قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [الكهف: 94]

سؤال بخصوص (يأجوج و مأجوج) من هم؟


ومن أي الأقوام هم؟

وهل هم من البشر و تمت الإشارة إليهم بهذا المصطلح؟

أم هم مخلوقات أخرى؟

و ما قصتهم و متى يظهرون؟

وما هو تأثير ظهورهم على الساحة الزمانية و المكانية ..؟؟

الجواب: في مرويات أهل السنة وكذا في شروحات التوراة والإنجيل هناك الكثير من الأقاويل التي تقرب من الخرافات والأساطير عن يأجوج ومأجوج وسأعرض لبعضها لاحقاً، ولكن جميع هؤلاء يتفقون على أن يأجوج ومأجوج هم من علامات القيامة ونهاية العالم، وقد انسابت هذه المرويات إلى الثقافة العامة حتى عدّهم البعض من علامات ظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه، وبالرغم من أني لم أجد رواية صحيحة من مدرسة أهل البيت عليهم السلام يمكن الاعتمادعليها للربط بينهم وبين علامات الظهور أو علامات القيامة، اللهم إلا رواية وردت في تفسير القمي جاء فيها: إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وياكلون الناس.[1]

إلا أن ورود القصة في القرآن الكريم وربطها سياقاً مع أحداث مستقبلية وكونها قريبة مما سماه القرآن الكريم بالوعد الحق يجعلني أتوقف توقف المتأمل فيها، والباحث عن مكنوناتها، لأن هذا الاقتراب قد يكون المقصود به أحداث ما قرب الظهور الشريف.

وبعيداً عما جاء في روايات القوم فقد طرح الموضوع في القرآن الكريم ضمن قصة ذي القرنين بقوله تعالى: {حتى إذا بلغ بين السدينوجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، قالوا: يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً}[2] وقد جاء الحديث عن يأجوج ومأجوج من بعد موضعين قد بلغهما ذو القرنين الأول أطلق عليه القرآن الكريم موضع مغرب الشمس والآخر سماه بمطلع الشمس، مما يجعل موضع يأجوج ومأجوج خلف هذين الموضعين حتماً.

وحتى نعرف موضع يأجوج ومأجوج المشار إليه في القرآن الكريم لا بد لنا من الوصول إلى الموضعين الآخرين، وفي تصوري أن هذه القصة بأبعادها الجغرافية الثلاثية تمثل إعجازاً مذهلاً للقرآن الكريم، لأنها أشارت إلى مواضع كان من المحال معرفتها في زمن رسول اللهصلى الله عليه وآله، بل إن معرفة أن هناك موضعاً لمطلع الشمس ومغرباً هو بحد ذاته يمثل معجزة للكتاب الكريم، ولقد بقي موضع مطلع الشمس على الأقل سرّاً من الأسرار إلى فترة قريبة جداً، إذ كان المعتقد ـ لو حذفنا الأساطير والخرافات هنا ـ على نطاق واسع بين المفسرين أن حديث الآيتين يشير إلى حالة الغروب والشروق في مكان ما على هذه الأرض، دون تشخيص كون الآية تشير إلى موضع تبتدأ الشمس منه طلوعها وآخر تنتهي إليه الشمس في غروبها، ولربما كان الفضل يعود للإحتفال بالألفية الثانية والذي جعل العالم يراقب أول إطلالة للشمس في يوم 112000 وهي أول اطلالة للشمس في القرن الواحد والعشرين، فلولا ذلك لما عرفنا سر هذه الآية العجيبة والتي كان المفسرون قد تمحّلوا فيها تمحلاً شديداً، ولبقي الحديث بعيداً عن عالم الجغرافية.

وعلى أي حال فمن الواضح أن الحديث عن مغرب الشمس يعني أنها آخر منطقة تغرب عنها الشمس في العالم، كما أن مطلع الشمس يشير إلى أول منطقة تبزغ فيها الشمس في العالم، وقد خصّ القرآن الكريم الموضع الأول بالقول: {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً}[3]فيما خص الموضع الثاني بقوله تعالى: {حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً}[4]ونلاحظ في الحديثين تفصيلاً عن المنطقتين إن في المجال الجغرافي والتضاريسيي، أو في المجال الحضاري والاجتماعي، لأن المتحدث حينما يتحدّث بتفصيل عن منطقة ما وجماعة ما، يعني معرفته بها وإلمامه بما يجري فيها. مما يؤكد أن الطرح القرآني هنا في صدد التعريف بمنطقة محددة، وليس مجرد الحديث عن غروب الشمس في عين حمئة.

ومن حيث المبدأ فإن الحديث بهذه الطريقة يعرب عن إشارة القرآن إلى مناطق ثلاثة محددة المعالم ذكرت في مجال مترابط وضمن سفرة واحدة لذي القرنين، وقد ربط اثنين منها بواقع طلوع الشمس وغروبها، فيما تحدث عن المنطقة الثالثة المتعلقة بيأجوج ومأجوج بأوصاف تضاريسية مختلفة، مما يعطينا المجال للقول بأن هذا خط السير في هذه السفرة يعرب عن أن منطقة مغرب الشمس هي الأقرب إلى منطقة انطلاق ذو القرنين، ثم تليها منطقة مطلع الشمس، ومن بعدهما تأتي منطقة يأجوج ومأجوج، وهذا بدوره يشير إلى أن منطقة انطلاق هذا العبد الصالح مطلة على البحر حكماً بالشكل الذي نجد فيه حركة الإبحار الواسعة هذه، وبالتالي يستبعد حديث بعض المفسرين والمؤرخين بأنه كان أحد ملوك الفرس او الأتراك أو ما إلى ذلك، لوضوح أن البحر كان بعيداً عنهم وعن حركتهم.

على أي حال أتصور أن أمام مهمة تحديد هذه الأماكن لا بد من أن نذعن إلى حقيقة أن الأماكن التي تصلح كي تكون مطلعاً للشمس ومغرباً لها لا يمكن أن تكون أبعد من خط الإستواء، لأن المناطق الواقعة على هذا الخط يتساوى فيها الليل والنهار تقريباً في كل أيام السنة، مما يمكن معه رصد المطلع والمغرب بشكل دقيق، لأن ثبات حركة الشمس فيهما تختلف عن المناطق التي تشهد تبايناً بين مدد النهار والليل وفقاً للفصول التي تمر بها، وكلما ازدادت حالة التساوي بين الليل والنهار كلما نكون قد اقتربنا من تشخيص المنطقة المطلوبة، وقد بات بإمكان التقنيات المعاصرة أن تحدد أول لحظة تطل بها الشمس على الأرض، وآخر لحظة تغرب بها لتكون هذه المنطقة تحديدياً هي مطلع الشمس ومغربها، ولعل إعلان دولة كريباس في يوم 1|1|2000 من أنها هي أول منطقة في الأرض أطلّت فيها شمس الألفية الثالثة ما يقطع الجدل في كونها هي أقرب المناطق إلى مطلع الشمس إن لم تك هي تحديداً، خصوصاً وأن الآية الكريمة تحدثت عن وجود قوم لدى مطلع الشمس، ولذلك فمطلع الشمس ليست مجرد منطقة على سطح البحر، وما يحتاجه للتيقن في هذا المجال أن تكون أراضيها مسطحة دون تضاريس مانعة لرؤية الشمس وهو مقتضى قوله تعالى عن القوم الذين يحيون فيها: (لم نجعل لهم من دونها ستراً)، ولم تشر الآية الكريمة إلى وجود أي نمط حضاري معقد في تلك المنطقة، بل ربما أوحت إلى أن الذين يعيشون عليها كانوا أقرب إلى البداوة منهم إلى شيء آخر، وهو أمر سنجد ما يعاكسه اثناء الحديث عن المنطقة الثانية (مغرب الشمس)، ومن خلال مراجعة جغرافية دولة كريباس أو ما يعرف بكريباتي والتي تقع على خط الاستواء في عمق المحيط الهندي متوسطة تقريباً ما بين قارات آسيا واستراليا وأمريكا الجنوبية نلاحظ أن هذه الدولة هي مجموعة جزر أشبه بالمسطحة التي لا تعلوها اي تضاريس تعلو بها عن مستوى الأرض العادية بالشكل الذي يجعلنا نطمئن أن حديث القرآن الكريم ربما عنى هذه المنطقة تحديداً، والمذهل هنا أن هذه الجزر الموغلة في أعماق المحيط والتي لم تكتشف إلا صدفة من قبل بحاري المستعمرات كيف تأتى للقرآن الكريم أن يتضمن الإشارة إليها لو لم يك كتاب وحي لايأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.

أما المنطقة الثانية التي أشير إليها بمصطلح مغرب الشمس، فيجب أن نتلمسها في منطقة مقاربة للمنطقة التي سبق أن تحدثنا عنها، ولكن يجب أن تكون أقرب من حيث المسار الجغرافي إلى منطقة انطلاق ذي القرنين، لأنها هي المنطقة الأولى في حركته، ومن مجموع آياتها يظهر أنها أقرب إلى التجمعات البشرية الحضارية، لأن الحديث عن الظلم وعن العمل الصالح الوارد في الآية الكريمة يشير إلى أن المنطقة ممن بلغتها الأديان، والذي بمقتضاه طلب من ذي القرنين أن يعذب أو يحسن، مما يجعلها على ممر حركة السفن التجارية أو أنها أقرب إلى الحواضر البشرية الكبيرة، ولكنها يجب أن تكون قريبة من خط الاستواء لخصوصية تساوي الليل والنهار المطلوبة في ذلك.

والحديث عن العين الحمئة في الآية الكريمة إما أن يشير إلى المظهر بمعنى أن يكون مغيب الشمس يقترن بانعكاس الضوء على البحر، بحيث يبدو البحر وكأنه عين حمئة ـ أي طينية ستميل إلى السواد ـ أو أن المنطقة فيها عيون بركانية من النمط الذي يختلط فيه الطمي البركاني مع التربة مع الماء لتشكل ما يعبر عنه Mud Volcanoولكن الأخذ بهذا الاحتمال يقتضي التحدث عن جزر بركانية أو أنها واقعة على الخطوط البركانية في المنطقة، وهو ما يجعل الأمر أشبه بالمستبعد، اللهم إلا أن تكون هذه الجزر كبيرة نسبياً بحيث أن الحدث البركاني أو الزلزالي لا يؤدي إلى غمرها بالماء واندثار آثارها بتقادم الزمن، والقرآن الكريم حينما أشار إلى هذه المنطقة إنما أشار إلى منطقة تتوافر فيها عناصر البقاء حتى مع تقادم الزمن، لأنها احدى الشواهد على حجية القرآن الكريم، وما نستظهره أن المقصود هو الإنعكاس الضوئي على المحيط والذي يؤدي بدوره إلى تحول شكل المحيط وكأنه بركة طينية، وما يقرب ذلك هو أن الحديث هنا عن الشمس أصلاً، ولذا فإن ضوؤها هو المعني بذلك.

ومثل هذا الوصف لا ينعدم في الكثير من الجزر المقابلة لمنطقة سرنديب أو سريلانكا المعاصرة من جهة عمق البحر، وهذه أنسب لأنها في طريق ذي القرنين إن كان قد جاء من جهة الغرب أي من المنطقة العربية وما يجاورها وأيضاً لأنها الأقرب إلى الحواضر البشرية الدينية، مما يجعلها تتطابق مع المواصفات المطروحة في القرآن الكريم، وعليه فإن جزائر المالديف وما يقرب منها هي المرشحة لمثل هذا الموقع، أولاً لأن غروب الشمس فيها يماثل ما طرحه القرآن الكريم، ويمكن مراجعة صور غروب الشمس في هذه المناطق والتي تبين لنا صورة العين الطينية بشكل واضح تماماً، ناهيك عن أن هذه الجزائر لعلها هي الوحيدة في المنطقة التي شهدت تجمعات بشرية وصلت إليها الديانات بشكل مبكر، كما وأن قربها النسبي من مناطق الكريباس يمكنه أن يوحي لنا باطمئنان كبير بأن هذه المنطقة هي المعنية دون غيرها والله أعلم.

إن تشخيص هاتين المنطقتين يجعلنا نتجه لما هو أبعد منهما مناطقياً في مجال تشخيص منطقة يأجوج ومأجوج، لوضوح أنه ذهب أبعد من ذلك حينما قال: {ثم أتبع سبباً}وحينما تحدث عن وصوله أشار إلى حضارة اجتماعية تهددها حضارة اجتماعية أخرى وتفصل ما بينهما جبال ولا يوجد من بعد هذه المناطق غير مناطق الهند الصينية ونفس الصين لكي تكون هي موضع بحثنا، لا سيما وأن كلمة جوج هي من المفردات المألوفة في اللغة الصينية وأخواتها، وتكرارها في الكلمتين يؤكد ذلك لأنها أيضا من أساليب اللغة الصينية، ويتأكد ذلك من خلال معرفة أن كلمة (مأ) تعني الحصان في الصينية (马) وكلمة (يأ) تعني القارة (洲) وكلمة (جوج) المشتركة في الكلمتين تعني كلمة شعب في الصينية (亚)، فيكون لدينا شعب الحصان أو الخيل أو أرض الخيول أو الأحصنة في كلمة مأجوج، وشعب القارة والتعبير ربما يرمي إلى الأرض الفسيحة، وقد قال بعضهم بأن الكلمة تعني آسيا، ولعله مناسب، ولكن علينا البحث أساساً عن أصول كلمة آسيا، وهل أنها كانت من الأسماء القديمة؟ بالرغم من أن الوثائق التاريخية تستخدم كلمة الصين بشكل مكثف، ولعل ما جاء في قوله تعالى في سورة الأنبياء: في وصف مستقبلهم بالقول: {وهم من كل حدب ينسلون}[5] ما يؤكد أن المراد هم بعض الصين المعاصرة وما يليها، لأنهم الشعب الأكثر عدداً في العالم مما يتطابق مع الآية الكريمة، وهذه في الواقع من معاجز القرآن الكريم التي نراها أمامنا اليوم، لأن العبارة القرآنية تشير إلى كثرة تناسلهم.

ومن الواضح أن هذا الوصف لا ينافي ما في مرسلة أبي يحيى الواسطي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : الدنيا سبعة أقاليم: يأجوج ومأجوج الروم والصين والزنج وقوم موسى وأقاليم بابل.[6] فلو صح الخبر فإن اعتبار الصين غير يأجوج ومأجوج يشير إلى مدى ما تمثله الصين في ذلك الزمان، وهي في تلك الزمنة أصغر بكثير مما تمثله اليوم.

وما من غرابة أن يستخدم القرآن الكريم مفردات لغوية من اللغات الأخرى لأن الثابت في القرآن الكريم هو استخدامه لألفاظ أجنبية من لغات متعددة وليس صحيحاً ما أشار إليه البعض بأن القرآن نفسه ينفي ذلك من خلاله توصيفه لنفسه بالقول {بلسان عربي مبين}[7]إذ أن عشرات الإستخدامات القرآنية لمفردات لغوية من لغات أخرى هي من الحقائق الثابتة، فمن الأسماء نلاحظ كلمة موسى وعيسى وإلياس وداود وما إلى ذلك من أسماء ليست عربية، ومن الكلمات يمكننا ملاحظة مشكاة والفردوس وأبابيل وسجيل وما شاكلها من كلمات لا أصل عربي لها، وهي لا تقدح قطعاً بعربية القرآن، فهذه الكلمات هي سفيرة لغة القرآن إلى الأقوام المختلفة، وتؤكد انفتاح الإسلام على حضارات الآخرين واستيعابه لها.

وعليه فإن يأجوج ومأجوج هم شعوب كبقية شعوب العالم، وما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام بسند ضعيف عامي عن ابن عباس قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الخلق، فقال: خلق الله ألفاً ومائتين في البر، وألفاً ومائتين في البحر، وأجناس بني آدم سبعون جنساً، والناس ولد آدم ما خلا يأجوج ومأجوج.[8] لا يمكن التعويلعليه إن كان المراد بأنهم ليسوا من البشر، وأنهم خلق آخر، فالخلق كما بيّن القرآن الكريم هم الجن والإنس، وما من ريب أن القرآن الكريم لا يتحدث عنه كونهم من الجن لأن الحديث عن الردم وما إلى ذلك لا يمكن أن يتناسب مع الحديث عن الجن، فالجن لا يتوقفون عند سد أو ردم، لأنهم مخلوقات جبلت على تخطي ذلك، كما لا يخفى، مما يتعين كونهم من الإنس، ولكن هناك كلام في شأن عائدية كل الخلق إلى آدم الذي يرد ذكره في التوراة ويشار عبره إلى حصر عمر البشرية ببضع آلاف من السنين، إذ من الثابت واقعياً أن عمر الإنسان على هذه المعمورة يتجاوز الملايين من السنين، وحديث الإمام الباقرعليه السلام كما ورد في صحيحة عن محمد بن مسلم يؤكد على ذلك قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لقد خلق الله عز وجل في الأرض منذ خلقها سبعة، عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض، فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله عز وجل آدم أبا هذا البشر وخلق ذريته منه.[9]

أما ما ورد في بعض الروايات العامية من وصف أسطوري لهم هي من أكاذيب الرواة أو من حكايات الكهنة التي تناقلها هؤلاء ونسبت لرسول الله صلى الله عليه وآله زوراً وكذباً، ومنها ما رواه أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله: ان يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ليحفرن السَّدَّ كُلَّ يَوْمٍ حتى إذا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قال الذي عَلَيْهِمُ ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَداً فَيَعُودُونَ إليه كَأَشَدِّ ما كان حتى إذا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ الله عز وجل ان يَبْعَثَهُمْ إلى الناس حَفَرُوا حتى إذا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قال الذي عَلَيْهِمُ ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَداً ان شَاءَالله وَيَسْتَثْنِى فَيَعُودُونَ إليه وهو كَهَيْئَتِهِ حين تَرَكُوهُ فَيَحْفِرُونَهُ وَيَخْرُجُونَ على الناس فَيُنَشِّفُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنَ الناس منهم في حُصُونِهِمْ فَيَرْمُونَ بِسِهَامِهِمْ إلى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ وَعَلَيْهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ فَيَقُولُونَ قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَبْعَثُ الله عليهم نَغَفاً في أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بها فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده ان دَوَابَّ الأَرْضِ لَتَسْمَنُ شَكَراً من لُحُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ.[10]

ومنها حديث النواس بن سمعان: فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ على بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فيها وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لقد كان بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ.[11]

وقد أشير إليهم في أحداث ما قبل يوم القيامة ضمن أحاديث الفتن وأشراط الساعة في كتب أهل السنة التي أكثرت من الحديث عنهم ووضعهوها ضمن أحداث ما بعد عيسيى عليه السلام، ولكن يلاحظ أن هذه الأحاديث تتفق من حيث الأصل مع حديث لأبي سعيد الخدري رواه ابن ماجة، ولم يضعه ضمن سياق أحداث عيسى عليه السلام بل جعله حديثاً متعلقاً بزمن مفتوح قال: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال تُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فَيَخْرُجُونَ كما قال الله تَعَالَى وَهُمْ {من كل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ}فَيَعُمُّونَ الْأَرْضَ، وَيَنْحَازُ منهم الْمُسْلِمُونَ، حتى تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ في مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَيَضُمُّونَ إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَهُمْ حتى أَنَّهُمْ لَيَمُرُّونَ بِالنَّهَرِ فَيَشْرَبُونَهُ حتى ما يَذَرُونَ فيه شيئا فَيَمُرُّ آخِرُهُمْ على أَثَرِهِمْ فيقول قَائِلُهُمْ: لقد كان بهذا الْمَكَانِ مَرَّةً مَاءٌ وَيَظْهَرُونَ على الأرض فيقول قَائِلُهُمْ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الأرض قد فَرَغْنَا منهم وَلَنُنَازِلَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ حتى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَهُزُّ حَرْبَتَهُ إلى السَّمَاءِ، فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدَّمِ فَيَقُولُونَ: قد قَتَلْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ الله دَوَابَّ كَنَغَفِ الْجَرَادِ فَتَأْخُذُ بِأَعْنَاقِهِمْ فَيَمُوتُونَ مَوْتَ الْجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيُصْبِحُ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسْمَعُونَ لهم حِسّاً.[12] ومن الواضح أن لا تعويل على مثل هذه الروايات، بالرغم من أنها تشير بشكل مجمل إلى حراك من قبل يأجوج ومأجوج في فتة متقدمة من الزمان.

كما وقد أشير إليهم في أحداث ما قبل نهاية إسرائيل في سفر حزقيل من التوراة بحديث مطول استغرق الإصحاح الثامن والثلاثين، والتاسع والثلاثين من هذا السفر، ومجمله أن ياجوج ومأجوج سيهجمون حتى يصلوا إلى إسرائيل ضمن وصف ملحمي هائل ويشار فيه إلى حرب طاحنة قال: ألست في ذلك اليوم، حين يسكن شعبي إسرائيل في أمن، تذهب فتأتي من مكانك، من أقاصي الشمال، ومعك شعوب كثيرة، كلها من راكبي خيل، جمع عظيم وجيش كثير، وتصعد على شعبي إسرائيل كغمام يغطي الأرض؟ إنك في آخر الأيام تكون، فآتي بك على أرضي، لكي تعرفني الأمم، حين أتقدس بك أمام عيونها، ياجوج. هكذا قال السيد الرب: ألست أنت الذي تكلمت عليه في الأيام القديمة على ألسنة عبيدي أنبياء إسرائيل المتنبئين في تلك الأيام وطوال السنين بأني سأجلبك عليهم . ذلك اليوم، يوم يأتي جوج على أرض إسرائيل، يقول السيد الرب، يطلع سخطي في أنفي وفي غيرتي ونار غضبي تكلمت: ليكونن في ذلك اليوم ارتعاش عظيم على أرض إسرائيل، فيرتعش من وجهي سمك البحر وطير السماء ووحش الحقول وجميع الزحافات التي تدب على الأرض وجميع البشر الذين على وجه الأرض، وتندك الجبال وتسقط منحدراتها، كل سور يسقط إلى الأرض، لكني أدعو السيف عليه في جميع جبالي، يقول السيد الرب، فيكون سيف كل رجل على أخيه، وأحاكمه بالطاعون والدم والمطر الهاطل وحجارة البرد، وأمطر النار والكبريت عليه وعلى جيوشه وعلى الشعوب الكثيرة التي معه.[13]

وهذا الوصف يتحدث لمرحلة ما بعد قيام دولة إسرائيل، وفيه وضوح لمعركة شرسة ستجري مع الشعوب التي تنحدر من ياجوج ومأجوج.

وبطبيعة الحال لا يمكن التعويل على ذلك، غير أن حديث أهل البيتعليهم السلام الصحيح عن نشوب حرب عالمية كبرى سيذهب بها ثلثا الناس قبل ظهور الإمام المنتظر عجل الله فرجه وفي الأحداث المنبئة عن فجره لا يمكن تصورها من دون مشاركة هؤلاء في الثلثين، وفي واقعنا المعاصر لايمكن تصور حدوث حرب عالمية كبرى لا اشتراك فيها للصين والشعوب المغولية التي تنضوي تحت يافطة يأجوج ومأجوج، كما أن طبيعة الأسلحة المستخدمة المعاصرة تقترب من حديث أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال عن الموت الأبيض والموت الأحمر وقد شرحنا بالتفصيل المراد منهما في الجزء الثاني من كتابنا علامات الظهور، على أن وصف التوراة لهذه الأسلحة أيضا مقارب أيضاً لما ورد.

ولم أجد رواية من مصادرنا الموثوقة تشير إلى وقت محدد لخروج هؤلاء، غاية ما في الأمر رواية رواها علي بن إبراهيم في تفسيره إلا أنها مبهمة في مصدرها، فما قبلها كانت رواية صحيحة عن الصادقين عليهما السلام، وهذه الرواية صدّرها بقوله قال، من دون أن يشخّص من هو الذي قال، فهل هو محمد بن مسلم صاحب الرواية السابقة وبه ستكون الرواية صحيحة، أو وقع تصحيف في كلمة قال بدلاً من قالا، ويترتب عليها نفس ما ترتب على ما قبلها، أو أنه من كلام علي بن إبراهيم، مع أنه في موضع مغاير ذكرها مرسلة وكأنها مروية عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه،[14] ولكن على أي حال جاء فيه في تفسير قوله تعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون}قال: إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون الناس.[15]

ومن الواضح هنا أن عبارة أكلهم للناس يعني كثرتهم ومزاحمتهم أو لطبيعة حروبهم وما ستأكل من الناس، ولا يقصد به ما توهمه بعضهم بان غذاءهم هو لحوم الناس.

هذا ما عنّ لنا توضيحه ضمن هذه العجالة من الوقت.