عدم نصح الانسان لما اؤتُمن عليه[1].أو يقال عدم أداء أونصح الانسان لما التزم بتأديته، و هي ضد الأمانة.
الخيانة في ميزان الاعمال:
الخيانة من الاعمال المحكوم بقبحها عقلاً و شرعاً
أما عقلاً ؛فلما تتركه من المفاسد العظيمة و الاضرار الجسمية على الفرد و المجتمع.و أما شرعاً؛ فقد ورد في ذمّها و قبحها العديد من الآيات الشر يفة و الأخبار المستفيضة التي حذّرت منها أشدّ التحذير و وعدت مقترفها العقاب الشديد و سوء المنقلب يوم القيامة، و اليك طرفاً من تلك الآيات الشر يفة و الأخبار:
أ ـ الآيات:
قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون[2]( .
و قوله تعالى : ) إنّ الله لا يحب من كان خوّاناً أثيماً( [3].
و قوله تعالى: ) إن الله لا يحب كلَّ خوّانٍ كَفُورٍ([4] .
و قوله تعالى: ) إن الله لا يهدي كيد الخائنين ( [5].
و قوله تعالى : ) ضَرَبَ الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوحٍ و امرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً و قيل ادخلا النارَ مع الداخلين( [6].
ب ـ الأحاديث :
ـ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ) المكر و الخديعة و الخيانة في النار( [7].
و قال صلى الله عليه وآله: ) ليس مِنَّا من خان بالامانة( [8].
و قال صلى الله عليه وآله وسلّم: ) أربع لا تدخلُ بيتاً واحدةٌ منهن إلا خَرِب، و لم يعمر بالبركة: الخيانة، و السرقة، و شرب الخمر، و الزنا[9](.
و قال صلى الله عليه وآله وسلّم: )لا تخن مَن خانك فتكون مثله...([10] .
ـ و قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ) رأس النفاق الخيانة([11] .
و قال:) الخيانة غدر([12] .
و قال عليه السلام : ) إياك و الخيانة فانّها شرّ معصية، فإن الخائن المعذب بالنّار على خيانته[13]( .
و قال عليه السلام : جانبوا الخيانة فانها مجانبة الاسلام([14] .
و قال عليه السلام : الخيانة دليل على قلّة الورع و عدم الديانة([15] .
ـ و عن أبي عبدالله عليه السلام : )و هو يحاسب وكيلاً له و الوكيل يكثر أن يقول: و الله ما خنت(.
فقال له أبو عبدالله عليه السلام : ) يا هذا، خيانتك و تضييعك عليّ مالي سواء ، إلا إن الخيانة شرّها عليك. ثمَّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : لو أنّ أحدكم فرَّ من رزقه لتبعه حتي يدركه، و مَن خان خيانة حسبت عليه مِن رزقه و كُتب عليه وزرها([16] .
و قال عليه السلام : ) يُجبل المؤمن على كل طبيعة الا الخيانة و الكذب([17] .
و قال عليه السلام : لأبي هارون المكفوف: «يا أبا هارون إنّ الله تبارك و تعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن. قلت: وما الخائن؟ قال عليه السلام : من إدّخر عن مؤمن درهماً، أو حبس عنه شيئاً من أمر الدنيا»[18] .
إتضح من خلال هذا الاستعراض السر يع لجملة من الآيات الشر يفة و الأخبار: ان الخيانة هي من الصفات الرذيلة و الاخلاق البشعة المسقطة للكرامة و المؤدية الى الفشل و الاخفاق، و التاركة على الفرد والمجتمع أسوء الآثار و أجسم الأضرار و سيتضح ذلك أكثر من فقرات البحث القادمة أنشاء الله، فحريُّ بكلِّ مؤمن ومؤمنة اجتناب هذا المنكر القبيح و الابتعاد عنه ما امكن الابتعاد كي يحضى بسعادة الدنيا في طاعة الله ونعيم الآخرة حيث الأجر و الثواب.
أشكال الخيانة وصورها:
للخيانة صور و أشكال مختلفة كثيرة تختلف باختلاف مواردها و مواضيعها أهمَّها:
1ـ خيانة الله و الرسول، و يكون ذلك بمعصيتهما. قال الامام أبو جعفر الباقر عليه السلام في قول الله عزّوجل: ) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون( فخيانة الله و الرسول معصيتهما، و أمّا خيانة الأمانة ، فكلّ إنسان مأمون على ما افترض الله عزّ وجلّ عليه[19].
2ـ الخيانة العلمية، وتتمثل بالدَّسِ و التحر يف و الوضع في الحقائق العلمية المقدسة و التأريخية .
قال رسول الله عليه السلام : )تناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد في خيانته في ماله(.
3ـ إفشاء أسرار الآخر ين. فقد جاء في وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذرّ : «المجالس بالامانة،و إفشاؤك سِرَّ أخيك خيانة فاجتنب ذلك و اجتنب مجلس العثرة »[20] .
4ـ خيانة الودائع. بالتفريط بها و عدم حفظها أو بانكارها و من ثمّ غصبها.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ) أفحش الخيانة خيانة الودائع[21]( .
5ـ الامتناع عن تقديم العون للمؤمنين مع القدرة على ذلك. قال الامام الصادق عليه السلام: « أيّما رجل من أصحابنا إستعان به رجل من إخوانه في حاجةٍ فلم يبالغ بكل جهده فقد خان الله و رسوله و المؤمنين»[22] .
6ـ الاستئمان للخونة: قال الامام الجواد عليه السلام : «كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة»[23] .
7ـ خيانة نقض العهود. قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « غاية الخيانة خيانة الخلّ الودود و نقض العهود»[24] .
8ـ الخيانة في المعاملات ، كالبيع ، من خلال إنقاص الكيل أو الميژان أو غش البضاعة أو غيرها. قال الامام الصادق عليه السلام : «شرّ التجار الخونة »[25] .
9ـ إشغال النفس بما لا يعود خيره عليها مادياً أو معنوياً. قال أميرالمؤمنين (ع): ) الخائن من شغل نفسه بغير نفسه، و كان يومه أشرّ من أمسه([26] .
علامات الخائن:
للخائن علامات و دلائل يعرف بها و يميز عن غيره، يحسن بالمؤمنين معرفتها حتى يمكنهم من خلال ذلك الاستفادة في تشخيص صاحبها و من ثمّ عدم التورط معه في استئمانه، و هذه العلامات:
1ـ العصيان لله ، و عدم التورع عن المحارم.
2ـ إيذاء الناس، و بالأخص الجيران.
3ـ الظلم للغير و الطغيان عليه.
4ـ بغض الخُلطاء و الأقران.
و قد جَمَعَ هذه العلامات حديث رسول الله عليه السلام : حيث قال: «أمّا علامة الخائن فأربعة: عصيان الرحمن ، و أذى الجيران، و بغض الأقران، و القرب الى الطغيان»[27] .
5ـ الاشتغال بما لا يعود عليه الا بالمضرّة للدين.
6ـ التّردي في الحال و التغير نحو الأسوء.
و النقطتان الاخيرتان يجمعهما حديث أميرالمؤمنين عليه السلام في قوله: ) الخائن من شغل نفسه بغير نفسه، و كان يومه شرّاً من أمسه ([28] .
الأسباب و البواعث:
يمكن إجمال أهم الاسباب و البواعث على الخيانة بالنقاط التالية:
1ـ الجهل و قلة الوعي بالمعارف الدينية؛ الأخلاقية منها و العقائدية و الفقهية. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: ) إن الجاهل من عصى الله و إن كان جميل المنظر عظيم الخطر(.[29] و قال أميرالمؤمنين عليه السلام :)الجهل أصلُ كلِّ شرّ([30] .
2ـ ترك الاهتمام بالنفس و عدم تزكيتها و تربيتها التربية الصالحة التي تجعل منها مترفّعَة عن ارتكاب المعاصي و اقتراف المآثم، لانها (النفس) و كما هو معلوم من أهم مصادر الشرور.
قال تعالى: ) إنّ النفس لأمارة بالسوء الامارحم ربي [31]( .
3ـ المحيط الملوث، و رفاق السوء، اذ لهما الأثر الفعّال في نشر و ارتكاب الكثير من الموبقات. قال الامام الصادق عليه السلام :) قال لي أبي عليه السلام: يا بُني مَن يصحب صاحب السوء لا يسلم، و من يدخل مداخل السوء يتّهم، و من لا يملك لسانه يندم([32] .
4ـ الطمع، من أجل الحصول علي مكسب دنيوي مادي أو معنوي أومن كليهما.
5ـ إغراء و تحر يض الآخر ين من ذوي النفوذ و غيرهم و الاستجابة لهم مجاملةً أوخوفاً أو طمعاً.
6ـ إشفاء الغيظ و الانتقام الناجم عن العداء و الخصومات المثيرة للحفائظ و الاضغان و الاحقاد.
7ـ الاهمال و الكسل، فانهما قد يؤديان الى ارتكاب الخيانة، و بالاخص خيانة الودائع.
8ـ البخل و الشّح، فهما العاملان الاساسيان الباعثان على الامتناع عن تقديم العون للاخ المحتاج عندالقدرة، و قد مرّ إنّ هكذا امتناع هو مِن الخيانة.
المساوىء و الآثار:
آثار الخيانة و مساوئها على جسامتها و كثرتها لا يمكن تقصيها و الاحاطة بها، فهي داء عضال إذا أصابت الفرد أو تفشت في المجتمع، أفرغتهما عن معظم محتوياتهما الانسانية و الدينية، و قعدت بهما عن مسير تهما التكاملية نحو الله تعالى، و أسرعت بهما نحو الحضيض ، و يمكن إجمال تلك المساوىء و الآثار بما يلي:
على الفرد:
1ـ الابتعاد عن محبة الله تعالى و البوء بغضبه. قال تعالى : «إنّ الله لا يحبّ من كان خواناً أثيما».
2ـ السقوط الاجتماعي و رفع الثقة منه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : « ليس لك أن تتهم من ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته»[33] .
3ـ سقوط العدالة و عدم قبول شهادته في المحاكم و مجالس القضاء.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : «لا تجوز شهادة خائن و لا خائنة، و لا ذي غمز على أخيه، و لا ظنين في و لاء و لا قرابة، و لا القانع مع أهل البيت»[34] .
4ـ الابتلاء بجلب الفقر اليه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ) الأمانة تجلب الرزق و الخيانة تجلب الفقر [35]( .
5ـ خراب بيته و ارتفاع البركة عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ) أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنَّ إلاّ خرب و لم يعمر بالبركة: الخيانة و السرقة، و شرب الخمر و الزنا ([36] .
6ـ الخروج عن تابعيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم : و أهل بيته عليه السلام . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: « ليس منّا من خان بالامانة »[37] . و قال صلى الله عليه وآله وسلّم : «ليس منّا من خان مسلماً في أهله و ماله»[38] .
7ـ الإبعاد عن جِوار الله يوم القيامة. عن إبن هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام : «يا أبا هارون إنّ الله تبارك و تعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن. قال: قلت: و ما الخائن: قال : من ادّخر عن مؤمن درهماً أو حبسَ عنه شيئاً من أمر الدنيا»[39] .
على المجتمع:
يمكن حصر تأثير الخيانة على المجتمع في محورين:
الاوّل: التفشي في المجتمع، حالها حال الكثير من الرذائل الأخلاقية التي تنتشر في المجتمع متى ما تهيأت الظروف الملائمة لها.
الثاني: ما يتسبب عن هذا التفشي من الأضرار و الدَّمار لبنية المجتمع و تركيبته و يمكن اجمال ذلك بالنقاط التالية:
الف ـ اضعاف الثقة بين الافراد و شيوع التخاوف بينهم و انعدام الاطمئنان فيما بينهم بالمعاملات و غيرها مما يؤدي ذلك الى فصم روابط المجتمع و فساد مصالحه.
ب ـ حدوث الدعاوي و الخصومات، التي قد تصل الى إشعال الفتن و سفك الدماء ، بالاخص في الخيانات التي تؤدي الى غصب حقوق و أموال الآخر ين أو الاعتداء عليها.
ج ـ تفكك المجتمع و اضعافه و الاخلال بوحدته المتمثلة بتماسك أفراده و إتحادهم.
دـ نزول البلاء بالقحط و السنين و رفع البركات. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : « لا تزال أمتي بخير، ما لم يتخاونوا، و أدوا الأمانة، و آتوا الزكاة ، فإذا لم يفعلوا ذلك، ابتلوا بالقحط و السنين»[40] .
هـ ـ تردّي المجتمع و تأخره الحضاري في الميادين المختلفة، لما تتركه الخيانة من العراقيل في تنمية الطاقات، و إساءة الاستفادة منها.
علاج الخيانة:
للحد من هذا المرض الاخلاقي العِضال و علاجه: و كذا غيره من الخطايا و الأثام ، يمكن الالتزام بالنصائح التالية:
1ـ رفع مستوى الوعي في المعارف الدينية المختلفة الفقهية و العقائدية و الاخلاقية، و الخروج من ظلمة الجهل الى نور العلم، اذهو الدليل الى السراط القويم و به تحيى النفوس و تزان العقول. و هو الذي أكّدت الشر يعة على طلبه و تحصيله، بل جَعَلَت ذلك فر يضة من أهم الفرائض على المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : «طلب العلم فر يضة على كل مسلم و مسلمة»[41] .
2ـ تزكية النفس و تر بيتها و تهذيبها، و إبتغاء أفضل السبل و أنجع الطرق لذلك, و مجاهدة رغباتها و ميولها الطائشة و شهواتها، و ترويضها على الصبر على الطاعات و ترك المعاصي و الآثام.
3ـ التفكير في عواقب و نتائج الخيانة و التملي من ذلك، بالاخص فيما يترتب عليها من العقاب الاخروي العظيم، الذي أعدّه الله سبحانه و تعالى لمقترفي هذه الموبقة، و معرفة ذلك من خلال الآيات و الروايات الواردة في ذلك، و تهويله في النفس، و اشعارها الخوف و الرهبة، لعلّه يكون رادعا لها عن اقتراف هذه الجريمة.
حكاياتٌ وِعبَر:
1ـ حكي أنّه قدم رجل الى بغداد و معه عقد يساوي ألف دينار، فجاء به الى عطّار موصوف بالصلاح، فأودعه عنده و مضى الى الحج، فلمّا قدم من الحج و أراده من العطّار جحده و ضر به و صدّقه الناس، فَعَرضَ قصته على عضد الدولة الديلمي، فقال له إذهب غداً و اجلس على دكّان العطّار ثلاثة أيام حتى أمرّ عليك في اليوم الرابع و أقف و أسلم عليك، فلا تز يد على ردّ السلام، فإذا انصرفت أعد عليه ذكر العقد، ففعل و لمّا كان في اليوم الرابع جاء عضد الدولة في موكبه العظيم، فسلّمَ على الرجل فلم يتحرك، و لكن ردّ عليه السلام فقال: يا اخي تَقدُم العراق و لا تأتينا و لا تعرض علينا حوائجك؟ فقال: ما اتفق هذا و العسكر واقف ، فانذهل العطّار و أيقن بالموت ، فلمّا انصرف التفت العطّار و قال: يا أخي متى أو دعتني هذا العقد، و في أي شيء هو ملفوف؟ فذكّرني لعلي أنا ناس . فذكر له أوصافه فحلّ له جراباً و أخرجه منه و قال: كنت ناسياً . و مضى الرجل الى عضد الدولة و أخبره فصلبه على باب دكّانه و نودي عليه هذا جزاء من استودع فجحد[42].
2ـ حكي أنـــّه كان للحارث بن صعصعة نُدماء لا يفارقهم، فخرج في بعض متنزّهاته و معه ندماؤه، فتخلّف منهم واحد، فدخل على زوجته (زوجة الحارث)، فأكلا و شر با و اضطجعا. فوثب الكلب عليهما فقتلهما، فلمّا رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر و أنشأ يقول:
و ما زال يرعـــى ذمتي و يــحوطني و يحفــظ عرســــي و الـــخلّ يخـــــون
فيــا عجبـاً للــخــلّ يهتك حــــرمتي و يــــا عجــباً للــكلب كـــيف يصـــون[43]
3ـ كان رجل من أهل المدينة يذهب الى بعض الأرياف، لشراء الشاة و الدهن و الصوف و ما أشبهه، و كان له عميل في الر يف يرد عليه فيشتري له ما ير يد. و ذات مرّة أخذ معه مالاً ضخماً و قصد الر يف و نزل عند عميله و ذكر له حاجياته، و انه ير يد الشراء بمبلغ كذا.
قال التاجر: و بمجرد أن ذكرت للعميل كمية المال الذي معي، و اذا بي أرى آثار التغير في وجه العميل، فعلمت أنّه أرادبي سوءً فندمت ... الى ان قال: و لكن لم يكن لي ملجأ ألجأ اليه في تلك الليلة، و بعد تناول الطعام فرش لي صاحب البيت في غرفة من غرف البيت، و ذهب هو و زوجته الى غرفة اخرى ، لكن النوم لم يزرعيني من القلق، و أخيراً قررت أن أخرج من غرفتي و أختفي في بعض زوايا البيت و هكذا فعلت، فخرجت، و حيث لم أجد مكاناً للاختفاء إلا الإسطبل اختفيت به، و أخفيت نفسي إلى رقبتي في التبن الذي خزّن في الاسطبل ... لكن عيني كانت تحدق باتجاه الغرفة. و اذا بي أرى نصف الليل أن شخصاً دخل الدار و ذهب الى غرفتي، و لم أعرف من هو ذلك الشخص.
و بعد مدةٍ رأيت ـ في ضوء القمر ـ أنّ صاحب البيت و زوجته قاما و هما يتهامسان حتى دخلا و علمت أنهما ير يدان بي شرّا ، و لم تمض مدة إلا و رأيت الزوجين أسرعا و أضاء مصباحاً نفطياً و دخلا الغرفة، ثمّ رأيتهما يخرجان و يسحبان جثة إنسان ملفوف إلى السرداب.
قال الرجل (التاجر): و لمّا دخلا السرداب قمت من مكاني و هر بت من القر ية قاصداً البلد و مشيت حتّى وصلت البلد بكلّ خوف و صعوبة، و أخبرت الشرطة بما جرى. فجاءت مفرزة من الشرطة معي الى القر ية، و ألقوا القبض على الزوجين، و دخلنا السرداب و حفرناه ، و إذا بجثة الرجل المذبوح، و بعد التحقيق تبيّن أن المذبوح ولد صاحب البيت و أنّه كان خارجاً لبعض شؤونه، و لما دخل الدار نام في تلك الغرفة، و الزوجان ظنّاه أنّه التاجر فقتلاه و بعد ما تبيّن الأمر لهما دفناه خوف الفضيحة... ولكن ربك بالمرصاد[44].