بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..




هناك آيات قرآنية تشير الى جبروت الله وبطشه وشدة عقابه..
كقوله تعالى ((وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))البقرة : 196،
وقوله تعالى ((أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ))البقرة : 165،
وقوله تعالى ((إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ))هود : 102،
وقوله تعالى ((إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ))البروج: 12..
وغيرها كثير من الآيات التي تشعر بقوة العذاب وشدة البطش..


وبالمقابل هناك آيات أخرى تشير الى رحمة الباري عزّ وجلّ ولطفه ورأفته بعباده..
كقوله تعالى ((إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة : 143]،
وقوله تعالى ((إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود : 90]،
وقوله تعالى ((وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف : 92]،
وقوله تعالى ((وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [النور : 20]..
وغيرها كثير من الآيات المباركة التي تشعر من خلالها بالرحمة والعطف من قبل الباري عزّ وجلّ..


فهل انّ العبد عندما يرى القسم الأول من الآيات الكريمة يخافه حتى ييأس من الخروج من هذا البطش، وخاصة انّ هذا البطش هو بطش جبّار السماوات والأرض وليس أي بطش، أو انّ العبد يركن الى القسم الثاني من الآيات التي تشير الى الرحمة والرأفة واللطف التي ألزم الله تعالى بها نفسه فلا يظنّ انّ الله سيعاقبه أبداً..


وهل يعتبر هذا تناقض -والعياذ بالله- بأنّ الله سبحانه وتعالى شديد العقاب وأرحم الراحمين، فكيف يجتمع الأمران..


يتضح الأمر بمثال بسيط، لو نظرنا نظرة بسيطة الى حياتنا الواقعية فمثلاً على مستوى دائرة من الدوائر نرى انّ هناك قوانين تسيّر الموظفين، فمن يخالفها يعاقب وتكون هذه العقوبة تبعاً لحجم المخالفة زيادة ونقيصة، أما من سار على القانون وحافظ على مبادئ تلك الدائرة فانّه سيحصل على كتب شكر وثناء، فادارة الدائرة تكون من جهة تظهر بوجه المعاقب ومن جهة أخرى بوجه الشاكر، ولا نرى هناك تناقضاً أبداً في سيرها هذا..
إذن فالعقاب والثناء يكون تبعاً للشخص نفسه، إما أن يستحق العقاب أو الشكر..


هذا إذا كان يدار الأمر من قبل الممكن الناقص، فكيف بادارة الحكيم الكامل، الذي يعلم ما تخفي الصدور وما تعلن، وهو الذي لا يبخس أحداً شيئاً أبداً بل يزيد عليه من فضله لمن يشاء من عباده، حيث انّه يضاعف الحسنات ليطمع ويستميل العبد لما عنده من النعيم المقيم..


وهنا تبقى مسألة هل انّ العبد يخاف من ربّه الى حدّ اليأس من رحمته فيظنّ بأنّه لن يدخل الجنّة أبداً، أو أن يرجو من الله حتى يظنّ انّ الله سيدخله الجنّة ولا يعاقبه أبداً..


فاليأس من قبل العبد من رحمة الله تعالى أو الركون إليها من غير عمل فهذا ما لا يقبله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يريد من العبد أن يتأرجح بين الخوف والرجاء وأن يوازن بينهما من غير ترجيح أحدهما على الآخر، ونجد هذا المعنى بقوله تعالى ((وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ))الأعراف : 56، وقوله تعالى ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا))السجدة : 16، وكذلك أكدت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) على ذلك، منها وصية الامام الصادق (عليه السلام) الى عبد الله بن جندب البجلي الكوفي ((يا ابن جندب، يهلك المتّكل على عمله، ولا ينجو المجتري على الذنوب برحمة اللّه، قال : فمن ينجو ؟ قال : الذين هم بين الخوف والرجاء كأن قلوبهم في مخلب طائر، شوقاً إِلى الثواب وخوفاً من العذاب))،
وفي حديث عَنِ الحَارِثِ بْنِ المُغَيرَةِ أَوْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السَّلام قالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا كَانَ فِي وَصِيَّةِ لُقْمَانَ؟ قالَ: ((كَانَ فِيهَا الأَعَاجِيبُ وَكَانَ أَعْجَبَ مَا كَانَ فِيهَا أَنْ قَالَ لابْنِهِ: خَفِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خيفةً لَوْ جِئْتَهُ بِبِرِّ الثِّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ، وَارْجُ اللَّهَ رَجاءً لَوْ جِئْتَهُ بِذُنُوبِ الثِّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ. ثُمَّ قَالَ أبو عَبْدِ اللَّهِ ـ عَليه السّلام ـ كان أبِي يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إلاّ وَفِي قَلْبِه نُورَانِ نُورُ خَيفَةٍ ونُورُ رَجَاء، لَوْ وُزِنَ هذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هذَا وَلَوْ وُزِنَ هذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هذَا))..


وبعد كلّ هذا يتّضح الأمر جلياً، فهل نحن بين الرجاء والخوف..
وذكّر فانّ الذكرى تنفع المؤمنين وانّكم ان شاء الله تعالى من خيار المؤمنين..


والحمد لله ربّ العالمين