مشكووووووووووووووور والله يعطيك العافية
مشكووووووووووووووور والله يعطيك العافية
شكرأ ع الموضوع سلمت يداك
أسعدني مروركم وشكرا لتقييمكم
إن ثقافة مكة ما قبل الإسلام أرقى من ثقافة كثير من بلدان هذا العصر المدعية الثقافة والتحضّر
لا شك في أن مكة ما قبل الإسلام أقل رتبة ومستوى في ثقافتها وحضارتها وديانتها من ذاك المجتمع العظيم والراقي الذي تبلور بمكارم أخلاقه ومجده بعد الإسلام، ولكن من المتيقّن أنها أرقى من كثير من هذه البلدان المدّعية الثقافة والتحضّر.
إن الكثير من المثالب والسيئات التي تذكر لتلك الفترة لا ترتبط بالقبائل العربيّة الأصيلة في مكة، بل مرتبطة بالأعراب البدويين الذين لم يذكروا بالخير حتى بعد ظهور الإسلام؛ (الْأَعْرابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفاقاً)[التوبة/97]. وإلى جانب هؤلاء كانت عشيرة بني هاشم من العشائر الأصيلة التي كانت تمثل إحدى العشائر الأساسية في مكة، وكان لهم شأن وموقع عاليين جدا لدى الأعراب، ولابد أن نفصل حسابهم عن باقي العرب والأعراب في ذاك المقطع الزمني.
كما بعض ممارساتهم الشنيعة من قبيل دسّ بناتهم في التراب فقد رويت أخبارها على نطاق محدود، فيبدو أنها لم تكن عرفا شائعا بين الناس، وإلا لانقرض نسلهم.
كان مشركو مكة على استعداد من أن يمنحوا النبي(ص) الرئاسة من قبلهم ولكن لم يرضوا برئاسته من جانب الله
لابد أن نرى لماذا بدأ العرب بمعاداة النبي(ص) بعد مبعثه وانقلب ذاك الاحترام والإكرام إلى عداء؟
ما يجدر بالانتباه في ظاهرة مخالفة الأنبياء وتكذيبهم، هو استنكاف الكفّار عن «إطاعة» الأنبياء. فعلى سبيل المثال قبل أن يبعث الرسول(ص) بالرسالة كان معروفا بين الناس كرجل أمين وصادق، وأحيانا ما كانوا يرضون به حكما في بعض نزاعاتهم العويصة. ولكنّ كثيرا من هؤلاء الأشخاص الذين قد اعترفوا بصلاحه وصدقه، رفضوا دعوته بعد البعثة.
واللطيف هو أنهم كانوا على استعداد من أن يمنحوا النبي(ص) رئاسة مكة، ولكن لم يرضوا برئاسته من جانب الله! كانوا على استعداد من أن يحكمهم عن طريق منهج مشابه للديمقراطية حيث قد أجمع قبائل العرب على هذا الرأي، ولكنهم لم يرضوا بأن يحكمهم من قبل الله. فكان يعزّ عليهم أن يحكمهم رجل من جانب الله، ولكن لم يروا بأسا في أن يحكمهم من جانبهم!
إنه موضوع لطيف وجذاب جدا. كيف يعترف بعض الناس بفضل النبي(ص) وصدقه ويرضون برئاسته عليهم، ولكن لا أن يحظى بقدرة مطلقة من قبل الله وأن يكون متصلا بالسماء. فمن هذا المنطلق اجتمع كبراء القوم ووجهاؤهم وذهبوا إلى بيت أبي طالب(ع) وكان ابن أخيه جالسا بجانبه. ثم تحدث متحدثهم وقال: «ا يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَفَّهَ أَحْلَامَنَا- وَ سَبَّ آلِهَتَنَا وَ أَفْسَدَ شَبابَنا وَ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا- فَإِنْ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ الْعُدْمُ جَمَعْنَا لَهُ مَالًا حَتّى يَكونَ أغنَى رَجُلٍ في قُرَيشٍ وَنُمَلّكُه عَلَيْنا»[تفسير القمي/ج2/ص228].
يودّ البعض أن يكون منصب الولي الفقيه منصبا تشريفيا كما هو الحال بالنسبة إلى شيخ الأزهر
قبل دعا شيخ الأزهر الناس إلى التزام الهدوء، والكل يعرف جيّدا أن لا تأثير لحديثه هذا حركة الشعب. ويودّ البعض أن يكون منصب الوليّ الفقيه منصبا تشريفيا كمنصب شيخ الأزهر؛ يعني أن يكتفي بالنصح بين الحين والآخر ويحافظ على شأنه وكرامته! إن سبب مخالفة البعض لولاية الفقيه هو أن الولي الفقيه يقف سدّا منيعا أمام بعض نشاطاتهم وتحركاتهم الفتنويّة ويفقأ عين الفتن. ولهذا يودّون لو تكون سلطته فخرية ضعيفة ويكتفي بالنصح وحسب. وتبريرا لرأيهم يقولون: بهذا الأسلوب تحفظ كرامته أكثر.
إن بعض الناس كانوا يحترمون النبي(ص) ما دام لا يتدخل في السياسة
كان مشركو مكة في صدر الإسلام بصدد حفظ احترام النبي(ص) ومنحه السلطة الفخرية بنفس هذا النمط. فيبدو أن في تلك الأيام أيضا كانت تهدد كرامة الإنسان المقدّس فيما إذا تدخّل في الشؤون السياسية! يعني كان يرى البعض أن احترام النبي(ص) وقداسته رهن عدم تدخله في السياسة وأن يستمرّ بحياة الكهنة والقديسين بلا أن ينهض لإقامة الحقّ. بينما عندما يبعث الله نبيا، يفرض طاعته على الناس ويقول: (وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)[النساء/64]. يعني أنه ليس بنبي وحسب، بل إنه القائد العام للقوات المسلحة أيضا، ومن هذه النقطة تنطلق كل النزاعات والتمردات والخصومات.
نفس هؤلاء الذين تنازعوا قبل البعثة في قصة إعادة بناء الكعبة والتصدي لحمل الحجر الأسود ورضوا بحكمية النبي(ص) بصفته رجلا صادقا أمينا وأثنوا على رأيه وخضعوا لحكمه، نفس هؤلاء اجتمعوا بعد البعثة واختاروا من كل قبيلة وعشيرة رجلا ليغتالوا النبي(ص) وليشترك في دمّه كل القبائل وبهذا يعجز بنو هاشم عن الأخذ بثأره ومخاصمة الجميع.
لو لم يتولّ النبي(ص) على الناس، لبقي احترامه وكرامته وذريتِه
لو لم يتولّ النبي(ص) على الناس، ولم تفرض طاعته وكان قد اكتفى ببعض الوصايا الأخلاقية وبعض المسائل المرتبطة بعلاقة الناس الخاصّة بربّهم ولم يتدخل بشؤون المجتمع، لبقيت كرامته وقداسته بين المشركين الذين لقّبوه بالأمين قبل البعثة، بل لكان أولاده وذريته محترمين بين الناس. ولكن لم يجر التاريخ على هذا المنوال بل قد وصل به الأمر إلى أن قتل ابن بنت رسول الله(ص) أبو عبد الله الحسين(ع) على يد من دخلوا في دين جدّه...
شكررررررررررا ياوردة
إليك ملخّص الجلسة الثانية من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ الأستاذ بناهيان في جلسات هيئة الشهداء المجهولين في طهران في موضوع «استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام»
الأرضية الاجتماعية لمبعث الرسول(ص)
بإمكاننا أن ننطلق في دراسة تاريخ الإسلام من مقاطع مختلفة، ولكن قد يكون الأنسب هو أن نسلّط الضوء على الأرضية الاجتماعية لمبعث الرسول(ص) كأول محطة ننطلق منها إلى استعراض تاريخ الإسلام. لقد تحدثنا في الجلسة السابقة حول هذا الموضوع وهو أنه قد يبالغ أحيانا في ذكر سلبيّات المجتمع الجاهلي حيث يصورونه أسود تماما، بينما لم يكن كذلك.
لقد كان المجتمع الجاهلي يحظى ببعض الامتيازات والإيجابيات ولعلّها هي السبب في بلورة أرضية بعثة الإسلام وقبوله. فإذا أراد الإنسان أن يخاطب امرء أو قوما بكلمة حقّ، وفي نفس الوقت يتوقع قبول هذه الكلمة من قبلهم، لابدّ له أن يبحث عن أرضية قبول كلمة الحقّ في سابق مواقفهم وتاريخهم، وأن يلقي نظرة إلى معتقداتهم وأفكارهم بشكل عام، ليرى هل تقتضي معتقداتهم قبول كلمة الحق هذه أم لا. فإن هذا المنهج مما اعترف القرآن أيضا في مخاطبة أهل الكتاب حيث قال: (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا)[آل عمران/64] فقد اعتمد القرآن في دعوة أهل الكتاب على الحقائق والمكارم التي يعتقدون بها.
إذن عندما يكون النبيّ الأعظم(ص) بصدد تبليغ هذا الدين العظيم، ليس من المعقول أن يأتي به إلى قوم جاهل بشكل مطلق ومتخلف عن باقي الشعوب جميعا ليضطر أن يبدأ بهم من نقطة الصفر، بل يفترض له أن يبلغ هذا الدين في بيئة ومجتمع يشتمل على أرضية قبول الدعوة، بل ينبغي أن تكون قابلية هذا المجتمع لقبول دعوة النبيّ وتنميتها أفضل من أيّ مجتمع آخر. ولكن مع الأسف يصور البعض تلك البيئة والأرضية الاجتماعية الجاهلية بشكل وكأنها كانت خالية من أي امتياز وإيجابية.
نماذج من إيجابيات المجتمع الجاهلي
إحدى خصائص المجتمع الجاهلي قبل الإسلام هو أنهم كانوا أهل العبادة وكانوا يكرمون الكعبة وبيت الله الحرام. فقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إنَ أَهْلُ الْجَاهِلِیَّةِ یُعَظِّمُونَ الْحَرَمَ وَ لَا یُقْسِمُونَ بِهِ وَ یَسْتَحِلُّونَ حُرْمَةَ اللَّهِ فِیهِ وَ لَا یَعْرِضُونَ لِمَنْ کَانَ فِیهِ وَ لَا یَجْرَحُونَ فِیهِ دَابَّةً»[الكافي/7/450] وكذلك روي عنه(ع): «إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِیَّةِ ضَیَّعُوا کُلَّ شَیْءٍ مِنْ دِینِ إِبْرَاهِیمَ ع إِلَّا الْخِتَانَ وَ التَّزْوِیجَ وَ الْحَجَّ فَإِنَّهُمْ تَمَسَّکُوا بِهَا وَ لَمْ یُضَیِّعُوهَا»[علل الشرایع/2/414] ومضافا إلى ذلك كانوا أوفياء بالعهود والأيمان، كما أن أعراب الجاهلية ولاسيما ذرية عدنان كانوا مضيافين أسخياء، وقلّ ما كانوا يخونون الأمانة، ونقض العهد كان ذنبا لا يغفر في مجتمعهم. [فروغ أبديت، للشيخ جعفر سبحاني، ص32] كانوا ملتزمين ببعض الأحكام في حياتهم الفردية والاجتماعية والتي أقرّ بها الإسلام وأبقاها القرآن الكريم على حالها. طبعا لا يخفى أن ذاك المجتمع كان يشتمل على سلبيات كثيرة، ولكن على أيّ حال كانوا يحظون بإيجابيات لا يمكن التغاضي عنها، وقد جعلت هذه الإيجابيات من مكة مدينة أكثر تدينا وقداسة من أي مدينة أخرى في العالم.
إن المجتمع الجاهلي آنذاك لم يخلُ من سلبيات وموبقات قطعا، حتى أن بعضهم أجاز لنفسه بدسّ بنته في التراب، ولكن تجد بعض الفضائل كالفتوّة والحميّة والغيرة متوفرة فيهم، حتى قال أمير المؤمنين(ع): «وَ إِنْ کَانَ الرَّجُلُ لَیَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِی الْجَاهِلِیَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ فَیُعَیَّرُ بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِه»[نهج البلاغة/الكتاب14] يعني أذا أرادوا أن يعيّروا أحدا، يقولون له: «أنت ابن فلان الذي كان يرفع يده على النساء...» فلم تكن كلّ أعرافهم هو ظلم المرأة والاعتداء عليها وارتكاب الجرائم بحقها وحسب. وعندما نأتي إلى قضيّة العلاقة بين المرأة والرجل نجد أنهم كانوا يحترمون أغلب القوانين الباقية من الشرائع الإلهية، وكانوا يحرّمون الزواج مع الحارم. [علل الشرايع/2/414؛ الاحتجاج للطبرسي/2/346]
يتبع إن شاء الله...
التعديل الأخير تم بواسطة قبسات ; 4/March/2014 الساعة 11:26 am
يعطيك العافيه
شکرا جزيلا لك أختي الفاضلة حياك الله
سئل زنديقٌ الإمامَ الصادق(ع) وقال له: أَخْبِرْنِي عَنِ الْمَجُوسِ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الصَّوَابِ فِي دِينِهِمْ أَمِ الْعَرَب؟ فأجابه الإمام(ع): «الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ أَقْرَبَ إِلَى الدِّينِ الْحَنِيفِي مِنَ الْمَجُوسِ وَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَجُوسَ كَفَرَتْ بِكُلِّ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ وَ كَانَتِ الْمَجُوسُ لَا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَ الْعَرَبُ كَانَتْ تَغْتَسِلُ وَ الِاغْتِسَالُ مِنْ خَالِصِ شَرَائِعِ الْحَنِيفِيَّةِ وَ كَانَتِ الْمَجُوسُ لَا تَخْتَتِنُ وَ الْعَرَبُ تَخْتَتِنُ وَ هُوَ مِنْ سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ وَ كَانَتِ الْمَجُوسُ لَا تُغَسِّلُ مَوْتَاهَا وَ لَا تُكَفِّنُهَا وَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَ كَانَتِ الْمَجُوسُ تَرْمِي بِالْمَوْتَى فِي الصَّحَارِي وَ النَّوَاوِيسِ وَ الْعَرَبُ تُوَارِيهَا فِي قُبُورِهَا وَ تُلْحِدُهَا وَ كَذَلِكَ السُّنَّةُ عَلَى الرُّسُلِ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ حُفِرَ لَهُ قَبْرٌ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ وَ أُلْحِدَ لَهُ لَحْدٌ وَ كَانَتِ الْمَجُوسُ تَأْتِي الْأُمَّهَاتِ وَ تَنْكِحُ الْبَنَاتِ وَ الْأَخَوَاتِ وَ حَرَّمَتْ ذَلِكَ الْعَرَبُ وَ أَنْكَرَتِ الْمَجُوسُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ وَ سَمَّتْهُ بَيْتَ الشَّيْطَانِ وَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَحُجُّهُ وَ تُعَظِّمُهُ وَ تَقُولُ بَيْتُ رَبِّنَا وَ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي كُلِّ الْأَسْبَابِ أَقْرَبَ إِلَى الدِّينِ الْحَنِيفِيَّةِ مِنَ الْمَجُوس»[وسائل الشيعة/ج2/ص178].
وكذلك قال الإمام الصادق في حديث آخر: «إِنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَزَالُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ يَصِلُونَ الرَّحِمَ وَ يَقْرُونَ الضَّيْفَ وَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ وَ يَقُولُونَ اتَّقُوا مَالَ الْيَتِيمِ فَإِنَّ مَالَ الْيَتِيمِ عِقَالٌ وَ يَكُفُّونَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْمَحَارِمِ مَخَافَةَ الْعُقُوبَةِ وَ كَانُوا لَا يُمْلَى لَهُمْ إِذَا انْتَهَكُوا الْمَحَارِم»[الكافي/ج4/ص212].
كان العرب آنذاك يعرفون كلمة «الله» وحتى كانوا يقسمون بهذا اللفظ. مما يدلّ على مدى إكرامهم وإجلالهم للكعبة وبيت الله الحرام حولها هو أنهم كانوا يأخذون من قشر الأشجار الحرم فيعلقونها على أعناق جمالهم لأن لا يجرأ أحد على سلب بضائع تلك الجمال احتراما لحرمة الحرم؛ «كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ فَيُعَلِّقُونَهُ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ فَلَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ حَيْثُمَا ذَهَبَتْ وَ لَا يَجْتَرِئُ أَحَدٌ أَنْ يُعَلِّقَ مِنْ غَيْرِ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ أَيُّهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ عُوقِب»[المصدر نفسه] فكان تقديسهم الأشياءَ قائم على أساس حسابات وأصول أصيلة ولم يقدّسوها بلا أي دليل وسبب.
من خلال بعض أعرافهم وسننهم الخاطئة والخرافيّة نجد أنهم كانوا يعتقدون بأصل المعاد؛ فعلى سبيل المثال كان إذا يموت رجل، يحبسون جملا في حفرة بجوار قبره ويمنعونه من الماء والعشب حتى يموت، وذلك لأن يركب عليه المتوفى يوم القيامة ولا يحشر ماشيا. [فروغ ابديت، ص55]
ليس المقصود من ذكر هذه الشواهد هو تقدير أعراب الجاهليّة، إذ مهما ازداد حظ قوم من بعض المواهب والقابليات الإيجابية يزداد مسؤولية، كما أنه يزداد عقابا بطبيعة الحال فيما إذا سلك طريق الكفر والضلال. ولكن أريد أن أقول أن لم يبعث النبي(ص) بين قوم متخلف لم يشتمل على أي حسن قط، بل قد بعث في موطئ الأديان الإلهيّة وكانت لا تزال بعض سنن الأنبياء قائمة بين ذاك القوم.
إذن ما المقصود من جاهلية العرب؟
ولكن قد يتبادر هذا السؤال وهو إذن ما المقصود من أيام الجاهلية؟ فهنا لابد من الإشارة إلى بعض النقاط. أولا إن ذكر إيجابيات العرب قبل الإسلام لا يعني إنكار سلبياتهم وسلبيات تلك الفترة أبدا.
ثانيا، عندما نعبّر عن أيام الجاهلية، نقصد بأنها فترة جاهلية بالنسبة إلى ما بعدها أي زمن الإسلام، لا نسبة إلى سائر بقاع العالم في ذاك الزمان. إذ كما تحكي بعض الشواهد التاريخية وروايات الأئمة المعصومين(ع)، لعل العرب قبل الإسلام كانوا أفضل من جميع أقوام العالم من ناحية الصفات الإنسانية والإلهية.
ثالثا، إن أفق نظر الإسلام والقيم الاجتماعية التي جاء بها من العلوّ بمكان، بحيث يسمّى المجتمع العربي قبل الإسلام بالمجتمع الجاهلي نسبة إلى ما جاء به الإسلام من قيم ومثل. فعلى سبيل المثال ومن باب ذكر نموذج من المستوى القيمي الذي طرحه النبي(ص) وما كان يعتبره جاهليّا، لابأس أن ننظر مرة أخرى إلى الحديث النبويّ المعروف حيث قال: «مَنْ مَاتَ لَا یَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِیتَةً جَاهِلِیَّة»(کافی/1/377) أو حديثه الآخر: «منَ کانَ فى قَلبِهِ حَبَّةٌ مِن خَردَلٍ مِن عَصَبِیَّةٍ بَعَثَهُ اللّه ُ یَومَ القِیامَةِ مَعَ أعرابِ الجاهِلِیَّةِ»(کافی/2/308) أو ما روي عن أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «لِیَتَأَسَّ صَغِیرُکُمْ بِکَبِیرِکُمْ وَ لْیَرْأَفْ کَبِیرُکُمْ بِصَغِیرِکُمْ وَ لَا تَکُونُوا کَجُفَاةِ الْجَاهِلِیَّةِ لَا فِی الدِّینِ یَتَفَقَّهُونَ وَ لَا عَنِ اللَّهِ یَعْقِلُون»(نهج البلاغة/خ166)
يتبع إن شاء الله...
التعديل الأخير تم بواسطة قبسات ; 4/March/2014 الساعة 11:27 am
إن مسقط رأس الإسلام كان بين قوم حرّ
هناك نقطة إيجابية أخرى كانت في الأعراب الجاهلية وحتى قد أشار إليها بعض المستشرقين والمؤرّخين الغربيّين وهي أن: عندما عمد أهل الروم على اقتحام الجزيرة العربية، قال بعض رجالهم إلى أهل الروم: ماذا الذي أطمعكم على الهجوم علينا؟ إن أرضنا أرض قفراء غير ذي زرغ، وأما إذا أردتم استعبادنا، فنحن العرب لم نخضع بعد لسلطة حاكم ولن نخضع بعد هذا، كما سوف لن يخدمكم العبيد الذين تستعبدونهم من قومنا، إذ كنا أحرارا وعشنا أحرارا. حتى أولئك الذين بالغوا في سلبيّات العرب الجاهلية، قد اعترفوا بهذه الإيجابية من أنهم كانوا أحرارا ولم يخضعوا للعبودية لأحد، وكانوا مستقلين بمقتضى نفسيّتهم.
لماذا نشأ الإسلام بين قوم أحرار؟
لماذا يجب أن ينشأ الإسلام بين قوم أحرار؟ لعل أحد أسباب هذه الظاهرة هي أن مقتضى قبول دين ما، هو كون الإنسان أو القوم حرّا عن عبوديّة الطواغيت والفراعنة، إذ أن الطواغيت والفراعنة لا يسمحوا للناس بدخولهم في الدين بسهولة.
السبب الآخر في ظاهرة نشوء الإسلام بين قوم أحرار، هو أن لو كان الرسول(ص) قد بعث في إيران أو الروم أو كان قد بعث في ظل سلطة الفراعنة مثل النبي موسى(ع)، لانشغل منذ انطلاقة بعثته بقضية سياسية ضخمة ونزاع كبير على قضية زمام القدرة ولما أتيحت له فرصة الظهور والنشاط الرسالي تحت ظل تلك القوى، إذ لا يمكن القيام بمسؤوليّة الرسالة الخاتمة تحت ظل طواغيت الجور الذين كانوا يحكمون امبراطوريات؛ فلو كان قد انطلق من تلك الأوساط لهمّشت رسالته في خضمّ المعادلات السياسية السائدة آنذاك. ويجدر بالانتباه أن النبي موسى(ع) أيضا هاجر بعد مبعثه مع قومه وخرج من سلطة فرعون.
إن مواجهات الأنبياء لمعارضيهم تمثل أهم أحداث حياة الإنسان على مرّ التاريخ
طبعا وبالتأكيد لم يسلم النبيّ(ص) من المشاكل والمعارضات في ذاك المجتمع الحرّ، ولكن ما هو نمط المشاكل التي واجهها النبي(ص)؟ إن نمط المشاكل الرئيسة التي كان يواجهها النبي(ص) هي من نمط المشكال والخلافات التي كانت بين هابيل وقابيل. فقد شاءت إرادة الله سبحانه أن يعاني النبي(ص) نفس المشكلة التي عاناها هابيل عندما ثقل على أخيه قابيل قبول أفضليّته عليه. فلو كانت معاناة النبي(ص) تأخذ منحى آخر، لما أمكن فهم وبيان الكثير من الحقائق.
من المهمّ جدا أن نعرف ما هي الظروف الزمانية والمكانية التي دوّنت فيها هذه الوصفة الخالدة والعالمية المتمثلة بدين الإسلام وما هي البيئة الاجتماعية التي تبلور فيها هذا الدين. فإن مقتضى القاعدة تفرض أن تكون أرضية نشوء الإسلام والقاعدة الاجتماعية التي وقع مبعث النبيّ فيها، تشتمل ـ بمعادلاتها ونزاعاتها وأحداثها ـ على أهمّ قضايا حياة الإنسان. فلابدّ أن تكتب هذه الوصفة ويتبلور هذا الدين في مكان خاصّ، بحيث تكون أحداثه ومنعطفاته من جانب العدوّ والصديق تمثّل أهم احتياجات حياة الإنسان إلى يوم القيامة. ومن هذا المنطلق يصبح تاريخ الإسلام تاريخا جديرا بالتأمل جدا.
لم يكن سبب عداء الكثير ممن عادوا الرسول(ص) هو حبّ الجاه أو المال
إذا كانت مكة مدينة دينية فما الذي جرّهم إلى معاداة النبي(ص)؟ في الواقع إن الكثير من ناوءوا الرسول(ص) لم يكونوا لا دينيّين من الأساس ولا ممّن ينكر الله والمعاد ولا أنهم بعيدون كل البعد عن الفضائل والمكارم. ولا فرق في هذه الحقيقة بين العرب والأعراب الذين (لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّه)[العنكبوت/61] وبين يهود المدينة الذين كانوا ينتظرون النبيّ الخاتم(ص) كما أشار القرآن. أفلا تدلّ هذه الحقائق على أن أهمّ مشكلة يواجهها الدين هو مواقف بعض المتديّنين ومدّعي الإيمان؟! إنها تحكي بوضوح عن مدى المشاكل التي يوجدها خبث ضمير بعض ما يسمّون بالمؤمنين والمتديّنين. فإذا آمن أو أسلم شخص بحسب الظاهر لا يعني أنه صلح وطابت سريرته، بل هناك طريق طويل.
يتبع إن شاء الله...
التعديل الأخير تم بواسطة قبسات ; 29/April/2014 الساعة 11:42 am