إنبشوا قبر يعرب بن قحطان
اشد هولا بكثير من ان نرى الدبابات التي تحمل نجمة داود في شوارع دمشق والقاهرة وبغداد. بادىء بدء لننبش قبر يعرب بن قحطان ونقول له… ايها الغبي!
هذا اذا لم يكن العرب يدركون ما هي المؤسسة اليهودية في العالم، وليس في الغرب فحسب، وما هي امكاناتها، وما هي خططها، وما هي قناعاتها المستوحاة كليا من التوراة، وحيث اعترف اسحق دويتشر بأن «عبقرية اليهودي» تكمن في ان نصف عقله في الماضي والنصف الآخر في المستقبل، اذا لم يقل بالدفاع المزدوج، كما لو ان شعب الله المختار مميز بيولوجيا ايضا وليس ايديولوجيا فقط…
نقول للسادة العرب، وسواء كانوا احفاد سيف بن ذي يزن او احفاد ابي العتاهية، ان عليهم ان يقرأوا وان يتوغلوا في ادغال المؤسسة اليهودية لكي يدركوا اننا، ونحن ندمر دولنا الواحدة تلو الاخرى، وعلى ذلك النحو المريع، مجرد ادوات توراتية او تلمودية في يد الحاخامات الذين تنبأ زئيف جابوتنسكي قبل مائة عام بأنهم سيكونون ملوك الشرق الاوسط او على الاقل اوصياء على الشرق الاوسط…
ودعونا نسأل بكل ما اوتينا من سذاجة: هل هذا الذي يحدث في سوريا او في مصر او في العراق لان بشار الاسد، ولان عبد الفتاح السيسي، ولان نوري المالكي، هناك؟
نقول لهم اقرأوا التوراة وتمعنوا في التلمود، مسلمين ونصارى، لتكتشفوا كيف اننا بقاماتنا المرصعة بالذهب، او المرصعة بالسراب، لا نعدو كوننا دمى و تتراقص حول حائط المبكى.
ولنتوقف عند دمشق التي تنبأ لها سفر اشعيا بالخراب. هنا النبوءة اشبه ما تكون بالتوصية الالهية او حتى بالامر الالهي، ولنسأل اولئك المسؤولين الاردنيين الذين طلب منهم، وقبل اكثر من عام على اندلاع الاحداث في سوريا، ان يغضوا الطرف عن التنسيق اللوجيستي والعملاني، والعقائدي بطبيعة الحال، بين «الاخوان المسلمين» في مدينة اربد، وحيث معقلهم الرئيسي، و«الاخوان» في مدينة درعا السورية والتي لا تبعد سوى نحو 30 كيلو مترا عنها…
كان في الظن ان باستطاعة الجماعة ان تطلق الشرارة من درعا لتشمل كل المدن السورية دون التنبه الى البنية السياسية المعقدة للنظام، كما للبنية الاجتماعية والاقتصادية في سوريا والتي طرأت عليها تغيرات كثيرة على مدى العقود الاربعة المنصرمة، ودون ان يتنبه من اعدوا السيناريوات الى «الخلايا الافغانية» النائمة والتي لم تكن ترى في «الاخوان المسلمين»، على المستوى العقائدي، اكثر من ظاهرة داروينية لم تتمكن من القفز فوق الحلقة المفقودة في النظرية الشهيرة حول النشوء و الارتقاء.
ونعلم انه في ظل الترهل الذي اصاب بعض المؤسسات في سوريا، وهو الترهل الناجم، بوجه خاص، عن ذلك الاداء الرهيب في لبنان وحيث الكثيرون داسوا باقدامهم على القيم (القيم السورية تحديدا) وارتكبوا الفظاعات، فإن اجهزة استخبارات عربية وتركية واسرائيلية، وغربية بطبيعة الحال، اخترقت الاسوار السورية، حتى ان بعض الجهات في المنطقة كانت تؤكد، بصورة او بأخرى، على انقلاب دراماتيكي وشيك في المشهد السوري…
كانت هناك خطط دقيقة ومثيرة لتنفيذ «اغتيالات نوعية» تفضي الى تقويض النظام، لا بل ان هناك من يؤكد ان رجب طيب اردوغان انما كان يتعامل تكتيكيا مع الرئيس الاسد من اجل ان تتغلغل الاستخبارات التركية اكثر فأكثر في المفاصل السورية، فيما كان الاردن بمثابة غرفة عمليات لاكثر من سيناريو. والمثير انك تسمع من مصادر موثوقة ان اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية كانت موجودة في كل السيناريوات، وكانت على دراية تامة بما يجري بين اربد ودرعا، ولكن دون ان تتوقع ان يصمد النظام لاكثر من شهر واحد، فيما كانت الطائرات الاسرائيلية التي تحلق فوق البقاع تنقل على متنها الضباط الذين سيتولون امر صواريخ «حزب الله» عندما يسقط النظام في دمشق، وتصبح الحدود مع لبنان مشرعة امام «الاخوة اليهود» الذين استعدوا لتلك اللحظة الكبرى التي يستولون فيها على الصوامع الصاروخية او يدمرونها بأيديهم دون الحاجة الى القاذفات.
بالطبع لا يثق العرب، ولنقل بعضهم، بالتقارير التي وضعتها الاستخبارات الروسية حول التدخلات الاجنبية في سوريا، بما فيها التدخلات الاسرائيلية، ودون ان يكون سرا ان هناك اجهزة استخبارات عربية لا تعتبر صديقة لدمشق لكنها ابدت تخوفها من التداعيات الكارثية لما يتم اعداده، ولكن كان هناك من اتخذ القرار بازاحة بشار الاسد مهما كلف الامر، وكنا، في هذه الزاوية بالذات، اول من كشف عن قول مسؤول عربي كبير انه على استعداد لدفع مائة مليار دولار ثمنا لرأس الرئيس السوري. دفع خمسة مليارات فذهبت هباء، فيما اخر قال ان المسؤول اياه تعامل عشوائيا مع الساحة السورية، فكانت تلك النتيجة، اما هو فيستند الى منهجية متطورة جدا وعلى ترابط معقد مع اجهزة دولية شديدة الفاعلية في المنطقة، وبطبيعة الحال، في سوريا…
الذي حدث هو ان الجميع لم يحرقوا اصابعهم فقط في سوريا. ربما احرقوا وجوههم ايضا، ودون ان يعني هذا ان النظام في سوريا لا يزال اياه وانه لم ينهك سياسيا و عسكريا واقتصاديا بعد ثلاث سنوات من تلك الحرب التي شاركت فيها قوى لا حصر لها. المهم ان الذين خططوا لتفكيك خارطة القوة في المنطقة حققوا الكثير من اهدافهم في سوريا التي طالما كانت وجه، وقلب، وقبضة، وضمير، القارة العربية، فأين هي الآن؟ مدن مدمرة، وملايين مشردة، وعلاقات انسانية (ووطنية) محطمة، فيما الترسانة الكيميائية التي كانت تشكل نوعا من التوازن الاستراتيجي الذي لا يستهان به في حال من الاحوال ذهبت ادراج الرياح…
لم تكن هذه الترسانة ملكاً شخصيا لبشار الاسد، ولم يكن السوريون يعتبرون انها درعهم فقط بل درع كل العرب. الم يكن ارييل شارون يحلم بالتجول في حواري دمشق؟ من هناك بالذات يخنق المقاومة في لبنان ويضع يده على الماء وعلى القمم التي اعتبرها منصات فضائية في ما يمكن ان يسمى «برنامج حرب النجوم» الاسرائيلي…
ها هي سوريا، وها هي مصر التي لا نتصور ان ما تتعرض له ليس جزءا من الخطة الكبرى لتفريغها من كل ديناميكية استراتيجية. ومن تراه يستطيع القول ان باستطاعة ابي بكر الغدادي تجهيز مئات السيارات المفخخة في الشهر لتفجيرها في ارجاء العراق…
لولا العرب، بداوة العرب، هل كان يمكن ان يحدث كل هذا؟ اذاً، من فضلكم انبشوا قبر يعرب بن قحطان وقولوا له… ايها الغبي!!
نبيه البرجي
الديار