صديق فعال
روحي فداء لمولا
تاريخ التسجيل: January-2014
الدولة: النجف الاشرف
الجنس: ذكر
المشاركات: 502 المواضيع: 392
التقييم: 192
مزاجي: دموع+دموع لحد ماتشفى امي
المهنة: ؟؟؟
أكلتي المفضلة: نحمد الله على كل شي سخره لنا
موبايلي: أيفون 4
آخر نشاط: 30/March/2014
العراق: مقام الخضر...بقايا قصر بابلي يحتشد بالذكريات البغدادية
كتلة من البناء القديم تقع على الضفة الغربية من جسر باب المعظم من جهة الكرخ، وهو مكان كان مهجوراً ومهملاً حتى العام 1982، الا ان احد الاشخاص (كما يقول اهل المنطقة)
اتخذ على مقربة منه مسكناً ثم ما لبث ان ادعى ان هذه البناية القديمة هي مقام الخضر، وانه رأى رؤيا في المنام مفادها ان الخضر اقام صلاته على هذا المكان وانه طلب منه ان يطهر المكان ويجعله مزاراً وقد صدقه الناس القريبون من المكان ثم سرعان ما انتشر خبر حول ظهور مقام الخضر وصار يقصد من مناطق بعيدة من بغداد بل حتى من محافظات العراق الاخرى.
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى تحول المكان الى منتجع سياحي بسيط توفرت فيه الحدائق والكازينوهات وكذلك ملاعب للاطفال فضلاً عن الزوارق النهرية التي تأخذ الزوار برحلات على نهر دجلة وصار المكان يوفر غايتين لمن يقصده واحدة (للتبرك) واخرى للسياحة.
وثمة ظاهرة قديمة عرف بها البغداديون وهي ما تسمى بشموع الخضر، حيث توقد كل امرأة شمعة وتضعها على قطعة من كرب النخيل، وتتركها في النهر ثم تدعو وتطلب مرادها، فإذا عبرت قطعة الكرب الى الضفة الاخرى وبقيت الشمعة موقدة فوقها فإنها سوف تفرح لأن طلبها سيجاب، اما اذا انطفأت الشمعة ولم تصل فهذا يعني ان طلبها لن يجاب.واذ ظهر مقام الخضر في هذا المكان فقد اصبحت ظاهرة ايقاد الشموع في النهر اكثر قبولاً لدى الناس، وصار مقامالخضر هو الغاية المباركة التي لا شك فيها لوصول الشموع وتحقيق الاماني كما يعتقد.
حكاية عامل ياباني
ثمة حكايات غريبة يتداولها ابناء المنطقة القريبة عن (مقام الخضر) منها مثلاً ان احد العمال اليابانيين سقط في احد قوالب الدعامات لحظة انشاء الجسر، وحيث انه تعذر اخراجه فقد صبت عليه الخرسانة، وبعد مدة من الزمن جاءت عائلة هذا العامل، ـ كما اكد لنا اكثر من شخص ـ ووضعت باقة من الزهور على حافة الدعامة التي صارت قبراً له، الظريف ان الناس القريبين عدوا هذه الحالة التي رافقتها صلوات وبكاء انما هي اعتراف من هذه العائلة بقدسية المكان، واضاف احد المواطنين من سكنة المنطقة شيئاً طريفاً آخر: هو ان هذا المبنى لم يكن يعني شيئاً الا ان احد شقاوات المنطقة طلب من رئيس النظام السابق ان يبني كوخاً على اطلال هذا المبنى ويستفيد من الشاطئ القريب منه، فمنحه اياه وسرعان ما ادعى ان هذا المكان هو مقام للخضر، صدقت الناس دعواه وقد ايد مواطنون آخرون من سكنة المنطقة هذه الحكاية.
مكان موحش
المكان الان لمن يراه يبدو موحشاً لأن زواره يكادون يعدون على اصابع اليد الواحدة ولم يبق من ملاعب الاطفال سوى اطلال مهشمة رغم ان جولتنا كانت في وقت متأخر من النهار، وهو الوقت الذي عادة ما كانت تتجمهر العوائل فيه وتنتشر على الشاطئ حيث المطاعم والكازينوهات واكشاك لبيع الحلوى والمشروبات الغازية وغيرها مما يعرضه الباعة المتجولون في اماكن شتى، وغير ذلك فان المكان قد تعرض لاكثر من مرة الى محاولات تهديمه من قبل مسلحين وقد تم بالفعل تهديم بعض جدرانه وحرق اجزاء اخرى منه .
دخلنا الى البناية التي على سقفها منارة صغيرة مبنية من الآجر ومجصصة وقد دهنت باللون الاخضر هي ومدخل البناية دلالة على الجانب الديني الذي (اضفي)على المكان، وكانت هناك لطخات من الحناء وقطع من الاقمشة ذات اللون الاخضر والاحمر والاسود، في المدخل واجهنا شاب نحيف يرتدي الدشداشة وسألنا ان كنا بحاجة الى شيء، وقبل ان نجيبه دخلت سيدة وبيدها كيس مليء بقطع من الورق الملفوف والمربوط بخيوط خضر، وراحت تطلب منه ان يدفنها، وقبل ان تغادر قال لها اين البركة؟ فأعطته الف دينار فرفض اخذها، ثم سألها كم عددها؟ فقالت: (14) فقال لها كل لفافة ادفنها بـ (500) دينار، وبعد مناقشات اقتنع بثلاثة آلاف دينار، وعندما مضت المرأة، اعاد علينا السؤال تفضلوا! وحين علم بمقصدنا قال: ليس لدي وقت (تعالوا باجر)، وبعد الحاحنا على ان يجيبنا عن حقيقة هذا المكان قال ممتعضا: يقال انه يعود للملك نبوخذ نصر، ولكن الناس تأتي الى هنا على اساس انه مقام للخضر ونحن لا نطردهم لان المكان هو مصدر رزقنا، سألناه عن الشخص المسؤول عن المكان، فبين انه السيد محمد محمود سويلان وقال: انه ابي لقد اوكل لي مهمة خدمة (المقام) واخذ النذور من الناس.
وعن قصة المرأة التي اتت بهذه اللفافات من الورق، قال: تلك اوهام النساء، انهن يأتين بلفافات الورق ويسمونها (بطلة) أي ابطال للسحر، مكتوب فيها بعض الطلاسم وتعتقد النساء انه في حالة دفن هذه الاوراق قرب هذا المكان سوف يبطل السحر المعمول لهن او لاحد افراد اسرهن، فقلنا له: وهل ستدفنها: فقال بالطبع لا.. فهذه اوهام واباطيل ولكني لا استطيع ردهن ثم انني احصل على قوتي من هذا العمل.
دعوة لانشاء منتجع سياحي
رجل كهل يقال له (ابو حسن) وجدته جالساً هناك يتأمل النهر، سالته عن اسباب خلو المنطقة من الناس فقال: منذ العام 2002 قل عدد الزوار لهذا المكان بشكل كبير وقبل هذا التاريخ ايضاً كان الزوار قليلين ، وشيئاً فشيئاً صار بالكاد يأتي الى هنا بعضهم ولكن في الاعياد يزدهر المكان قليلاً، اما من احداث نيسان 2003 والى الان فالحالة اصبحت بائسة وانت ترى امامك ففي مثل هذا الوقت في الثمانينيات كان المكان مزدحماً في جميع الايام، وهذه الزوارق البائسة التي تراها الان كانت باعداد كبيرة وعلى الرغم من ذلك فهي لم تكن تفي طلبات العوائل التي تريد التنزه في النهر، وما دمتم صحفيين فحبذا لو تنقلوا للمعنيين في الدولة بان يهتموا بهذا المكان السياحي ويوفروا له المستلزمات والامن من اجل ان تعاد له الحياة، فبغض النظر عن معتقد الناس به الا انه مكان يصلح ان يكون متنزهاً سياحياً جميلاً تقصده العوائل..
قصر نبوخذ نصر
لعلنا حتى الان لم نتعرف بشكل حقيقي على أصل هذه الكتلة التاريخية والى أي عهد تعود ولذلك توجهنا الى هيئة الآثار والتراث والتقينا فيها بمدير المسح والتوثيق في دائرة التراث، وسألناه عن تاريخ هذه الكتلة الصخرية وعائديتها فقال: ان هذه الكتلة هي جزء من (المسنات) وهي عبارة عن مصدات كانت تتقدم قصر الملك نبوخذ نصر الذي كان مشيداً في المنطقة التي تسمى حالياً خضر الياس، وهذه المسنات كانت تمنع صعود الماء الى القصر في مواسم الفيضان.
وقد هدم القصر وازيلت معالمه منذ زمن قديم ولم يبق منه سوى هذا الجزء، وقد تم التنقيب في هذه المنطقة اثناء انشاء الجسر الحالي وعثر على مجموعة كبيرة من الاحجار والرقم المختومة بختم نبوخذ نصر، وقد نقلت الى دائرة الاثار وهي محفوظة لدينا وفي نفس المكان انشئ في العصر العباسي قصر لعم ابي جعفر المنصور وهو قصر عيسى ابن موسى، ثم ازيلت اثار هذا القصر ايضاً بحكم الظروف الطبيعية وغيرها. هذه هي الحقيقة التاريخية للمكان، اما ما يشاع الان على انه مقام للخضر وما شابه فلا يمت للحقيقة بصلة.