السيدة الغيبوبة








السيدة الغيبوبة…

لكن جامعة الدول العربية استيقظت على رنين الذهب. علقت عضوية سوريا (واي معنى للجامعة دون سوريا؟) واحلت محلها تركيا. بدا احمد داود اوغلو، بقبعة الوالي العثماني وبتكشيرة الوالي العثماني، وهو يتصدر القاعة. عرب كثيرون لا يكنون الود للنظام السوري، بل انهم يناوئونه، شعروا بالعار، اجل بالعار، في تلك اللحظة العثمانية…
هل كان افيغدور ليبرمان غائبا عن تلك الجلسة التي اختزلت احوالنا؟ لا ندري لماذا نصّر على ان نساق هكذا. سأل كارل روف ما اذا كنا رعاة الابل ام رعاة السراب.
… ولا بد من بعض الهذيان!
اين هو نبيل العربي الذي اتقن هز البطن على خطى سلفه عمرو موسى الذي كان على الاقل يتنقل كلما اندلعت ازمة بين هذه الدولة او تلك. لا بأس ان يتحدث بعضهم عن ديبلوماسية الكافيار او عن ديبلوماسية شهرزاد. لكن موسى كان «يظهر» ويتكلم، وإن لاحظنا اكثر من مرة كيف كان الرجل يتحدث كما لو انها الكوميديا الثقيلة الظل تتكلم..
لاحظنا ذلك في لبنان حيث كانت تصريحاته المريعة حقا. كان يقول «توصلنا الى حل 40 في المئة من الازمة»، ثم 50 ثم 55. فجأة توارى عن الانظار، وبقيت الازمة على حالها. هل من ديبلوماسي، الا اذا كان راقصا، او مهرجا، يتعامل مع ازمة بتلك الطريقة التي يلجأ اليها عادة الجراحون الفاشلون وحيث يموت المريض بين ايديهم فيغادرون من الابواب الخلفية..
ماذا يفعل نبيل العربي الآن؟ وهل حقا انه طلب مقابلة وزير الخارجية المصري اكثر من مرة فرفض؟ وهل حقا انه يسعى الى منصب مستشار في احدى الدول العربية التي استخدمته لبعض الوقت ثم القت به على قارعة الطريق؟
احمد داود اوغلو غادر القاعة. بالرغم من كل تلك الفضائح التي تستنزف رجب طيب اردوغان، وقد قطع آلاف الروؤس من القضاة وضباط ورجال الشرطة لانهم يتآمرون عليه لمصلحة فتح الله غولن، وبالرغم مما قاله ومما سمعه الصدر الاعظم في طهران، لا يزال اوغلو يستخدم لهجة الوالي العثماني. سمعناه في ميونيخ. هل يصلح هذا الرجل ان يكون وزيراً للخارجية، ومنظراً للنيو عثمانية، في بلاد كانت مؤهلة للاضطلاع بدور خلاق في المنطقة، فإذا بها تلعب، وتتهاوى، على كل الجبهات؟

الآن نسأل، وحكومة بنيامين نتنياهو تلغي، على الارض، البقية الباقية من فلسطين، فيما المجتمع الدولي، بمواقعه الباهتة بل والمخزية، لا يتعدى، في اعتراضه، مسألة مقاطعة منتجات المستوطنات، اين هي جامعة الدول العربية. بل اين هي الفضيحة؟
وهل يعلم نبيل العربي ان نتنياهو قال لمارتين انديك «تريد دولة لمحمود عباس فلماذا لا تقدم له الاردن؟». وصل الكلام الى عبد الله الثاني فعاتب نتنياهو الذي سرعان ما انتقل الى عمان مطمئنا. لكن الملك ما زال متوجسا وقلقا من مؤشرات محددة. ماذا عندما يفكر رئيس الوزراء الاسرائيلي بولايات فلسطينية تتوزع بين لبنان وسوريا. الرجل واقعي، ويقول «انظروا ماذا فعلت «حماس» في غزة وماذا كانت تريد ان تفعل في شبه جزيرة سيناء».
ألم يكن «الاخوان المسلمون» مستعدين لكي يحلوا جزءا من القضية الفلسطينية في سيناء ليؤكدوا على الاخوة العقائدية والتاريخية بين ابناء ابراهيم؟..
هؤلاء هم العرب. استعيد ما قاله لي ضابط اسباني كبير في خريف مدريد 1991 وكان احد رجال الجنرال فرانكو. اطلعني على بطاقة هويته. اسم العائلة «ميدين»، واوضح انه يتحدر من عائلة «محيي الدين» العربية. كان فخورا بما حققه العرب في الاندلس، ولكن ليعبّر عن خيبة عميقة حين قال له احد المؤرخين انه لولا ايزابيلا لبويع يهودي خليفة على المسلمين، هذا بعدما اخترق اليهود البلاط بالنساء والنبيذ، فيما كان على موسى بن ميمون ان يؤدي الدور نفسه الذي أدّاه عبد الله بن سبأ وكعب الاحبار مع نهاية خلافة الراشدين. هل بقي الاسلام بعد ذلك؟
هؤلاء هم العرب الذين ينتجون رجلا يدعى نبيل العربي الذي تماما على شاكلتهم. الجامعة تغط في نوم عميق. نعلم ان القضية الفلسطينية تحوّلت من عقود الى ملهاة، وان الفلسطينيين ضائعون بين اسامة بن لادن وحسن البنا وياسر عرفات. من يتصور مثلا ان خالد مشعل لا يزال معنيا بفلسطين، وكيف يتم تبرير ما حدث ويحدث في مخيم اليرموك وفي مخيم عين الحلوة، وعلى حساب الفلسطينيين العاديين الذين حطمتهم الايام. احدهم قال لنا «كان هناك محمود درويش يصغي الى انيننا فيتحول الى صرخة. الآن ماتت القصيدة وماتت القضية».
اين هي الجامعة مما يحدث في لبنان، حيث الازمة، ازمة الحقائب، تقضي على البقية الباقية من الدولة؟ واين هي مما يحدث في العراق الذي تحول الى شظايا بشرية؟ واين هي من اليمن الذي يحكمه ذلك التقاطع التراجيدي بين القبيلة والايديولوجيا؟ واين هي مما يحدث في ليبيا التي تتناثر قطعا قطعاً؟ بل واين هي من مصر التي تستضيفها، وحيث التبادل في الادوار بين العمامة والخوذة. لاحظوا القرابة اللغوية بين كلمتي «المرشد» و«المشير»، وان كان منطق الاشياء يقول ان رئيسا آتياً من الثكنات يظل افضل بكثير من رئيس آت من الكهوف…
من زمان كتب ديزموند ستيوارت عن «ذلك الشرق الاوسط الذي في العراء ». جان دانيال استنبط كلمة Bedouincratie لوصف حالنا. اوريانا فالاتشي كتبت « هؤلاء الذين يدخلون على ظهور النوق الى القرن. اين هي جامعة الدول العربية من كل هذا؟ انها السيدة الغيبوبة ايها السادة…
ذات يوم كتب لوي اراغون عن «مناديل المرمر في غرناطة». الآن مناديل الدم في دمشق. في الفسطاط ايضا. في كل مكان ينط


الديار
نبيه البرجي