بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله:
«إنّ المؤمن ليدرك بحسن خُلُقه درجة قائم الليل وصائم النهار»
وورد عنه أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ما من شيء أثقل في الميزان من خُلُق حسن»
ونقرأ في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قوله:
«أكثر ما يدخل الناس الجنّة تقوى الله وحسن الخُلُق»
إنّ ما يستفاد من مجموع الأخبار ـ أعلاه ـ بشكل واضح وجليّ، أنّ حسن الخُلُق مفتاح الجنّة، ووسيلة لتحقيق مرضاة الله عزّوجلّ، ومؤشّر على عمق الإيمان، ومرآة للتقوى والعبادة .. والحديث في هذا المجال كثير جدّاً
ورد في تفسير الميزان عن قوله تعالى: { وإنك لعلى خلق عظيم }
الخلق :هو الملكة النفسانية التي تصدر عنها الأفعال بسهولة وينقسم إلىالفضيلة وهي الممدوحة كالعفة والشجاعة، والرذيلة وهي المذمومة كالشره والجبن لكنه إذا أُطلق فهم منه الخلق الحسن
والآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والإغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك، وقد أوردنا في آخر الجزء السادس من الكتاب ما روي في جوامع أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم. 00 انتهى
قال - صلى الله عليه وآله - :
" لقد أدبني الله فاحسن تأديبي "
و قال الامام الصادق - عليه السلام - :
" ان الله عز وجل أدب نبيه فاحسن أدبه ، فلما أكمل له الأدب قال : " و انك لعلى خلق عظيم "
ومن تأكيد الله ان الرسول " على " خلق عظيم يتبين انه - صلى الله عليه وآله - ما كان يتكلف الاخلاق ، و لا كانت عرضية تأتي و تزول ، بل هي سجايا و ملكات اختلطت بكيانه فلا تفارقه و لا يفارقها ، و ذلك من أفضل ما يصير اليه بشر في الاخلاق . وإنمابلغ النبي تلك العظمة و المكانة الرفيعة لانه جسد الدين في حياته ، قال الامام الباقر - عليه السلام - في قول الله : " الآية " : " هو الاسلام "، و قال : " على دين عظيم " ، إذن فالطريق الى العظمة موجود في القرآن ، ومن أرادها فانها ثمرة تطبيقه .
و روى البرقي عن احد الائمة - عليه السلام - :
" ان الله تبارك و تعالى أدب نبيه فأحسن تأديبه ، فقال : " خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين " فلما كان ذلك أنزل الله " إنك لعلى خلق عظيم "
، و هذه بعض اخلاقه - صلى الله عليه وآله - :
( كان رسول الله حييا لا يسأل شيئا إلا أعطاه )، و كان يقول لاصحابه :
( لا يبلغني أحد منكم عن اصحابي شيئا ، فاني أحب ان أخرج اليكم و أنا سليم الصدر ) ، و " كان أجود الناس كفا ، و أكرمهم عشرة ، من خالطه فعرفه احبه " ، " ، و ليس من خلق حسن إلا وكان الاسوة فيه - صلى الله عليه وآله - " بحيث اعترف له بذلك العدو و الصديق ، و المسلم و غيره.
و حيث ندرس حياة حبيب الله - صلى الله عليه وآله - فاننا نهتدي الى ان من أعظم أخلاقه وما يمكن لانسان ان يبلغه هو سعة الصدر ، التي كانت آلته للرئاسة بعد الاسلام ، و وسيلته التي استوعب بها الناس في الدين ، و ملك قلوبهم .. و فيهم العدو الحاقد ، و الجلف الصلف ، و الكافر الجاهل ، و المشرك الضال و .. و .. ، و إنها لأهم ما يحتاجه المصلحون من الاخلاق ، و لذلك مدحه رب العالمين بها و ثبت ذكرها بالذات في كتابه من دون سائر الاخلاق فقال : (ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك)
نموذج من أخلاق الرّسول
بالرغم من أنّ الإنتصارات التي تمّت على يد الرّسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت برعاية الله سبحانه وإمداده، إلاّ أنّ ذلك كان اقتراناً بعوامل عديدة أيضاً، ولعلّ أحد أهمّ هذه العوامل هو: سمو الأخلاق عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاذبيته الشخصية، إنّ أخلاقيته (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت من العلو والصفات الإنسانية السامية لدرجة أنّ ألدّ أعدائه كان يقع تحت تأثيرها كما أنّ مكارم الأخلاق التي أودعت فيه كانت تجذب وتشدّ المحبّين والمريدين إليه بصورة عجيبة.
وإذا ما ذهبنا إلى القول بأنّ السمو الأخلاقي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان معجزة أخلاقية، فإنّنا لا نبالغ في ذلك، كما سنوضّح لذلك نموذجاً من هذا الإعجاز الأخلاقي .. ففي فتح مكّة وعندما إستسلم المشركون أمام الإرادة الإسلامية، ورغم كلّ حربهم للإسلام والمسلمين وشخص الرّسول الكريم بالذات، وبعد تماديهم اللئيم وكلّ ممارساتهم الإجرامية ضدّ الدعوة الإلهية .. بعد كلّ هذا الذي فعلوه، فإنّ رسول الإنسانية أصدر أمراً بالعفو العامّ عنهم جميعاً، وغضّ الطرف عن جميع الجرائم التي صدرت منهم، وكان هذا مفاجأة للمقرّبين والبعيدين، الأصدقاء والأعداء، وكان سبباً في دخولهم في دين الله أفواجاً، بمصداق قوله تعالى: ( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً).
لقد وردت في كتب التّفسير والتاريخ قصص كثيرة حول حسن خُلُق الرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في عفوه وتجاوزه وعطفه ورأفته، وتضحيته وإيثاره وتقواه ... بحيث أنّ ذكرها جميعاً يخرجنا عن البحث التّفسيري .. إلاّ أنّنا سنكتفي بما يلي:
وجاء في حديث عن الحسين بن علي (عليه السلام) أنّه قال: سألت أبي أمير المؤمنين عن رسول الله كيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال: كان دائم البِشر، سهل الخُلُق، ليّن الجانب، ليس بفظّ، ولا غليظ ولا صخّاب، ولا فحّاش، ولاعيّاب، ولا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي، فلا يؤيّس منه ولا يخيب فيه مؤمّليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذمّ أحداً ولا يعيّره، ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلّم إلاّ في ما رجا ثوابه، إذا تكلّم أطرق جلساؤه كإنّما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلّموا، ولا يتنازعون عنده الحديث ...»
نعم لو لم تكن هذه الأخلاق الكريمة وهذه الملكات الفاضلة، لما أمكن تطويع تلك الطباع الخشنة والقلوب القاسية، ولما أمكن تليين اُولئك القوم الذين كان يلفّهم الجهل والتخلّف والعناد، ويحدث فيهم إنعطافاً هائلا لقبول الإسلام .. ولتفرّق الجميع من حوله بمصداق قوله تعالى:
( لانفضّوا من حولك).
وكم كان رائعاً لو أحيينا والتزمنا بهذه الأخلاق الإسلامية القدوة، وكان كلّ منّا يحمل قبساً من إشعاع خلق وأخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين الذين جسدوا أخلاقه وكانوا حملة للقرآن الكريم وجسدوا تعاليمه