعاءه فسرعان ما انقسمت مملكته من بعده فاختص ابنه (رجبعام) بجزء صغير من مملكة أبيه سليمان (عليه السلام)، وأسّس فيه مملكة إسرائيل في منطقة نابلس التي كانت تسمى (السامرة) ونتيجة للحروب التي قامت بين مملكة يهوذا في القدس ومملكة إسرائيل في السامرة فقد ضعفتا وأصبحتا هدفاً لاجتياح الإمبراطوريات والممالك المجاورة لهما كالفراعنة والآشوريين والبابليين حتى تلاشتا من الوجود، وبذلك استجاب الله تعالى دعاء سليمان إياه بأن لا يهب ملكه لأحد من بعده فلم يملك أحد من بني إسرائيل ملكاً كملك سليمان من بعده.
وبهذا ظهر لنا بطلان ادعاء اليهود من أن البشارة الواردة في المزمور 72 جاءت بحق داوود وابنه سليمان (عليهما السلام).
وأما ادعاء النصارى بأن هذه البشارة قد وردت بحق عيسى المسيح (عليه السلام) فإنه ادعاء باطل أيضاً من عدة وجوه:
الوجه الأول : عيسى بن مريم (عليه السلام) لم يكن صاحب ملك ولم يحكم ولا يوماً واحداً بل على العكس كان لليهود السلطة عليه فقد أخذوه وأهانوه وضربوه واستهزؤوا به وقتلوه على حسب زعمهم
كما إنه لم يكن له ابن فهو لم يتزوج في حياته حتى يقال بأن الدعاء: وأعط عدلك لابن الملك، جاء بحقه.
وأيضاً فإن السيد المسيح (عليه السلام) لم يأت بأحكام جديدة حتى يقال بأن ما جاء في هذا الدعاء: وأعط شريعتك للملك مختصّ به (عليه السلام)، وهذا بشهادة الأناجيل الأربعة الموجودة بين أيدي الناس اليوم فإنها تكاد تكون خالية من الأحكام، فالسيد المسيح (عليه السلام) اعترف بنفسه قائلاً: لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل. كما ان معظم الصفات الواردة في هذا المزمور الثاني والسبعين لا تنطبق على عيسى المسيح (عليه السلام).