تمنّي زوال نعمة الغير،‌ سواء كان ذلك التمني مقترناً بارادة تلك النعمة للنفس، أولا.
فالحاسد، هو الذّي يرغبُ ويتمنّى ويحبُّ زوال ما أفاض الله تعالى، و أنعم به على غيره من الكمالات النفسية و غيرها، من قبيل: العلم والوجاهه و النفوذ و القوة، و الجمال، و المال، و الزجاجة، و الوْلِدِ، و غيرذلك، بل و حتّى المواهب. و قد يدعوه ذلك (الرغبة و التمني و الحبّة) الى السعي و ابتغاء شتى السبل المحظورة و المقبوحة شرعاً و عقلاً، من أجل إزالة ما أنعم الله به على غيره.
فيكون بذلك ان الذي يحصل من الحاسد تارةً بهدف ازالة نعمة الغير و الحصول عليها، و أخرى لمجرد إزالتها عنه، و لولم تصل تلك النعمة اليه.
فحقيقة الحسد، اذن هي: عدم الرضا بقسم الله تعالى والسخط على قضائه في الرزق المادي و المعنوي، قال تعالى > والله فضّل بعضكم على بعضٍ في الرزق[1]<
فالتفضيل، إنّما حصل بمقتضى حكمة الباري عزّوجلّ وعلمه بالمصالح، فِكرهُ الحاسد لنعمة الغير و تمنيه لزوالها هو في حقيقته كِرهٌ لحكمة الله تعالى وسخط وردٌّ لقضائه، فقد ورد في بعض الاحاديث القدسية: «ان الحاسد عدوٌ لنعمتي، متسخطٌ لقضائي، غير راضٍ بقسمتي التي قسمت بين عبادي»[2]
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : «قال الله عزّوجلّ لموسى بن عمران‌عليه السلام : يا ابن عمران لا تحسدّن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدَّن عينيك إلى ذلك ولا تتبَعهُ نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمي، صادٌ لقسمي الذي قسمت بين عبادي، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي»[3]
وقال الإمام أميرالمؤمنين‌عليه السلام : «الحسود غضبانٌ على القدر»[4]
ثمّ أن الذي يرى نعمةً ما، أنعم الله تعالى بها على شخص آخر، فتمنّى على الله أن يرزقه مثلها، من دون أن يتمنّى زوالها عن ذلك الشخص، لم يكن ذلك منه حسداً ولا عملاً مذموماً، ويسمّى ذلك غبطة وهو من صفات المؤمنين، قال أبوعبدالله ‌عليه السلام : «إنّ المؤمن يغبط ولايحسد والمنافق يحسد ولا يغبط»[5]
الحسد في ميزان الأعمال:
الحسد آفة أخلاقية عديدة المساوىء، عظيمة الأثر في الفساد و الدّمار للفرد و المجتمع، مورثة للكثير من الموبقات والرذائل، ومفتاحٌ للكثير من البغي والشرور، تترك الفرد المبتلى بها عنصراً خاوياً فاسداً في نفسه مثيراً لانواع الفساد، دائم الهم و الغم، أما المجتمع الذي تتفشّى فيه هذه الآفة الأخلاقية يتحوّل بسببها الى مستنقعٍ لمختلف الرذائل، والمفاسد.
لهذا نرى أن موقف الشارع المقدس (كتاباً وسنةٌ) منها موقفاً متشدّداً، وقد حذّر منها اشدّ التحذير، ووعظ بالابتعاد عنها بأبلغ الحكم، وكشف عن المصير السيء الذي ينتظر الحاسد في الدنيا والآخرة، نذكر هنا طرفاً من تلك الآيات الشريفة والاخبار التي تعرضت الى ذلك:
أـ الآيات:
قوله تعالى ((أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله))[6]
وقوله تعالى ))وَدَّ كثيرٌ من أهل الكتاب لوْ يردّونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم[7]((
وقوله تعالى ((ومن شرِّ حاسدٍ إذا حسد))[8]
وقوله تعالى ((قل انّما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها و مابطن))[9] . قيل: مابطن؛ الحسد.
ب ـ الأحاديث
ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : «إياكم و ثلاث خصال، فانّهنّ رأس كل خطيئة؛ اياكم والكِبَر، فإنّ ابليس حمله الكِبرُ على ترك السجود لآدم فلعنه الله وأبعده. وإيّاكم والحرص، فإن آدم حمله الحرص على أن أكل من الشجرة، و إيّاكم والحسد فإنّ قابيل بن آدم حمله الحسد على قتل أخيه هابيل، والحاسد جاحد لأنّه لم يرض بقضاء الله»[10]

وقال صلى الله عليه وآله وسلّم :‌ «كاد الفقر أن يكون كفراً وكاد الحسد أن يغلب القدر»[11]
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»[12]
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم :‌ «إنّ لنَعم الله أعداء. فقيل: ومن هم؟ قال: الذين يحسدون الناس على ماآتاهم من فضله»[13]
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم : موصياً أميرالمؤمنين : «يا عليّ أنهاك عن ثلاث خِصالِ عِظام: الحسد والحرص والكذب»[14]
ـ وقال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : «الحسد شرّ الأمراض»[15]
وقال عليه السلام : « الحسدُ عيب فاضح، وشجي فادح، لايُشفي صاحبه الا بلوغ أمله فيمن يحسده»[16]
وقال عليه السلام : «رأس الرذائل الحسد»[17]
وقال عليه السلام : « الحسود لايسود»[18]
وقال عليه السلام : «الحسود كثير الحسرات متضاعف السيئات»[19]
ـ وقال الإمام أبوجعفر عليه السلام : «إنَّ الرجلَ ليأتي بأي بادرة فيكفر، و إنّ الحسد لياكل الايمان كما تأكل النار الحطب»[20]
وقال عليه السلام : لايؤمن رجل فيه الشحُّ والحسد و الجبن»[21]
وقال الإمام الصادق عليه السلام : « إيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإنّ الكفر أصله الحسد»[22]
وقال عليه السلام :‌ «آفة الدين الحسد و العجب و الفخر»[23]
مراتب الحسد وأحكامها:[24]
يمكن تقسيم الحسد باعتبار الرضا الداخلي للحاسد من حيث الوجود و العدم الى المراتب التالية:
1ـ ان يكون المتمنّي لزوال نعمة الغير، غير راضٍ في داخله على نفسه، المائلة الى ذلك الزوال والمحبّة له بطبعها، ماقِتاً لها على ذلك ويتمنّى لوكانت له حيلة أووسيلة لإزالة ذلك الميل عنها. وهذه المرتبة معفو عنها ولايترتب عليها إثم، لانها خارجه عن حدالاختيار، بمعنى انّ الذي يحصل منه من الميل النفسي هو بالطبع لابالإرادة والاختيار.
2ـ اَن يكون المتمنّي لزوال نعمة الغير، راضياً في داخله على نفسه المائلة إلى ذلك الزوال والمحبّة له بطبعها غير ماقت لها على ذلك، و متى مازالت النعمة المحسودة عن الغير أظهر الفرح و السرور باللسان أوالجوارح. وهذه المرتبة مقطوع بحرمتها ويمكن أن نتصور لها حالتين:
أ ـ ان يكتفي (المتمني) باظهار الفرح و السرور باللسان أوالجوارح عند زوال نعمة المحسود.
ب ـ اَن يَسعى ويوظّف (المتمني) جوارحه في طاعة حسده، وهذه الحالة اشدّ حرمة وقباحة من الأولى.
3ـ ان يكون المتمنّي لزوال نعمة الغير راضياً في داخله على نفسه المائلة الى زوال نعمة الغير المحبّة لذلك بطبعها غير ماقتٍ على ذلك، ولكنه اذا زالت النعمة المحسودة عن الغير لم يُظْهر الفرح والسرور لابلسانه ولابجوارحه ويحفظ جوارحه من أن تكون في طاعة حسده.
وهذه المرتبة مختلفٌ فيها بين مبيح وبين مانع. وقيل: أنها لاتخلو من إثمٍ بقدر قوة ميل المتمنّي وحبّة لزوال النعمةِ عن الغير.
البواعث والأسباب:
أسباب الحسد و بواعثه كثيرة، ليس من السهل حصرها لتعدد مداخله واشتراك حقيقته مع الكثير من الرذائل، و أهم مايمكن إثباته في هذا الجانب منها:
1ـ الجهل وقلّة المعرفة في أمورالدين، الفقهية، و العقائدية، والاخلاقية.
وهذا من أهم الأسباب التي تقعد بالفرد والمجتمع عن السلوك في درجات الكمال والقرب من الله تعالى، ومن ثمّ الانحطاط والتسافل، والوقوع بارتكاب أنواع الرذائل و منها الحسد. قال أميرالمؤمنين عليه السلام :‌ «الجهل أصلُ كلّ شر»[25]
وقال عليه السلام : «الجهل فسادُ كلِّ أمر»[26]
2ـ عدم الاهتمام بتزكية النفس وتربيتها وترويضها على الصبر على الطاعات وترك المحظورات، لان النفس مالم تزكَ وتتعاهد بالتربية والترويض، تجمح بصاحبها وتُوقعه بارتكاب القبائح من الأخلاق ومنها الحسد. قال تعالى > قد أفلح من زكّيها، وقد خاب مَنْ دَسَّيها[27]<
3ـ التربية العائلية الفاسدة، التي تعيش حالة عدم الاكتراث واللامبالاة تجاه التكاليف الشرعية، وكذلك المحيط الملوث، ورفقة السوء، كل ذلك عوامل وأسباب مؤثرة في الابتلاء بهذه الرذيلة.
4ـ تمكُّن الخبثُ من النفس، بحيث تصبح مأنوسة بممارسة الرذائل، صعبة الانقياد للعقل، فيشذ الطبع عند ذلك على الخبث واللؤم، فيكون صاحب هكذا نفس يحزن لافراح الناس وبهجتهم ويفرح بشقائهم ومآسيهم، لذا فهود وما يتمنّى زوال النِعَم عن غيره لانه يرى في ذلك سعادة وسروره.
5ـ التنافس المذموم، الذي يحدو بصاحبه الى تمنّي زوال ما أنعم الله به على منافسه، وشواهد كثيرة، أوضحها مايكون بين أفراد الصنف الواحد، من الأعمال و غيرها كالتجّار والعلماء و الزعماء و الأمراء و الأبناء و غيرهم.
6ـ العداوة والبغضاء، التي غالباً ماتنشأ بسبب الاختلافات والتخاصم، و هذا من البواعث القوية التي تدفع باطرافها الى حسد و مكايرة الطرف الآخر.
7ـ استحكام حب الأنا في النفس، الذي يصطلح عليه بالأَنانية، والتي يشتدُّ عند صاحبها الحرص على مصلحته الخاصة دون غيره، فيدفعه ذلك الى تمنّي زوال ماأنعم الله به على غيره من النِعم التي يرغب بان تكون له.
8ـ الشعور بالنقص والضِعَة. فصاحب هذا الشعور يتمنّى زوال نعمة الغير التي يرى أنَّه يفوقه بها، حتّى لا يشعر بالنّقص والدناءَةِ أمامه.
9ـ التكبر، فالمتلبّس بهذه الرذيلة يسعى دائماً لان يكون هو صاحب المزايا المنفردة، لذا فهو يحسد غيره اذا حصل على نعمة تكون في تصوره مفسدةً لتكبره على ذلك الغير.
علامات الحاسد وصفاته
يمكن التعرّف على الحاسدِ، لاتقاء شرِّه بجملة من العلامات أهمها:

1ـ الغيبة، فالحاسد لايتورع عن اغتياب محسوده لانه يرى في ذلك حطاً له لما أنعم الله عليه من جاهٍ أوعِلم أو دينٍ، أو قد يُفوت بذلك عليه فرصة الحصول على مكسب مادي أو معنوي، وهذا مما يحقق مأربه في محسوده لذا فهو يعتبر الغيبة احدى وسائله للوصول الى هدفه في محسوده.
2ـ التملّق وإظهار الودّ في الاقوال، وإضمار البغض والكُره في الافعال، وانّما يكون ذلك منه حتى يخفي ما يعتلجه من غليان الحسد في باطنه، وحتّى يتسنى له من خلال ذلك الوصول الى جملة من الاهداف، منها تمرير مخططاته ضد من يَحْسُدُه. قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « الحاسدُ يُظهِرُ وَدّهُ في أقواله، و يخفي بُغْضَهُ في أفعاله، فَلَهُ اسم الصديق وَصِفَةُ العَدُوِّ»[28]
3ـ اظهار الشماته، وهي بيان الفرح والارتياح لما يصيب محسوده من المصيبة والبلاء. وهذه العلامات الثلاثة يجمعها الحديث الشريف المروي عن الامام الصادق عليه السلام حيث قال: «قال لقمان لابنه: للحاسد ثلاث علامات: يغتاب اذاغاب، ويتملّق اذا شَهِدَ، ويشْمَتُ بالمصيبة»[29]
4ـ التشاؤم بالشر، وابتغاء وقوعه، لان ذلك من دواعي سروره ، فتراه دائماً يعيش حالة التشاؤم، ولايحب ان يرى الناس في نعمةٍ وخيرٍ وسعادةٍ.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «من ولع بالحسد وَلِعَ به الشؤم»
5ـ عدم الاخلاص والصدق في النصيحة عند استنصاحه، وكذا لايبتدأ أحداً بالنصيحة، قال الإمام الصادق عليه السلام :‌ «النصيحة من الحاسد محال»[30]
6ـ اظهار الفرح والابتشار لما يصيب الناس من الشرور، والاكتئاب والغمِّ عند أَفراحهم ومسراتهم ومايراه من سعادتهم، قال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : «الحاسد يفرح بالشّرور ويغتمُّ بالسرور»[31]
المساوىء والآثار:
ان الاحاطةَ بما يتركه الحسد من المساوىء والآثار على الفرد و المجتمع وما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، أمرٌ ليس بالهين، وذلك لان الحسد من أخطر الآفات والرذائل الاخلاقية، وأهم ما يمكن ذكره من تلك المساوي والآثار هنا ما يلي:
أـ على الفرد:
1ـ احباط العمل الصالح للفرد واتلاف حسناته وبالتالي الذهاب بدينه. قال رسول الله (ص): «الحسد ياكل الحسنات كما تأكل النار الحطب›› [32] . وقال الامام الصادق (ع): «آفة الدين، الحسد والفخر››[33].
2ـ الابتلاء بالهم والغم وعدم الراحة النفسية وتشتت الفكر وتشعبه قال امير المؤمنين (ع): «ما رأيت ظالما اشبه بمظلوم من الحاسد، نفس دائم وقلب هائم، وحزن لازم››[34]. وقال (ع): «الحسود كثير الحسرات متضاعف السيئات››[35]. وقال الامام الصادق (ع): «لا يطمعن الحسود في راحة القلب››[36].
3ـ الابتلاء بخبث السريرة وعدم النصيحة للآخرين، وترك المعروف. قال الامام الصادق (ع): «النصيحة من الحاسد محال››[37].
4ـ التورط في ارتكاب المهالك والمعاصي المختلفة، من قبيل الغيبة والكذب، والنميمة، والسعاية، والقتل، وغيرها، قال رسول الله (ص): «أخوف ما أخاف على امتي أن يكثر لهم المال فيتحاسدون ويقتتلون››[38].
وقال أمير المؤمنين (ع): «رأس الرذائل الحسد››[39].
5ـ سقوط المنزلة الاجتماعية والازدراء والاحتقار عند الناس.
6ـ المعاناة من الامراض المختلفة للبدن وملازمة التعب له، قال أمير المؤمنين (ع): «الحسد يضني الجسد››[40] وقال (ع): «الحسد لا يجلب الا مضرة وغيظا، يوهن قلبك، ويمرض جسمك››[41] وقال (ع): «الحسد مطية التعب››[42].
7ـ التحول الى الكفر والخروج من دائرة الايمان. قال الامام الصادق (ع): «اياكم أن يحسد بعضكم بعضا ، فان الكفر أصله الحسد››[43] وقال رسول الله (ص): «لا تتحاسدوا فان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب اليابس››[44].
8ـ الشقاء في الدنيا والآخرة. قال أمير المؤمنين (ع): «ثمرة الحسد شقاء الدنيا والآخرة››[45].
9ـ القعود بالشخصية عن مدارج الكمال الروحي والاخلاقي والحضاري و من ثمّ التسافل والانحطاط في مختلف الجوانب.
ب ـ على المجتمع: اذا تفشى الحسد في المجتمع تبرز فيه المعالم التالية:
1ـ انحلال الظاهرة أو السمة الدينية للمجتمع وانتشار القبائح والمنكرات فيه، باعتبار أن الحسد باعث اساسي لها.
2ـ غصب الحقوق، وانتشار الظلم، وتدهور الاوضاع العامة للمجتمع في مختلف الميادين، بالاخص اذا كانت هذه الرذيلة (الحسد) متفشية بين الافراد ذوي النفوذ والسلطة في المجتمع.
3ـ التخلف الحضاري والمدني، وهدر الطاقات، وعدم استثمارها الاستثمار المناسب.
4ـ شيوع العداوة والبغضاء، وانتشار الدعاوى والخصومات والجرائم في المجتمع.
5ـ فقدان مظاهر الالفة والمحبة والتعاون وبالتالي يكون المجتمع مجتمعا ضعيفا متفككا.
علاج الحسد:
ان أهم ما ينبغي الالتزام به لمكافحة هذه الآفة الاخلاقية والتحصن منها هو:
1ـ استئصال الجهل من النفس، والذي هو مطية الشرور، بالمبادرة الى التعليم وزيادة الوعي في المعارف الدينية المختلفة، فان ذلك يمنح الشخصية حصانة قوية ضد ممارسة المحظورات والمنكرات.
2- الاهتمام بتربية النفس وترويضها وتزكيتها، وابتغاء أفضل السبل الكفيلة لذلك.
3ـ اجتناب المحيطات الملوثة، والابتعاد عن رفقة السوء، وابدالها بمحيطات تسودها الاجواء الايمانية الصافية من كدورات المنكرات، واتخاذ رفقاء صلحاء امناء.
4ـ التملّي من التفكير والتأمل في مساوي ومضار هذه الرذيلة، بالاستفادة من الآيات والروايات الشريفة الواردة في ذلك، واشعار النفس الخوف والرهبة من الوعيد الالهي، بالعذاب الاليم والحشر مع الجبارين، الذي ينتظر مقترف هذه الرذيلة.
حكايات وعبر:
ـــ كان رجل يغشى بعض الملوك، فيقوم بحذاء الملك، فيقول: «أحسن الى المحسن باحسانه، والمسيء سيكفيكه مساويه». فحسده رجل على ذلك المقام والكلام، فسعى به الى الملك، فقال: ان هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول، يزعم أن الملك أبخر، فقال له الملك: فكيف يصح ذلك عندي؟ قال: تدعو به غدا اليك، فاذا دنا منك وضع يده على أنفه، أن لا يشم ريح البخر، فقال له انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل الى منزله، فأطعمه طعاما فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك، فقال: أحسن الى المحسن باحسانه، والمسيء سيكفيكه مساويه، فقال له الملك: ادن مني، فدنا منه، فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه ريح الثوم، فقال الملك في نفسه، ما أدري فلانا الا صدق. قال: وكان الملك لا يكتب بخطه الا جائزة أوصلة، فكتب له كتابا بخطه الى عامل من عماله: اذا اتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبنا وابعث به الي، فأخذ الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فقال: ماهذا الكتاب؟ فقال: خط الملك أمر لي بصلة، فقال: هبه لي، فقال: هو لك، فأخذه ومضى الى العامل، فقال العامل: في كتابك أني أذبحك وأسلخك، قال: ان الكتاب ليس هو لي، فالله الله في أمري حتى تراجع الى الملك. قال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشى جلده تبنا وبعث به، ثم عاد الرجل الى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فتعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب، فقال: لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له، فقال الملك: انه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر. قال: ما قلت ذلك، قال: فلم وضعت يدك على أنفك؟ قال: كان أطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت أن تشمه. قال: صدقت، ارجع الى مكانك فقد كفاك المسيء مساويه[46].
ـــ نقل عن المرجع الديني شهاب الدين المرعشي (قد) أنه قال: كان والدي يحضر درس المحقق الآخوند، صاحب الكفاية وكنت أرافقه في الطريق، وكان يرى شخصا ممن تلبس بزي أهل العلم، وما كان يراه والدي الا ويدعو عليه قائلا: اللهم اخذله في الدنيا والآخرة، وسمعت ذلك منه مرارا، فسألته يوما عن سبب ذلك فقال والدي: هذا الذي تراه كان يحضر مع شيخ آخر من بلدته درس الآخوند، وكان الاستاذ يمدح صاحبه بالذكاء والفطنة، واذا بفتيلة الحسد اشتعلت في وجود هذا الشيخ. وفي يوم ابتلي صاحبه ـ أي الطالب الذكي ـ بالزكام وكنت عنده لعيادته فدخل هذا الشيخ وقال له: عندي دواؤك، فجاءه بمسحوق ووضعه في اناء وناوله له، وبعد سويعه أخذ المسكين يتقيا وتغير لونه وبعد ساعات ارتحل الى جوار ربه، وعلمنا أنه سقاه السم، وذلك من شدة حسده، وقد أيتم أربعة أطفال من حنا ن الأب، وهكذا يفعل الحسد بأهله ويأكل الايمان كما تأكل النار الحطب[47].
وقانا الله و اياكم شرّ الابتلاء بهذه الرذيلة و أخذ بأيدينا حيث الهداية و الصلاح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.