غريزة نفسية أودعها الله تعالي في طبيعإ البشر للاستفادة منها في مستلزمات حياته و كماله بالاعتدال فيمها، متي التشيرت دفعت صاحبها بحدةٍ و انفعالِ نحو تحقيق مأربه.
حالات الغضب:
يقسم الغضب من حيث المدح و الذم الي حالتين:
1ـ الحالة الممدوحة:
و هي التي يكون فيها الغضب ناجماً و منبعثاً عن الاستثارة بمؤثرٍ ايجابي ؛ من قبيل، حماية الدين و الذود عن العقيدة أو الدفاع عن النفس أو العرض أوالمال أو الكرامة أو غيرها من البواعث المشروعة و المعقولة مشروطاً ذلك في عدم الخروج من حق و الدخول في باطل.
2ـ الحالة المذمومة:
و هي الحالة التي يتسبب عنها ارتكاب المعاصين سواء كان الغضب فيها مُثاراً و منبعثاً بالمؤثر الإيجابي المذكور في الحالة السابقة أو كان مثاراً أو منبعثاً بالمؤثر السلبين من قبيل، الطوى و الحرص و الحسد و العجب و الكبر و غيرها من البواعث الرذبلة.
و سيقع البحث في الحالة المذمومة و ما يتعلق بها من المسائل.
الغضب في ميزان الاعمال:
يعتبر الغضب من البواعث الاساسية لكثير من الموبقات و الرذائل الاخلاقية ، فكم كان سبباً لنشوب الحروب و دمار البلاد، و ارتكاب الجرائم و سفك الدماء و هتك الحرمات و خلق الازمات و زرع الاحقاد و غيرها الكثير من المهلكات. لذا فهم محكومٌ بقباحته عقلاً . أمَّا شرعاً فقد أكدّت الآيات الشريفة و الروايات المستفيضة على شروريته و خطورته، و حذَّرت فيه و أمرت بكظمه و عدم الاستسلام لسورته، و دلَّت الى أنجع الطرق لعلاجه و التخلص من شروره. نستعرض هنا جانباً من تلك الآيات و الروايات الشريفة:
2ـ الآيات:
قال تعالى ) و اِمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله[1]1 (
فقد روي أنه لما نزلت الآية ) خذ العفو و امر بالعروف و أعرض عن الجاهلين[2] 2( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: كيف يا رب و الغضب؟ فنزل : ) و اِمّا ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله [3](.
و من معاني النزغ: هو الإزعاج و الإغراء، و أكثر ما يكون حال الغضب[4].
و قال تعالى ) اِنَّ الذين اتَّقوا اإذا مسَّهم طائـفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون[5] (
فقد روي عن سعيدبن جبير(رضي) ، أنّه قال في معنى الآية: هو الرجل الذين يغضب الغضبة،فيتذكّر فيكظم عظيمه[6].
و لا يخفى للتأمل ما في الآيتين الشريفتين من دلالةٍ على قرب الشيطان الرجيم من الإنسان حال الغضب لاستغلالها في ايقاعه في صنوف الرذائل و ارئاب القضائع.
ب ـ الأحاديث:
انّ الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم و أهل بيته عليهم السلام في ذمِّ الغضب كثيرة جداص ، نكتفي بذكر طرفاً فيها:
ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:
) الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل[7](.
و قال صلى الله عليه وآله وسلّم : ) إنَّ الغضبَ من الشيطان، و انّ الشيطان خلق من النار، و انّما تطفأ النهار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ[8](.
و قال صلى الله عليه وآله وسلّم : )ما غضب أحدٌ الاّ أشفى على جهنّم[9](.
ـ و قال أميرالمؤمنين عليه السلام : )الغضب شرٌّ إن أطلقته دمّر[10](.
و قال عليه السلام : )إبالة و الغضب، فأوّلَهُ جنون و آخره قدم[11](.
و قال عليه السلام: ) الغضب نارٌ موقدةٌ من كظمهُ أطفاها، و منأطلقه كان أوّل محترف بها[12](.
و قال عليه السلام : ) أعدى عدوٍ للمرء غضبه و شهودته، فمن ملكهما علت درجته و بلغ غايته( [13].
ـ و قال الإمام الباقر عليه السلام : ) إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، و ان أحدكم اذا غضب، احمّرت عيناه و انتفخت أو داجه و دخل الشيطان فيه فاذا خاف أحدكم ذلك في نفسه، فليلزم الارض، فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك([14] .
ـ و قال الإمام الصادق عليه السلام : ) الغضب مفتاح كلّ شرّ([15] .
و قال عليه السلام : ) الغضب ممحقةٌ لقلب الحكيم([16] .
و قال عليه السلام : ) من لم يملك غضبه لم يملك عقله [17]( .
ـ و قال الإمام الهادي عليه السلام : ) الغضب على مَن تملك شوم( [18].
تبين في خلالِ هذا الاستعراض السريع للنصوص الشرعية (كتاباً وستةً) أين موقع الغضب من ميزان الاعمال، و كيف أته مصدر للشرور و لكثير من الرذائل الاخلاقية. فيحق أنه من أهمِ موادِ الفساد ما لم يكج و يسيطه عليه، و سيتضح ذلك أكثر في فقرات البحث الآتية.
البواعث و الاسباب:
للغضب بواعث و أسباب متعدرة يمكن اجمالها بالنقاط التالية:
1ـ الجهل و التخلف الفكري الديني في مختلف جوانبه، الفقهية و الاخلاقية و الاعقائدية، التي لها الأثر الكبير في بناء الشخصية الواعية الورعة.
قال اميرالمؤمنينعليه السلام : ) من طبايع الجهال التسرّع الي الغضب في كل حال([19] .
2ـ عدم الاهتمام بتزكية النفس و تربيتها، و ترويضها على الصبر على الطاعات و ترك المحظورات، و السيطرة على بواعتها من غضبٍ و شهوةٍ و غيرها.
و هاتان اللقطتان هما من البواعث و الاسباب الاساسية لمعظم الرذائل الاخلاقية.
3ـ المحيط السيء (العائلي أو غيره) الموبوء بظاهرة استعار الغضب، فعادةً ما يكون الناشيء في التربية المنحرفة في اعتبار الغضب في صفات الرجولة و الشجاعة.
4ـ الإغترار بالمناصب الدنيوية ، من إمارةٍ أو جاء أو نفوذ، و الحرص الكبير عليها، مما يجعل أصحابها يتحسَّسون بشدة و تثارُ حفائظهم بسرعة اتجاه كُلِّ ما يعتبرونه مساساً بها.
5ـ الاعتدال الصحي العصبي و النفسي، الذين يترك تأثيرات سلبياً مباشراً في تعكير مزاج صاحبه و شدة انفعاله و عدم السيطرة عليه.
6ـ التعب النفسي، الناجم عن الجهد العقلي و العضلي المبذول في معاناة و مقاساة مشاكل الحياة.
7ـ شدّة الحساسية و المغالاة في الشعور بالاهانة و الاستنقاص.
المساويء و الآثار:
للغضب أظرار جسمية و مفاسد كبيرة على و المجتمع، يصعب احصاؤها و تقصيها. و أهم ما يمكن إثباته في ذلك هو ما يلي:
على الفرد:
1ـ إفساد الايمان. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ) الغضب يفسد اليمان كما يفسد الخلّ العسل[20]( .
2ـ كشف العيوب الكامنة و ابدائها للآخرين. قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ) الغضب يردي صاحبه و يبدين معايبه([21] .
3ـ وراثة التدم في الدنيا و الآخرة. قال اميرالمؤمنين عليه السلام : ) إباك و الغضب فأَوّله جنون و آخره قدم( [22].
4ـ التورط في الهلكات من ارتكاب المعاصي الكبيرة و غيرها، من قتلٍ و قذفٍ ، و جرحٍ ، و اغتياب، و غيرها.
5ـ صدور الأفعال غير المنتظمة، من سبٍ و شتمٍ للمخلوقات الجمادية و غيرها و التكلم معها، و تحطيم الأدوات و الأثاث، و ربّما عدي على نفسه بالضرب، و على ثيابه بالتمزيق.
6ـ فقدان العقل، و تشبّت الفهم و انقطاع الحجة و عمّى البصيرة. قال اميرالمؤمنين عليه السلام : ) شدّة الغضب، تغير المنطق، و تقطع مادة الحجة، و تفرّق الفهم([23] .
7ـ الصمم عن سماع النصيحة و عدم جداواها معه.
8ـ طول الحزن و عذاب النفس. و يكون هذا في حال الغضب على من لم يُقدَرُ عليه. قال اميرالمؤمنين عليه السلام : ) من غضب على مَن لا يقدر على مضرّته طال حزنه و عذّب نفسه([24] .
9ـ المصير السيء في الآخرة، بحول غضب الله و عقابه بما يستحق ، من في عذاب الهون و النار.
10ـ موت النجأة. و يحصل هذا في بعض حالات الغضب.
على المجتمع:
1ـ التفشي في المجتمع، بالانتقال من المبتلين الحط غيرهم، ككثير من الموبقات و الرذائل. و اذا قُدّر أن اتسعت رقعة التفشي و الانتشار بحيث تصبح ظاهرة مميزة للمجتمع، تكون عندئذٍ خلقا يتوارثه الاجيال.
2ـ كثرة الدعاوي و الخصومات، و حوادث سفك الدماء و انتشار الجرائم.
3ـ فصم عري التحابب و التألف، و نشر البغضاء و شحن النفوس بالاضغاف و الأحقاد.
4ـ ترك الحلول المنطقية السليمة للخلافات القائمة على الأسس الشرعية و الأعراف الصالحة، و اللجوء الى اساليب العنف و الخشونة في حلّ تلك الخلافات.
5ـ تفكك المجتمع و انهيار و حدته، فيكون مطمعاً لا عدائه في الداخل و الخارج.
6ـ التخلف الحضاري في مختلف الميادين العلمية و الاقتصادية و الأدارية و غيرها المتسبب عن تبدّد الطاقات البشرية و عدم استثمارها استثماراً صحيحاً .
7ـ اشعال الحروب المدمرة و المهلكة للحرث و النسل بين المجتمعات و الاقوام المختلفة، و التاريخ خير شاهد على ذلك، فقد سطّرَت كتب السير و التأريخ أنواع المآسي البشية التي خلفتها تلك الحروب التي أشعلت اِرضاءاً لنزورات و غضب قادتها و أمرائها.
علاج الغضب وَسوَدتهِ:
انَّ أهم الامور التي يمكن أن تنفع في علاج الغضب هي:
1ـ رفع المستوى الفكرين بتحصيل العلوم الدينية المختلفة، و توسيع المدارك العقلية،في العامل الاساس لتوجيه الانسان الوجهة الصحيحة و المَسطير الفاعل على تصرفاته، فمن الصعوبة أن يستسلم الانسان للغضب إذا كان قد أثرى عقله بالمعارف الالهية، و في هنا بخدأ الشارع يؤكد على طلب العلم و يجعله فريضةُ واجبة على كل مسلم و مسلمة. قال رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلّم : ) طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة، ألا و أن الله يحب بفاة العلم( [25].و قال الإمام الصادق عليه السلام : ) لوددت أن أصحابي ضُرِبت رؤوسهم بالسياط حتى يتفتّهوا([26] .
2ـ الاهتمام بتربية النفس و تزكيتها، و ترويضها الرياضة المناسبة للصبر على الطاعات و ترك المحضورات، لأن النفسي ما لم تزكّ و ما لم تُتّخذُلها السبل القويمة لتربيتها و إعدادها الاعداد المناسب، سوف تردي صاحبها في المهالك و توقعه في المهاوي، قال تعالى ) إنّ النفس الأَمارةٌ بالسّوء اِلّا ما رِحِمَ ربي([27] .
3ـ اإكنار الهموم بذكر المعاد و التملي في التفكير به، و استحضار مساويء الغضب، و ما قد يتسبّب في دمار و هلاك لصاحبه، و الت.مل بما ورد عن أهل البيت عليه السلام في ذلك. كفول الامام الامام الصادق عليه السلام : ) و كان أبي عليه السلام يقول: أيّ شيء أشدّ من الغضب؟ إنّ الرجل يغضب فيقتل النفس التي حرّم الله، و يقذف المحصنة( [28].
و قال عليه السلام : ) إنّ الرجل ليغضب فما يرضي أبداً حتى يدخل النار( [29].و غيرها من الاحاديث المبيّنة لِعَظم أضرار الغضب و جَسَامَتِها.
4ـ تَركالتقليد الاعمى للموازين العرفية الشائعةو الخاطئة و تصحيحها وفق الموازين الشرعية السليمة، و لتي فيها اعتبار الغضب في صفاته الرجولة و الشجاعة، فينبغي تصحيح هذا الاعتقاد الخاطيء السائد وفق نظرة الشرع القائلة بأن الشجاعة و القوة هي ليس في إنفاذ الغضب و التسليم له، بل الشجاعة والقوة هي عند مَن يمتلك غضبه ساعة استعاره و يُحكّم عقله. فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من أصحابه ما الصرعة فيكم؟ قالوا: الشديد القوي الذين لا يوضع جنبه.
فقال صلى الله عليه وآله وسلّم : )بل الصرعة حق الصرعة رجلٌ و كز الشيطان في قلبه و اشترَّ غضبه و ظهر دمه، ثمَّ ذكر الله فصرع بحلمه غضبه( [30]. و قال الامام الباقر عليه السلام : ) لا قوة كَردِ الغضب( [31].
5ـ ترغيب النفس و تشويقها باستذكار مدح الشارع المقدس و ما أعده من الثواب الجزيل لمن يدفع غضبه حال استعاره و يُحكّم عقله.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ) كَن كفَّ غضبه كفَّ الله عنه عذابه( [32].
و قال أميرالمؤمنين عليه السلام: رأس الفضائل مَلكِ الغضب و إمائة الشهودة ( [33].
6ـ الابتعاد عن المحيط الملوث بهذه الطاهرة (استعار و تمجيد الغضب) و مقاطعة رفاق السوء المتشدّقين و المتبجحين بالشفاء الغيظ و الداعين الى التشمير عند الغضب، و ابدالهم بأَقران خيرٍ من أهل العلم و الحكم و كظم الغيظ. فأنه و كما قيل: القرين بالمقارن يقتدي.
7ـ الصحت جالِ الغضب و ذِكر الله تعالى و كيف أنّه تعالى مع قدرته على العباد، نراه يحلم عنهم و يصنح. قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ) داووا الغضب بالصمت، و الشهوة بالعقل( [34]. و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ) يا علي لا تغضب، فاذا غضبت فاقعد و تفكّر في قدرة الربّ على العباد و حلمه عنهم و اذا قيل لك:اتق الله، فانبذ غضبك اوراجع حلمك( [35].
8ـ الحِلمُ أو التَّحلُّم ساعة الغضب. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ) العلمُ بالتعلم و الحِلمُ بالتحلّم( [36]. و قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ) إن لم تكن حليمً فتحلَّم، فإنّه قلَّ من تشبّهَ بقوم إلاّ أوشك أن يكون فهم( [37].
9ـ الالتزام عند هيجان الغضب بما يلي: الاستعاذة بالله من الشيطان و الجلوس إن كان قائماً ، و الاضطجاع إن كان جالساً ، و الوضوع أو الغُسل بالماء البارد، و إن كان غضبه على ذي رحم فليدن منه و ليمسّه، فانّ الرحم إذا مُسَّت سكنت. كل ذلك ورد في الأخبار.
10ـ مراجعة ذوي الاختصاص من الاطباءناذا كان الغضب يستَعِر و يهيج بسبب مرضٍ عضوي أو نفسي، ولاستفادة من نصائحهم و علاجهم الذي يَرَونَهُ مناسباً للمالة.