بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين



لا يخفى أن بعض الشعر مستودع للحكمة والفصاحة فضلاً عن أنّه ديوان حافل بالأحداث والوقائع التاريخية المهمة .
وقد سجّل شعراء الإسلام منذ عهد الرعيل الأول وإلى اليوم آيات الولاء والحبّ التي تكنّها قلوبهم وضمائرهم وتعتلج في صدورهم تجاه النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الأطهار عليهم السلام ، مؤكدين أصالة هذا المبدأ العقائدي وإلهيته ومبينين أهم آثاره ومعطياته .
ولإن أول شعراء الإسلام شيخ البطحاء وعمّ سيد الأنبياء أبا طالب رضي الله عنه :
كان في طليعة الشعراء الذين أكّدوا إلهية هذا الحبّ وأصالته حيث قال :
نبياً كموسى خطّ في أول الكتبِ ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً
ولا شكّ فيمن خصّه الله بالحبِّ وأن عليه في العباد محبّةً
( السيرة النبوية | ابن هشام 1 : 377 مطبعة البابي ـ مصر . والبداية والنهاية 3 : 84 . وخزانة الأدب | البغدادي 1 : 261 ، دار صادر ـ بيروت . وشرح ابن أبي الحديد 14 : 73 . والفصول المختارة : 230 )
ومن هنا جاء اعترافه بالنبوة وإقراره بالرسالة ، وصدق ولائه ونصرته وعمق محبّته التي تصل إلى حدّ الجود بالنفس وهو أقصى غاية الجود ، وقد عبّر عن ذلك بقوله :

وأحببته حُبّ الحبيب المواصلِ لعمري لقد كُلِفتُ وجداً بأحمدٍ
ودارأت عنه بالذرى والكلاكلِ وَجُدتُ بنفسي دونه وحميته
ولمّا نطاعن دونه ونقاتلِ كذبتم وبيت الله نُسلِمُ أحمداً
ونَذْهَل عن أبنائنا والحلائلِ ونُسلمه حتى نُصرّعَ حوله

إنّ شعر الولاء والحبّ لعترة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يعتبر من الاغراض السامية الخالدة التي تؤكّد عمق الولاء لرسالة الاِسلام وشدّة الارتباط بالقادة الرساليين ، وتكشف عن إلتزام الشاعر بواحدٍ من أهم المبادىء الاِسلامية ، ألا وهو مودّة ذوي القربى أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، التي تضمن سعادة الدارين .
وفيما يلي بعض النماذج المختارة التي تؤكّد الولاء والمحبّة لأهل البيت عليهم السلام مرتبة وفقاً لوفيات الشعراء :


1 ـ حرب بن المنذر بن الجارود (من أعلام القرن الأول) :
قال في حبّهم عليهم السلام :
وأثواب كَتّانٍ أزور بها قبري فحسبي من الدنيا كَفافٌ يُقيمني
فما سُؤلنا إلاّ المودّة من أجرِ وحبّي ذوي قربى النبي محمد
( البيان والتبيين | الجاحظ 3 : 205 ، دار ومكتبة الهلال ط1)


2 ـ الفرزدق، همام بن غالب التميمي الدارمي، أبو فراس (ت | 110 هـ) :
قال في مطلع قصيدته الميمية التي أنشدها بمحضر هشام بن عبد الملك مادحاً الإمام زين العابدين عليه السلام :
والبيتُ يعرفه والحلُّ والحرمُ هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
إلى أن قال :
طابت مغارسُهُ والخِيمُ والشيمُ مشتقة من رسول الله نبعته
كفرٌ ، وقربهم منجىً ومعتصمُ من معشرٍ حُبّهم دينٌ ، وبغضهمُ
في كلِّ بدءٍ ومختوم به الكلمُ مقدّم بعد ذكر الله ذكرهمُ
ويُستربُّ به الإحسان والنِّعمُ يستدفع الشرّ والبلوى بحبّهم
(ديوان الفرزدق 2 : 178 ـ 181 ، دار صادر ـ بيروت . وشرح الديوان | ايليا حاوي 2 : 353 . ورجال الكشي : 13 | 207 . وحلية الاَولياء 3 : 139 )


3 ـ الكميت بن زيد الاَسدي (ت | 126 هـ) :
قال في مطلع قصيدته البائية من (الهاشميات) :

ولا لعباً منّي وذو الشوق يلعبُ طربتُ وما شوقاً إلى البيض أطربُ
إلى أن قال :
إلى الله فيما نالني أتقرّبُ ولكن إلى النفر البيض الذين بحُبّهم
إلى كنفٍ عطفاه أهلٌ ومرحبُ خفضتُ لهم منّي جَنَاحي مودّةٍ
ترى الجور عدلاً أين لا أين تذهبُ (1) فقل للذي في ظلِّ عمياء جونةٍ
ترى حبّهم عاراً عليَّ وتحسبُ بأيِّ كتابٍ أم بأية سُنّةٍ
ومالي إلاّ مشعب الحق مشعبُ فمالي إلاّ آل أحمد شيعة
(2)ومن بعدهم لا مَن أُجلّ وأرجبُ ومَن غيرهم أرضى لنفسي شيعة
بقولي وفعلي ما استطعت لاَجنبُ فإنّي عن الاَمر الذي تكرهونه
ألا خاب هذا والمشيرون أخيبُ يشيرون بالأيدي إليَّ وقولهم
وطائفة قالوا مسيء ومذنبُ فطائفة قد كفّرتني بحبّكم
ولا عيب هاتيك التي هي أعيبُ فما ساءني تكفير هاتيك منهم
(3)تأوّلها منّا تقيّ ومُعربُ وجدنا لكم في آل حاميم آية
(4)وفيهم خِباء المكرمات المطنّبُ أُناسٌ بهم عزّت قريش فأصبحوا
___________
1) الجونة : السوداء ، أي الفتنة المظلمة .
2) أرجب : أهاب وأعظّم .
3) الآية هي آية المودة، والتقي : الذي يتقي الخوض في الامور ويلتزم السكوت ، والمعرب : المبين .
4) الهاشميات | الكميت : 25 ـ 38 ، مؤسسة الاَعلمي ـ بيروت .



4 ـ السيد الحميري (ت | 173 هـ) : قال في ولاء أهل البيت عليهم السلام وحبّهم :

ديناً ومن يحبّهم يستوجبِ إنّا ندين بحبّ آل محمدٍ
بدلاً بآل محمد لا يُحببِ منّا المودّة والولاء ومن يُرد
(1)حوض الرسول وإن يرده يُضربِ ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد
وقال أيضاً :
وليست صلاتي بعد أن أتشهّدا تتمّ صلاتي بالصلاة عليهم
وأدعو لهم رباً كريماً ممجّدا بكاملةٍ إن لم أصلِّ عليهم
مدى الدهر ما سُمّيت يا صاح سيدا بذلتُ لهم ودّي ونصحي ونصرتي
(3) أحقُّ وأولى فيهم أن يُفنّدا على صدق ودّهم (2)وإنّ امرءاً يلحى
وقال مبيّناً أحد آثار مودّة أمير المؤمنين عليه السلام :
تلقّاه بالبشرى لدى الموت يضحكُ أحبُّ الذي من مات من أهل ودّه
فليس له إلاّ إلى النار مسلكُ ومن مات يهوى غيره من عدوه
وإنّي بحبلٍ من هواك لمُمسكُ أبا حسن إنّي بفضلك عارفٌ
فإنّا نعادي مبغضيك ونتركُ وأنت وصيّ المصطفى وابن عمّه
(4)وقاليك معروف الضلالة مشركُ مواليك ناجٍ مؤمن بيّن الهدى
________
1) الغدير في الكتاب والسُنّة والاَدب | العلاّمة الاَميني 2 : 213 ـ 214 ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ط5 .
2) أي يلوم ويعذل ، أو يقبّح ويلعن .
3) الغدير 2 : 215 .
4) أمالي الطوسي 1 : 48 . ورجال الكشي : 287 | 506 . وكشف الغمة 1 : 141 .



5 ـ سفيان بن مصعب العبدي ، (من أعلام القرن الثاني) :

أهل الفضائل والمناقبْ آل النبي محمدٍ
والمنقذون من اللوازبْ المرشدون من العمى
السابقون إلى الرغائب الصادقون الناطقون
حمن في القرآن واجب فولاهمُ فرضٌ من الر
(1)فوقه ناجٍ وناكب وهم الصراط فمستقيم
وقال أيضاً :
يا آل طه وآل صادِ يا سادتي يا بني علي
خلائف الله في البلادِ من ذا يوازيكم وأنتم
يهدي بها الله كلّ هادِ أنتم نجوم الهدى اللواتي
عمري وفي بغضكم أُعادي لازلت في حبّكم أُوالي
إياكم وهو خير زادِ وما تزوّدت غير حبّي
في عرصة الحشر اعتمادي وذاك ذخري الذي عليه
(2)يشنأكم اعتقادي ولاكم والبراء ممّن

____________
1) الغدير 2 : 305 .
2) الغدير 2 : 317 .



6 ـ أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي (ت | 204 هـ) :
قال في مودة أهل البيت عليهم السلام :
فرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ يا آل بيت رسول الله حُبّكم
(1)من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له يكفيكم من عظيم الفخر أنكم
وقال :
ما الرفض ديني ولا اعتقادي قالوا ترفّضت قلت كلا
خير إمامٍ وخير هادِ لكن توليت غير شكّ
(2)فإنّ رفضي إلى العبادِ إن كان حبّ الولي رفضاً
وقال أيضاً :
واهتف بقاعد خيفها والناهضِ يا راكباً قف بالمحصّب من منى
فيضاً كمُلتطم الفرات الفائضِ سَحَراً إذا فاض الحجيج إلى منى
(3)فليشهد الثقلان أنّي رافضي إن كان رفضاً حبّ آل محمد
وقال :
سطرين قد خطّا بلا كاتبِ لو فتّشوا قلبي لاَلفوا به
(4)وحبّ أهل البيت في جانبِ العدل والتوحيد في جانبٍ
وقال :
فذلك ذنبٌ لست عنه أتوبُ لئن كان ذنبي حبّ آل محمد
(5)وبغضهم للشافعيّ ذنوبُ هم شفعائي يوم حشري وموقفي
_________________
1) ديوان الشافعي : 72 ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
2) ديوان الشافعي : 35 .
3) ديوان الشافعي : 55 .
4) ينابيع المودة 3 : 351 .
5) ينابيع المودة 3 : 48 ـ 49 | 64 .




7 ـ دعبل بن علي الخزاعي (ت | 246 هـ) :
قال في تائيته المشهورة التي أنشدها بمحضر الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ومطلعها :
نوائحُ عُجم اللفظ والنطقاتِ تجاوبن بالاِرنان والزفراتِ
وقال في غيرها :
عليكم سلام دائم النفحاتِ فيا وارثي علم النبي وآله
أحبّاي ما عاشوا وأهل ثقاتِ ملامكَ في آل النبي فإنّهم
على كلِّ حالٍ خيرة الخيراتِ تخيرتهم رشداً لاَمري فإنّهم
وسلّمت نفسي طائعاً لولاتي نبذتُ إليهم بالمودة صادقاً
وزد حبّهم ياربِّ في حسناتي فياربّ زدني من يقيني بصيرةً
وأهجر فيكم أُسرتي وبناتي أحبّ قصيّ الرحم من أجل حبّكم
فغير بعيدٍ كلّ ما هو آتِ فيانفس طيبي ثمّ يا نفس أبشري
(1)حياةً لدى الفردوس غير بتاتِ فإنّي من الرحمن أرجو بحبّهم
وقال في غيرها :
(2)شغلٌ عن اللذّات والقِيناتِ في حُبّ آل المصطفى ووصيّه
(4)أزكى وأنفع لي من القُنياتِ بحبّ آل محمد (3) إنّ النشيد
فيهم قلباً حشوتَ هواهُ باللذاتِ فاحشُ القصيدَ بهم وفرّغ
(5)في حُبّه تَحلُل بدار نجاةِ واقطع حِبالة من يُريد سواهمُ
____________
1) ديوان دعبل : 141 ـ 146 ، دار الكتاب اللبناني ـ بيروت .
2) القِينات : جمع قينة ، وهي الاَمة المغنية .
3) في لسان الميزان : اليسير .
4) القُنيات : ما اكتسب من مال ونحوه .
5) ديوان دعبل : 146 . ولسان الميزان 2 : 431 .




8 ـ أبو الفتح كشاجم (ت | 360 هـ) :
قال في حبِّ أهل البيت عليهم السلام :
وكان سواكم هجاء الهجاء طهرتم فكنتم مديح المديح
إذا ما دعيتُ لفصل القضاء قضيتُ بحبّكم ما عليَّ
تساقطُ عنّي سُقوطَ الهباءِ وأيقنتُ أنّ ذنوبي به
(1)صلاةً توازي نجوم السماءِ فصلّى عليكم إله الورى
وقال في حبِّ أمير المؤمنين عليه السلام :
وطهارة بالأصل مكتفلهْ حبّ الوصيّ مبرّة وصلهْ
(2)حبّاً ويجهل حقّه الجهلهْ والناس عالمهم يدين بهْ
____________
1) الغدير 4 : 16 .
2) الغدير 4 : 17 .