صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 12 3
النتائج 21 إلى 29 من 29
الموضوع:

استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان - الصفحة 3

الزوار من محركات البحث: 14 المشاهدات : 1374 الردود: 28
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #21
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: January-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 609 المواضيع: 210
    التقييم: 146
    آخر نشاط: 22/June/2017

    ستعراض تحليلي لتاريخ الإسلام 10

    النقطة الأخرى التي مهمة جدا، هي السبب الذي حرض أعداء الرسول(ص) على عداوته. إذ من المهمّ جدا أن نعرف نمط عداوتهم مع الرسول(ص). إن نوعية عداوتهم مما يجدر بالتأمل وهي تمثل أدقّ نقطة جديرة بالتأمل والإمعان في تاريخ حياة الإنسان. فلم تكن نوعية عدائهم من نمط عداء ذاك الإنسان المحبّ للجاه والمال تجاه من جاء يسلب جاهه وأمواله. حيث إنهم كانوا على استعداد من ترئيس النبي(ص) على أنفسهم وأن ينفذوا أوامره، كما كانوا على استعداد من أن يعطوه من الثروة والأموال ما يجعله أغنى منهم. كما كانوا مستعدين على أن يزوجوه أجمل بناتهم. حتى أن عداوتهم لم تكن من وحي كره العبادة، إذ أنهم كانوا يقومون ببعض العبادات والطقوس قبل مبعث النبي(ص)، فما جاء به النبي(ص) كان يغيّر بعض عباداتهم وحسب، وبالمناسبة إن بعض عباداتهم سهلت بعد الإسلام.

    كان أبوجهل معتقدا بصدق النبي(ص) ولكن لم يقدر على قبول أفضليته المعنوية

    إذن لماذا عادوا النبي؟ ينقل عن أحد أهم أعداء النبي(ص) كلمة لطيفة جدا. أبوجهل الذي كان من أبرز شخصيات قريش ولعله كان على رأس أعداء النبي(ص) في قريش، هكذا عبّر عن سبب عدائه النبيّ(ص) فقد قال: «تنازعنا نحن و بنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا، و حملوا فحملنا، و أعطوا فاعطینا، حتى إذا تجاثینا على الرکب و کنا کفرسی رهان قالوا: منا نبی یأتیه الوحی من السماء، فمتى ندرک هذه؟ و الله لا نسمع به أبدا و لا نصدقه»[تاریخ البيهقي/2/206 و سیرة ابن هشام/1/316] وأبوجهل نفسه كان يعترف الخلا بصدق الرسول(ص)؛ «أن الأخنس بن شریق خلا بأبی جهل، فقال له: یا أبا الحکم، أخبرنى عن محمد صلى الله علیه و آله، أصادق هو أم کاذب! فإنه لیس هاهنا من قریش أحد غیرى و غیرک یسمع کلامنا، فقال له أبو جهل: ویحک! و الله إنّ محمدا لصادق، و ما کذب‏ محمد قط؛ و لکن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء و الحجابة و السّقایة و النّدوة و النبوّة، ما ذا یکون لسائر قریش!» [أمالي المرتضى، ج‏2، ص: 265 و الشفا للقاضي عیاض ،ج‏1،ص270 : أخرجه ابن اسحاق و البیهقی عن الزهري، و کذا ابن جریر عن السدی، و الطبرانی فی الأوسط].
    وكانت بين طائفة أب جهل وطاءفة «بني قصي» التي هي طائفة رسول الله(ص) منافسات قديمة، وقد أشاره إليها أبوجهل بكل صدق وصراحة. حيث أشار إلى منافستهم لبني قصي منذ القدم في مناصب مكة وأنه كان لبني قصي التقدّم والتفوّق على مرّ الزمان، فلا طاقة لنا بعد أن يستولوا على منصب النبوّة، إذ سوف تخلو جميع المناصب لهم دون غيرهم.

    لقد بعث الله النبيّ(ص) بين مجتمع عاداه بسبب الحسد أكثر من أي سبب آخر

    هنا نكتشف أن عداوة مخالفي النبي(ص) كانت من نمط عداوة قابيل لهابيل. فقد بعث الله النبي(ص) بين مجتمع عاداه بسبب الحسد أكثر من أي سبب آخر. وهذا هو السبب الذي حرّض إبليس على عداء آدم، وأجّج الضغينة في قلب قابيل تجاه هابيل. فيا ترى ما هو سرّ الحسد في تاريخ حياة الإنسان؟ وتجد هذا الحسد نفسه اليوم يحرق قلوب البعض عندما يشاهدون بعض المسلمين يحبّون ويودّون أهل بيت النبي(ص)؟ وإن هذا الحسد نفسه أثار قلوب البعض ليقول: «لابد وأن نقيم تمثالا عظيما في ساحة الشام ليزيد وفي يده رأس الحسين». فإنك تجد هذا الحسد مستفحلا في قلوب هؤلاء الذين يقدسون قاتلي أبي عبد الله الحسين(ص) ويجاهدون ويُقتلون في هذا السبيل وبهذا المبدأ وحتى لو اقتضت الضرورة لا مانع لديهم من التجاسر على النبي(ص). وإن هذا النوع من الخلاف الناشئ من الحسد، هو الذي سوف يسبّب أهمّ حرب في التاريخ بين الحق والباطل.

    إن نمط عداوة بني أمية مع بني هاشم هو من نفس نوعية عداوة أبي جهل مع النبي(ص)

    بعد أن انتصر الإسلام وأزال بعض الموانع كأبي جهل، ظهرت مشكلة أخرى مشابهة للأولى وهي عداوة بني أمية مع بني هاشم. حيث واجه أمير المؤمنين(ع) عداوة بني أمية؛ إذ كان قد ثقل عليهم أن تكون الأفضلية لبني هاشم دونهم. وهذا ما تشهد به أبيات يزيد اللعين عند رأس الحسين(ع) حيث أفصح عن كفره بالرسول(ص) وبدأ ينشد أبياته بنَفَس قَبَلي؛ «أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ ع وَ حَرَمُهُ عَلَى یَزِیدَ وَ جِی‏ءَ بِرَأْسِ الْحُسَیْنِ ع وَ وُضِعَ بَیْنَ یَدَیْهِ فِی طَسْتٍ فَجَعَلَ یَضْرِبُ ثَنَایَاهُ بِمِخْصَرَةٍ کَانَتْ فِی یَدِهِ وَ هُوَ یَقُولُ: «لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالْمُلْکِ فَلَا / خَبَرٌ جَاءَ وَ لَا وَحْیٌ‏ نَزَلَ»[الاحتجاج للطبرسي/ج2/ص307]
    هكذا حلّل أمير المؤمنين(ع) تاريخ العداوة بين الحق والباطل من إبليس وقابيل إلى أعداء الأنبياء وعدوه معاوية بالتحديد، حيث قال في كتابه إلى معاوية: «نحْنُ آلُ إِبْرَاهِیمَ الْمَحْسُودُونَ وَ أَنْتَ الْحَاسِدُ لَنَا؛ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بِیَدِهِ‏ وَ نَفَخَ فِیهِ مِنْ رُوحِهِ‏ وَ أَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِکَةَ وَ عَلَّمَهُ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا وَ اصْطَفَاهُ عَلَى الْعَالَمِینَ فَحَسَدَهُ الشَّیْطَان‏ ... و نُوحاً حَسَدَه قومُه إذْ قالُوا: «مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُرِیدُ أَن یَتَفَضَّلَ عَلَیْکُمْ» ذَلِک حَسَداً منْهم لِنُوح أنْ یُقِرّوا لَه بالفَضْلِ و هُو بَشَرٌ، و مِن بعْدِه حَسَدُوا هُوداً ... وَ مِنْ قَبْلِ ذَلِکَ ابْنُ آدَمَ قَابِیلُ قَتَلَ هَابِیلَ حَسَداً فَکَانَ مِنَ الْخَاسِرِین‏»[الغارات/ج1/ص117]
    ثم بعد أن انتهى نزاع بني هاشم وبني أمية، نشأ نزاع «بني العبّاس» و «بني أبي طالب»، واللطيف أن بني العباس كانوا فخذا من بني هاشم، فكان النزاع القومي قد فقد مصداقيته في هذا العداء الأخير، حيث عادا أهل البيت أقاربهم وبنو عمّهم، وهذا ما يدلّ على استمرارية مثل هذا العداء على مرّ الزمان.

    يتبع إن شاء الله...


  2. #22
    صديق فعال

    ستعراض تحليلي لتاريخ الإسلام 11

    إن أهم سبب في التمرّد على الولاية هو الحسد

    وهذه الظاهرة جارية إلى يومنا هذا، حيث إن أهم دوافع التمرّد على الولاية ومعاداتها هو الحسد. أرجو أن تقارنوا بين الأثر النفسي لقبول النظام الديمقراطي وبين الأثر النفسي في قبول نظام ولائي، فانظروا ما الفرق بينهما؟ طبعا يعتقد الكثير من المفكرين وقد اتضحت هذه الحقيقة اليوم أن لا يمكن تحقق النظام الديمقراطي بمعنى سيادة الشعب على نفسه وتحكمه على مصيره بشكل حقيقي. فإن أفضل نماذج الديمقراطية الممكنة التي يستشهدون بها هي الديمقراطية الخبيثة لأمريكا والدول الأوروبية التي بيضت جرائمها وجود فراعنة التاريخ وأمثال نمرود والحجاج وهيتلر. هذه هي نتيجة الديمقراطية على أرض الواقع. ولكن على فرض المحال حتى وإن أمكن تحقّق الديمقراطيّة، تجد أن الأثر النفسي لقبول الديمقراطيّة أسهل وأخفّ على قلب الكثير من الناس من أثر قبول الولاية. فتأملوا في سبب ذلك. وبعبارة أخرى بالرغم من أن الشعب أكثر سيادة وتأثيرا على مصيره في النظام الولائي لماذا تجد الولاية ثقيلة على قلوب البعض ممن ينادون باسم الشعب وحقوق الشعب؟ لماذا يستنكفون عن قبول النظام الولائي مع أنه نظام بلا منافس في إحقاق حقوق الشعب، وقد شاهدوا فشل تجربة الديمقراطية إذ قد أصبحت جميعها آلة في خدمة القوى المستكبرة الفاسدة؟ (يرِیدُونَ أَنْ یَتَحاکَمُوا إِلَى الطَّاغُوت)[النساء/60].
    السبب هو أن في النظام الولائي لابدّ للإنسان أن يخضع لأفضلية إنسان آخر عليه من الناحية المعنوية، وهذا ما لا يطيقه من كان في قلبه حسد. فيا ترى هل أن الحسد مرتبط بزمن هابيل وقابيل ولا أثر له اليوم في عالمنا المتحضر؟! فإن لم يكن الحسد صاحب الدور المهمّ في الحروب المستقبليّة والمصيرية في العالم، لماذا نجد طبولها تقرع بهذا النفس؟ لماذا سوف يظهر «السفیانی» فی الشام لمواجهة الإمام الحجة(عج)؟ أفلا يدلّ هذا الاسم على دوافع جيش السفياني، وأنه سوف يحارب الإمام المهدي(عج) بنفس دوافع أبي سفيان في محاربته النبي(ص)؟!
    لا شك في أن الدين جاء ليطهر قلوب الناس من الرذائل ولكن هل جميع الرذائل سواء في مدى خطورتها وقبحها؟! عندما نراجع تاريخ البشر، لا نجد لباقي الصفات الرذيلة وزنا بقدر «حسد الأولياء». فهل يعقل أن يكون هذا الموضوع قد أصبح العنصر الرئيس في جميع قصص الأنبياء عن صدفة وبلا أي دليل؟! فكيف ينبغي أن نغفل عن هذه الرذيلة المهمة؟!
    لا أريد الآن أن أتعرض إلى أسباب معاداة النبي(ص) ولكن أريد أن أسلط الضوء على هذه النقطة وهي أن الله سبحانه قد بعث رسول الله(ص) في مكان تُشاهَد فيه علة العداء بكل وضوح، فمن أراد دراسة تاريخ الإسلام لابد أن ينظر إلى علة العداء هذه كمحور رئيس.

    ينظر البعض إلى تاريخ الإسلام بنظرة غربية أو شرقية

    في أيّام الثورة الإسلامية في بلدنا (إيران)، كان البعض يحللون تاريخ الإسلام بنَفَس شيوعي أو اشتراكي، فكانوا يقولون: «كان النبي(ص) من الطبقة المحرومة في المجتمع! فحاربه الإقطاعيّون والرأسماليون، فجاء النبيّ واستنعض العبيد وقضى على الأسياد...». فمثل هذه التحليلات باطلة لا حظ لها من الصواب، وأساسا لم يكن النبيّ من الطبقة المحرومة في المجتمع، فكانت زوج النبي(ص) من أغنى نساء مكة، وكان النبي(ص) نفسه من الطبقات العالية في المجتمع.
    فلابدّ أن ننظر إلى التاريخ برؤية صائبة ونحلله بشكل صحيح. فهناك من ينظرون إلى تاريخ الإسلام برؤية غربية أو شرقية ويخرجون بتحليلات خاطئة. وكذلك اليوم وبعد انتهاء شوط الأفكار الشيوعية والاشتراكية تجد كثيرا منهم يرغبون في تفسير تاريخ الإسلام بنفس ليبرالي! ولهذا نصيحتي لكم أيها الإخوة الأعزاء أن راجعوا تاريخ الإسلام بأنفسكم وباستعانة القرآن. فقد أعطى القرآن الأصول الرئيسة والخطوط العريضة في التاريخ ولابدّ أن نقرأ التاريخ على هذا الأساس. إنه عمل واضح جدا وسوف نقرأ التاريخ في الجلسات القادمة على هذا الأساس إن شاء الله، إذ من المهم جدا أن نقرأ التاريخ بشكل صحيح. اللهم أرنا الأشياء كما هي. ولا تجعل حجابا بيننا وبين الحقّ والصواب.

    التعديل الأخير تم بواسطة قبسات ; 6/May/2014 الساعة 2:52 pm

  3. #23
    صديق فعال

    ستعراض تحليلي لتاريخ الإسلام 12

    إليك ملخّص الجلسة الثالثة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ الأستاذ بناهيان في جلسات هيئة الشهداء المجهولين في طهران في موضوع «استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام»

    في مسار دراسة التاريخ، لابدّ من تسليط الأضواء على دور «العدو» المهم جدا في حياة الإنسان

    لقد أوصانا أهل البيت(ع) أن نكون على معرفة بالكفر، وأساسا لا يمكن معرفة الإيمان والقرآن إلا أن نعرف الكفّار ومنكري القرآن. وعلى مرّ الدهور هناك جهتان متقابلتان في الساحة التي نعبّر عنها بالحقّ والباطل أو الخير والشرّ، وحتى قد خلق الباطل قبل خلق الإنسان. إن شخصية إبليس ـ لا شخصه بالذات ـ شخصية ذات أسرار ورموز وقد خلق إبليس قبل خلق آدم بستة آلاف سنة أو أكثر؛ «وَ كَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَوْ مِنْ سِنِي الْآخِرَة»[نهج البلاغة/خ192]. وقد جهّز بأدوات العداء لبني آدم منذ خلق آدم(ع). ولعلّ الله سبحانه أراد أن يعرفنا على مدى أهمية دور العدو في حياة الإنسان الدنيوية. ومن هذا المنطلق لابدّ أن ننظر إلى هذا الموضوع في دراستنا التاريخيّة بشكل خاص.
    إحدى الحقائق التي لابدّ أن نعرفها في علاقة ظاهرة العدو بحياة الإنسان وسعادته، هي أنه إذا أريد للإنسان أن يتقرب إلى الله وينتج قيمة في مسار حركته نحو الله سبحانه، لابدّ أن يكون هذا التكامل في خضمّ صراع وعداء. ففي الواقع إن هذا العداء يمثل أرضية يتكامل الإنسان فيها. ولهذا إن التغافل عن موضوع «العداء» هو من مكائد إبليس وقد خدع البعض مع الأسف بهذا الكيد، فهم يعيشون دون التفات إلى العدوّ ولا الشعور بتواجد العدو ولا يشعرون بالعداء تجاهه.

    من أهمّ أدوار أولياء الله هو كشف حقيقة العدوّ

    لقد كانت رسالة أولياء الله في موضوع العدو رسالة عظيمة. فقد كان لهم الحظ الأوفر في مواجهة العدو وتلقّي الصدمات والمظالم من قبله. وباعتبار أن إولياء الله هم قدوتنا في سلوكهم إلى الله، لابدّ أن يكونوا قدوتنا أيضا في جهادهم للعدو وفي تحمل المصائب والمظالم في خضمّ حربهم معه.
    عندما ننظر إلى عمل أولياء الله ونشاطهم الرسالي، نجدهم أحيانا يهدفون إلى كشف حقيقة العدو أكثر من إظهار أنفسهم. ولا شك أن مشاهدة العدو وإدراك جبهة الباطل أبسط وأسهل من مشاهدة الله ومعرفة حقيقة أولياء الله وحقائق العالم الأصيلة، إذ إن العدو سافل ويمثل ظاهرة أرضيّة، بيد أن حقيقة أولياء الله من عليّين فليس معرفتهم بأمر هيّن. فالعدوّ أسهل إدراكا ومعرفة من الله سبحانه وأوليائه عليهم السلام. وكذلك يمكن مشاهدة العداء الذي يحمله العدوّ تجاه الله وأوليائه ولا يحتاج فهمها إلى إيمان قويّ بالغيب أو رياضة النفس.
    حتى إذا ننظر إلى ما أنجزه الإمام الحسين(ع) في كربلاء، نجد أن الإمام لم يكن بصدد إظهار نفسه ومنهجه بقدر ما كان يريد أن يفضح حقيقة جبهة الباطل ومدى انحطاطها. ولهذا نرى أولئك الذين اصطفوا أمام الحسين(ع) وقاتلوه كانوا ذات خصائص متميّزة. فيبدو أن كربلاء هي محل تجسد الأشقياء أكثر من كونها محل تجلي الأولياء وإن فهم حقيقة كربلاء مرهون بمعرفة حقيقة جبهة الباطل أكثر من أيّ شيء آخر.

    إن دراسة أسباب عداء أعداء النبي(ص) وأساليبهم في العداء، تمثّل قضية محورية جدا

    كما أن وجود عدوّ لدود باسم إبليس في قصّة النبي آدم(ع) هو محل استلهام دروس عظيمة، وكما في الصراع الذي وقع بين «هابيل وقابيل»، يبدو معرفة عداء قابيل أمرا مهمّا جدّا. كذلك عندما نصل إلى زمن النبي الأعظم(ص) ونعمد إلى دراسة تاريخ مكة، من المهمّ جدا أن نعرف من كان أعداء النبي(ص) وما هي أسباب عدائهم وكيف أظهروا عداءهم؟ إذن معرفة أعداء النبي(ص) والذين لم يؤمنوا برسالته أمر مهمّ جدا في دراستنا، ولا سيّما في هذا الزمان الذي أصبح عداء جبهة الباطل لنا أوضح وأجلى من أيّ زمان آخر.
    إن ما نعيشه من عدم الاستقرار في منطقتنا ناشئ من ارتباك العدوّ وعدم استقراره، وهو الآن من خلال كشف اللثام عن عدائه، يساهم ـ شاء أم أبى ـ في ازدياد بصيرتنا برجسه وقذارته. حتى قد يمكن القول بأنّ أوج الاستعداد لظهور إمام العصر والزمان(عج) يتمثّل في أوج معرفة العالم البشري بأعداء الحقّ. إذن أكثر من أن نهتمّ بمعرفة شخصية الإمام الحجة(عج) علينا أن نعرف عدوّ الإمام. فإن تكاملنا في معرفة العدوّ في هذا الزمان عند ذلك نستطيع أن نرتقي معرفيا ونصل إلى مستوى الموطئين لظهور الإمام(عج) أو أنصار الإمام الحجّة.
    إن حدث الظهور هو بمعنى فتح صفحة جديدة في تاريخ الإنسان، فكل التاريخ الذي مضى قبل الظهور ينطوي في فصل واحد بالنسبة إلى العالم بعد الظهور. ويبدو أن من أهم ما سوف يتغير وضعه بعد الظهور هو العدوّ. وكذلك يبدو أن تاريخ الإنسان ينطلق من عدوّ يعاديه، وينتهي هذا التاريخ إلى زمن يعرف فيه الإنسان عدوّه ويقدر عليه. إذن من الطبيعي جدا لهذا العدوّ الخطر أن يصل في آخر أيّام حياته إلى الذروة والقمة في عدائه.
    منذ أن خلق الله آدم(ع) إلى زمن مبعث الرسول(ص) وإلى يومنا هذا كانت ظاهرة الأعداء من أهم أركان تاريخ حياة الإنسان. ولهذا إذا أراد الإنسان أن يكون إنسانا واعيا، فلابدّ له من معرفة عدوّه، وإذا أراد أن يعيش حياة طيّبة، فلابدّ أن يحقق هذه الحياة في خضمّ عداء ومواجهة، وإذا أراد أن يأخذ بيد المجتمع البشري إلى شاطئ سعادتها المتمثل بعصر ظهور المهدي(عج)، فلابدّ أن يجتاز من مانع هذا العدوّ التاريخي اللدود؛ يعني أن يذبح ويهلك إبليس وحزبه من شياطين الإنس في جميع أرجاء العالم. ولا شك في أن لا سبيل إلى تحقيق هذا الأمر بلا معرفة وبدون استعداد. فلابدّ أن يقضى على هذا العدو العريق والمخضرم للإنسان بالنحو الذي لا يرجع بعد ذلك أبدا.
    فإذا صحّ هذا الكلام، وإذا أردنا أن تكون حياتنا أكثر عقلانية ومعنوية وعشقا وعرفانا، فلابدّ أن نرسم حياتنا على أساس جهاد متواصل ومواجهة دائمة للأعداء. وهذا ما يسمّى بالحياة الثوريّة، وهي حياة المجاهدين وحياة غير الغافلين وحياة غير البهائم. فهذا هو منطلق الحياة الثورية والروحية الثورية. وهنا يتبلور العرفان والمعنوية الحنيفة والأصيلة التي نحتاجها اليوم. لابدّ لنا أن نعيش هذا الصراع إذ نحن بصدد إنهاء هذا الصراع لصالح جبهة الحق.

    يتبع إن شاء الله...

  4. #24
    صديق فعال

    استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام 13

    هل بإمكاننا في هذا الزمان أن نقضي على جبهة العداء للبشر و للأنبياء الربانيين؟

    لابدّ لنا أن نعيش هذا الصراع إذ نحن بصدد إنهاء هذا الصراع لصالح جبهة الحق. فهذا هو سؤال زمننا المعاصر لنا، أن هل تقدرون على إنهاء هذا الصراع؟ هل تستطيعون أن تقضوا على ظاهرة العداء للأنبياء الربانيين؟ فإذا أردنا أن ننهي هذا الصراع فلابد أن نخوض في معمعته ونعيش أجواءه.
    حتى لو كنّا لا نحتمل أننا نعيش أيام آخر الزمان في العصر الراهن، وحتى لو لم نر هذا العداء المستميت من قبل أعدائنا في هذا الزمان، وكنا نعيش قبل خمسمئة سنة مثلا، لوجب علينا أيضا أن نلتفت إلى حقيقة وجود العدوّ وأن لا ننس هذه الحقيقة وهي أن حياة الإنسان قد انطلقت من عداء إبليس لآدم وقد انطلقت حياة المجتمع البشري من الصراع الذي جرى بين هابيل وقابيل. ولو كنّا في زمن أمير المؤمنين(ع) كان يجب علينا أن نعلم بأننا أكثر أقوام التاريخ مظلومية مع أن الحق معنا. وقد تضاعفت مظلوميتنا في هذا الزمان وفي خضمّ هذه الأجواء والظروف التي نعيشها.

    الآية الأولى التي أمر بها الله النبي للانطلاق في الدعوة العلنية تحكي عن صراع شديد

    فبما أن ظاهرة العداء بين جبهة الحق وجبهة الباطل ظاهرة محورية ورئيسة في تاريخ حياة الإنسان، نحن أيضا نعطي الأولوية لهذا الموضوع في سلسلة دراستنا التحليلية لتاريخ الإسلام، فلابدّ أن نقف في دراستنا عند أسباب عداء البعض للنبي(ص) وأسلوبهم في عداوتهم. لقد أشرنا في الجلسة السابقة إلى الحسد كسبب رئيس لتبلور العداء، وأما في هذه الجلسة فنلقي نظرة إلى أصل الصراع والنزاع.
    هل تعلمون ما هي الآية التّي تلقّاها الرسول(ص) من قبل الله سبحانه وتعالى وكانت هي المنطلق في دعوته العلنيّة؟ لقد أمر الله سبحانه النبي(ص) في مطلع الدعوة العلنية أن (فَاصدَع بِما تُؤمَرُ وَأعرِضْ عنِ المُشْرِكينَ)[الحجر/94] وكلمة «فاصدع» تحكي عن بداية صراع.
    «الصدع» هو القطع في أمور مهمة أو صلبة ماديا أو معنويا. [راجع مفردات راغب وتحقيق المصطفوي]. وقد سمي القول العلني صدعا لكونه يسبب الفرقة والخلاف. فقوله: (فَاصدَع بِما تُؤمَرُ) فی الواقع إشارة إلى التصريح بكلام وحديث يؤدي إلى خلاف ونزاع. فهي عبارة تشتمل على طابع نفساني خاص، وهو تلك الخصومة التي تنتجها هذه الرسالة إن كشف الستار عنها وتم بلاغها بشكل علني. ولهذا في تتمة الآية قد تحدث الله سبحانه عن جبهة الخصم المتمثلة بالمشركين وقال: (وَأعرِضْ عنِ المُشْرِكينَ).
    وفي الآية التالية يقول الله سبحانه: (إِنّا كَفَيْناَكَ المُسْتَهْزِئِين)[الحجر/95]. يعني منذ انطلاقة الدعوة، تحدث الله سبحانه عن المواجهة والمجابهة وضغوط الأعداء، فقد تحدثت هذه الآية المباركة عن بداية صراع شديد يبدأ بالاستهزاء والتمسخر والكلام المؤلم. ولهذا قال الله سبحانه في آيتين بعدها: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقولونَ)[الحجر/97] يعني أن المظلومية والمعاناة في مسار هذه المواجهة أمر طبيعي.

    لابدّ أن نعيش أجواء الحرب والصراع

    يقول المفسرون إن دعوة النبيّ(ص) العلنية قد بدأت بهذه الآية الكريمة، ومنذ بدء الدعوة العلنية بدأ العداء تجاه النبي(ص) وقد أشارت هذه الآيات إلى بعض جوانب هذا العداء والصراع. هذا هو القرآن الذي يحكي عن وجود العداوات والصراعات.
    لقد رسمت الحياة البشرية في خضمّ صراع ونزاع، كما قد تبلور ديننا أيضا في أجواء نزاع ومواجهة، ونجد اليوم أن قد بلغ هذا النزاع إلى ذروته. لقد وعدتنا أحاديث النبي(ص) وأهل البيت(ع) أن هذا الصراع سينتهي في يومٍ، وقد ذكروا علامات لانتهاء شوطه، وها نحن نرى بعض تلك العلامات. فيا ترى هل سينتهي هذا الصراع في زماننا هذا؟ فإن كان كذلك، إذن سوف يبلغ هذا الصراع في زماننا إلى ذروته.
    إن لم تخل الحياة من النزاع والعداوات، فهل يمكن للدين أن يكون خاليا عن النزاع؟ انظروا إلى السنين الثماني لدفاعنا المقدّس؛ بمجرّد أن قامت دعائم حكومة إسلامية في إيران، شنّ على شعبها حرب عالمية شرسة. لماذا فرضت علينا هذه الحرب؟ وكيف تقيّمون هذا الحدث على أساس التدبير الإلهي وألطاف الله الخفيّة؟ فإذا أردنا أن ننظر إلى هذه الحرب المفروضة بسذاجة، نقول: بدأ هذه الحرب عدوّ جاهل باسم صدّام وشغلنا بها لمدة ثمان سنين، ثم هلك. ولكن إذا أردنا أن نحلل هذه الحرب بمزيد من العمق والتمعّن، لابدّ أن نأخذ عبارة الإمام الخميني(ره) بعين الاعتبار، حيث كان يرى هذه الحرب أحد الألطاف الإلهية الخفية. لقد كان انتصار ثورتنا عبر مواجهة وعداء، وكذلك مرّت مرحلة استقرارها وتعزيزها في فترة حرب وصراع أشدّ. أفلا تدلّ هذه الحقيقة على ضرورة العيش بنَفَس الجهاد والصراع وأن نرى أنفسنا في مثل هذه الأجواء؟ حتى أن التسديدات الغيبية الإلهيّة باتت تظهر حولنا في خضمّ الحروب الظالمة والشرسة التي شنّها الأعداء ضدّنا، وقلّ ما نجد أمثالها في التاريخ.

    يتبع إن شاء الله...

  5. #25
    ملكه درر
    ريتوو
    تاريخ التسجيل: May-2014
    الدولة: العراق♥ بابل
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 1,459 المواضيع: 179
    التقييم: 209
    مزاجي: حسب الجووو♥
    أكلتي المفضلة: ♥ بتزا ♥
    موبايلي: كلاكسي دوز
    مقالات المدونة: 1
    شكرا للطرح

  6. #26
    صديق مشارك
    ♡اميرة الزهور♡
    تاريخ التسجيل: May-2014
    الدولة: ♡Iraq♡
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 136 المواضيع: 5
    التقييم: 48
    مزاجي: ♤Interesting♤
    المهنة: طالبة جامعية
    أكلتي المفضلة: ♡pazzi♡
    آخر نشاط: 20/June/2015
    مقالات المدونة: 6
    شكرا ألــــــك

  7. #27
    من أهل الدار
    الشاعر
    تاريخ التسجيل: March-2014
    الدولة: العراق العظيم حفظه الله ورعاه
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,043 المواضيع: 37
    صوتيات: 3 سوالف عراقية: 43
    التقييم: 440
    مزاجي: الحمد لله على كل حال
    المهنة: مهندس اتصالات
    أكلتي المفضلة: لا يوجد شئ مفضل على الاخر من
    آخر نشاط: منذ أسبوع واحد
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى وعد الأمير
    مقالات المدونة: 2
    جميل جدا شكرا للطرح الرائع

  8. #28
    صديق فعال
    شكرا جزيلا
    أحمد الله على هذا التوفيق وكون الموضوع قد نال إعجابكم
    تقبلوا تحياتي

  9. #29
    صديق فعال

    استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام 14

    من نام لم ينم عنه

    برأيكم لماذا يقوم الإرهابيون في سوريا بتسجيل جرائمهم الشرسة وبثها في وسائل الإعلام، مع أنهم يعرفون أن هذه اللقطات التي يبثونها سوف تنفّر الناس منهم بلا فرق بين السنة والشيعة؟ فلعل السبب هو أنهم يريدون أن يبثوا الرعب والخوف بين الناس. ولكن مهما كانت دواعيهم من بثّ هذه اللقطات الفضيعة، إن انتشار هذه اللقطات هي من الألطاف الخفية الإلهيّة، لكي نعرف تكليفنا في هذا الزمان وننظّم حياتنا على أساس مقتضيات هذا الزمان.
    إن ظروفنا وأجواء حياتنا تشبه ظروف اللاعب الذي يعيش حالة الاستعداد قبل بدء المباراة، أو كالجندي الذي يعيش حالة التأهب قبل الحملة. فلن نخسر إن نظمنا حياتنا على أساس التأهّب لمباراة نهائية مع العدوّ. أما إذا عشنا غافلين عن العدوّ فسوف يشملنا قول أمير المؤمنين(ع) إذ قال: «وَ لَا تَثَّاقَلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وَ تَبُوءُوا بِالذُّلِّ وَ یَکُونَ نَصِیبُکُمُ الْأَخَسَّ وَ إِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ وَ مَنْ نَامَ لَمْ یُنَمْ عَنْه‏»[نهج البلاغه/نامه 62].
    يودّ بعض المساكين أن يقضوا على الروحيّة الثوريّة. فهم يدعوننا في النشاطات الثقافية إلى التسالي والتوافه، ويحاولون أن يلفتوا أنظارنا عن الجهاد الرئيس في حياة الإنسان. بينما ينبغي للإنسان أن يحظى بروح التأهب للدفاع والجهاد. وأساسا ما السبب من وجود روح المنافسة المودعة في الأطفال والتي تتبلور في حب المصارعة وحبّ البندقية والسلاح؟ لأنه يجب على الإنسان أن يعيش كل عمره في أجواء الصراع والجهاد. وحتى بعد ظهور الإمام الحجة(عج) حيث يقضى على إبليس والأعداء طبقا لمفاد بعض الروايات، يبقى صراع الإنسان قائما مع نفسه الأمارة بالسوء ولن ينفك عن هذا الصراع إلى آخر لحظة من حياته. سئل الإمام الصادق(ع): أَیْنَ طَرِیقُ الرَّاحَةِ فَقَالَ ع فِی خِلَافِ الْهَوَى قِیلَ فَمَتَى یَجِدُ عَبْدٌ الرَّاحَةَ فَقَالَ ع عِنْدَ أَوَّلِ‏ یَوْمٍ‏ یَصِیرُ فِی الْجَنَّةِ. [تحف العقول/ص370]

    لابدّ أن ننظر إلى ظاهرة معاداة النبي(ص) كأحد أهم محاور تاريخ الإسلام

    حتى وإن لم يكن زماننا في هذا الزمان، وكنا بصدد دراسة تاريخ الإسلام، أيضا كان لابدّ لنا أن ننظر إلى ظاهرة معاداة النبي(ص) كأحد أهمّ محاور تاريخ السلام، أما الزمان الذي نعيشه الآن فبات يدعونا إلى دراسة هذا الموضوع بمزيد من التأكيد.
    لماذا قد تناولنا إيجابيات عرب الجاهليّة في مطلع هذا البحث؟ لأننا أردنا أن نعرف هذا العدوّ بشكل جيّد، إذ لابدّ أن نأخذ إيجابيات العدوّ بعين الاعتبار إلى جانب سلبيّاته إن أردنا أن نكون على معرفة جيدة به. إن بعض المخرجين وكتّاب القصص والروايات أثناء ما يبلورون شخصية سلبية في قصّتهم، لا يسوّدونها تماما، بل يُبقون فيه ملامح من الإيجابيات والفضائل وهذا هو الأقرب إلى الواقع، إذ حتّى مجرمي التاريخ كانوا يحظون ببعض الخصائص الإيجابيّة. فعلى سبيل المثال إن إبليس كان قد عبد الله ستة آلاف سنة وهذا ما يحكي عن شيء غير قليل لا يستهان به. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الإيجابية تحدّد نوعية شقائه وترشدنا إلى كشف صفته السلبيّة بدقّة.
    إنّ المجتمع الذي كان يعاصر زمن مبعث النبيّ الأعظم(ص)، لم يكن مجتمعا سلبيّا وأسودَ تماما. فلابدّ أن ندرس ذاك المجتمع ونعرف كيفية تبلور معاداة النبي(ص) في تلك الأجواء. إذا كانت ظاهرة العدوّ والعداء ظاهرة مهمّة في حياة الإنسان وتكامله، فلابد أن ندرس هذا العدوّ بشكل دقيق. نحن نجد في تاريخ النبي الأعظم(ص) أنه كان قد احتكّ بأناس لم يكونوا أعداءه من الأوّل، بل كانوا يحترمونه قبل مبعثه ويلقبّونه بالأمين.

    كان الحسد هو السبب الأوّل لمعاداة النبي(ص)، وكان الاستهزاء هو العمليّة الأولى في العداء

    لقد تطرقنا في الجلسة السابقة إلى سبب معاداة النبي(ص) الرئيس، وقلنا كان هذا العداء من قبيل الحسد. فلم يكن السبب هو تمسكهم بثقافة أسلافهم أو استئناسهم وتعودهم على الأصنام وصعوبة تغيير ما استأنسوا به وتعودوا عليه، وإن كانوا يتذرعون بأمثال هذه القضايا، ولكن كان السبب الرئيس خلف هذه الذرائع هو حسد النبيّ(ص) وإنما كان يغلّف بإحدى هذه الذرائع. حتى أن عامل حب اللذة والتمتّع بالمعاصي لم يكن عاملا رئيسا بالنسبة إلى الحسد، وإنْ تذرَّع أعداء النبي(ص) به أيضا. فقد قامت دعائم هذا العداء على أركان الحسد. طبعا وبالتأكيد كانت إلى جانب الحسد أسباب أخرى من قبيل الجهل وحب الدنيا وغيرها، ولكنها كانت أسباب هامشيّة، أما السبب الرئيس الذي كان يحشّد هذا العداء هو حسد النبيّ(ص)، وقد مرّت عليكم بعض النصوص والتعابير التي تحكي عن هذا العامل الرئيس.
    طيّب؛ لنرى ماذا كان أوّل مبادرة أعداء النبي(ص) في معاملتهم معه. كانت المبادرة الأولى في مواجهة النبي(ص) هو «التمسخر» و «الاستهزاء». ولهذا بعد أن أمر الله النبي(ص) أن يعلن عن دعوته، قال له: (إِنّا كَفَيْناَكَ المُسْتَهْزِئِين)[الحجر/95].
    يقول الله سبحانه وتعالى: (يا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ ما يَأتِيهِم مِنْ رِسولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهزِؤونَ)[يس/30]. لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن قصص الاستهزاء بالأنبياء بمختلف أشكالها. فعلى سبيل المثال راجعوا سورة المؤمنون. كما كانت ذرائع المستهزئين مختلفة. فعلى سبيل المثال عندما يؤمر النبيّ نوح(ع) أن يصنع الفلك بأرض يابسة نائية عن البحار والأنهار، كان هذا خير ذريعة للمستهزئين. (وَ یَصْنَعُ الْفُلْکَ وَ کُلَّمَا مَرَّ عَلَیْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ)[هود/38]

    الاستهزاء هو أول حربة يستخدمها العدو في مواجهتنا، فإن عجزنا عن مواجهة هذه الحربة نصرع في بداية المعركة

    وكذلك في أول صحفات القرآن عندما يتطرق الله إلى داخل المجتمع الديني ومواقف المنافقين فيه، يشير إلى أنهم يستهزئون بالمؤمنين. (وَ إِذَا لَقُواْ الَّذِینَ ءَامَنُواْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَ إِذَا خَلَوْاْ إِلىَ‏ شَیَاطِینِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَکُمْ إِنَّمَا نحَْنُ مُسْتهَْزِءُونَ * اللَّهُ یَسْتهَْزِئُ بهِِمْ وَ یَمُدُّهُمْ فىِ طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُون)[بقره/14 و15]. إن ظاهرة الاستهزاء من الأهمية وسعة التأثير بمكان، بحيث حتى في زماننا نجد أن بعض الفتيات يخففن من حجابهنّ أو يتجنب بعض الشباب عن الذهاب إلى المصلّى وأداء الصلاة خوفا من استهزاء الآخرين. وكذلك من أهم الركائز التي تعتمد عليها الفضائيات هو الاستهزاء بالمقدسات والخط الإسلام الحنيف. واعلموا جيدا أن لن يلتفت المستزهؤون عن الإسلام الحنيف. طبعا لا يبقى عداء الكفّار للمؤمنين على مستوى الاستهزاء وحسب، بل حتى قد يصل في المراحل الآتية إلى حزّ رؤوس المؤمنين، كما نرى في زماننا هذا مثل هذه الأحداث.
    إن موضوع الاستهزاء من الأهمية بمكان، بحيث عندما دعا رسول الله(ص) عشيرته في بداية دعوته العلنية؛ (وَ أَنْذِرْ عَشیرَتَکَ الْأَقْرَبین)[شعراء/214] مع أن التعصب العشائري كان مستفحلا بين القوم آنذاك، وكان المفترض بطبيعة الحال أن يكون تعامل عشيرة النبي(ص) معه تعاملا حسنا، ومع أن النبي(ص) أخذ يتحدّث معهم بمنتهى الرفق والرحمة، لكن بعد أن أعلن عن دعوته، كان ردّ فعلهم هو الاستهزاء والتمسخر، ولا سيّما بعد أن عرّف أمير المؤمنين(ع) وصيّا له وكان غلاما حدثا يومئذ، فزادهم هذا الحدث تمسخرا واستهزاء. [راجع تفسير الميزان والأمثل، ذيل الآية 214 من سورة شعراء]
    الاستهزاء هو الحربة الأولى التي يستخدمها الأعداء في مواجهة المؤمنين، فإن لم نعرف هذه الظاهرة ولم نقدر على مقابلتها، نُصرَع في أوائل المعركة ولن نصل إلى الأشواط القادمة. إذا أردنا أن نعرف العدوّ، فلا ينبغي أن ننسى حسد العدو واستهزاءه. إن هذه النقطتين مهمتان جدا وجديرتان بالتأمل. أمّا كون الأعداء أغنياء والأغنياء بصدد نهب الفقراء، فهذا موضوع هامشي. أو كون الأعداء طالبي اللذة، ويهدفون إلى التمتع والالتذاذ عن طريق الفسق والفجور فهو موضوع هامشي كذلك. إن السبب الرئيس في عداء العدوّ، هو الحسد، ولا يزال هذا الحسد قائما إلى اليوم الآخِر.
    فعلى سبيل المثال كان هذا الحسد هو السبب في سوء عاقبة الزبير وشقائه. بعد معركة الجمل ومقتل الزبير، كشف أمير المؤمنين عن سوء سابقة الزبير التي لم يكن يعرفها أحد فقال وهو ينظر في وجه الزبير: «أما والله‏ لولا ما کان من أمر حاطب بن أبی بلتعة، ما اجترأ الزبیر على قتالی! [الجمل للمفید/389] ویشیر بأمر ابن بلتعة إلى رسالته إلى أهل مکة بعزم النبيّ على فتحها، بعث بها مع امرأة أخفتها فی شعرها، وأُخبر بها النبيّ فأرسل علیا والزبیر علیها فأنکرت وصدّقها الزبیر ورجع عنها فقال عليّ: یخبرنا النبي وأنت تقول: لا کتاب معها؟! واستخرجه منها، فحسده الزبیر علیها. [موسوعة التاریخ الاسلامی/4/ 620]
    وبالمناسبة إن الزبير لم يكن يعرف كيف يتعامل مع المستهزئين، ولم يكن يملك القدرة على تحمل استهزاء الآخرين. إذ كان قد اقتنع بحديث أمير المؤمنين(ع) في معركة الجمل أن يكفّ عن الحرب، لأن أمير المؤمنين(ع) قد ذكّره بحديث رسول الله(ص) إذ حذّره من مثل هذا اليوم. ولكن بعد أن اتضح الحقّ للزبير وأراد أن يترك معركة القتال، رجع إليها مرة أخرى بتحريض ابنه. فكرّ كرّة مخافة أن يستهزئن به نساء قريش. إذ قال له ابنه: «کفّر عن يمينك، لئلا يتحدثن نساء قريش، أنك جبنت وما كنت بجبان. قال: صدقت...»[وقعة الجمل/ص130] يعني لم يستطع الزبير أن يتحمل استهزاء قومه، ولهذا السبب مات وهو خارج على إمام زمانه!
    من المهمّ جدا لدى بعض الناس أن لا يُستهزأ ولا يسخر به في طريق دينه، ولهذا يعمل بدينه بالنحو الذي لا يسمع طعنة أو كلمة من أحد! ولكن عندما نجد رسول الله(ص) لاقى ما لاقى من المستهزئين، هل من الصحيح أن نفرّ من الاستهزاء بأي طريقة ووسيلة؟!

    صلى الله عليك يا أبا عبد الله

    لقد عانى الأنبياء والأولياء من استهزاء أعدائهم وشماتتهم على مرّ الدهور ولكنّ أكثرها فجعة وأعزّها على الفؤاد هو ما لاقته الحوراء زينب(س) في الكوفة والشام وفي مجلس عبيد الله بن زياد ومجلس يزيد، من شماتة واستهزاء. يا قلب زينب كم قاسيت من محن/ فيك الرزايا وكل الصبر قد جمعا/ يكفيك صبرا قلوب الناس كلّهمُ/تفطرت للذي لاقيته جزعا.


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 12 3
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال