بسم الله الرحمن الرحيم
الَلهّمّ صَلّ عَلَىَ محمد وآل مُحَّمدْ الَطَيبيِن الطَاهرين الأشْرَافْ وَعجَّل فَرَجَهُم ياكريم.

حكمة الموت لجميع الأحياء
قال تعالى } كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ {[1] ، وقال أيضاً } كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {[2].
لا يشك أحد في أن الموت محتوم علينا جميعاً مهما طال بنا العمر، ومهما حرصنا على استمرار الحياة ولا ينفع الحذر عن الأجل وكفى بالأجل حارساً } قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ {[3] ، } أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ {[4] ، والحكمة في ذلك أنه لولا الموت لضاقت الأرض بالأحياء ونفد الطعام والماء والهواء واختلّ النظام في العالم، ومن سنة الحياة أن الإنسان إذا طال به العمر أخذ بالنقص في كل أعضائه وحواسه وعقله، وفقد لذة الحياة وتحولت حياته إلى أرذل العمر وصار عالة على المجتمع، ومشكلةً كبيرة ليس لها حل أو علاج إلا الموت.
مضافاً إلى أن النظرة الأصيلة إلى الحياة في كل الأديان وفي الإسلام هي أن الحياة ليست هي المقر الأخير للإنسان ـ كما أنها ليست المبدأ ولا المعاد، بل هي جسر يوصل بينهما ـ فلو درسنا كلاً من جزأي الإنسان لوجدنا أن جسده كما قال تعالى } مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى {[5] وأن روحه كما ورد في الخبر ” الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ” ، وبمقتضى التعبير القرآني المتكرر } إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {[6] ، } تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ {[7] ، } إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى {[8] ، } ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ {[9] ، وبمقتضى الأحاديث الشريفة أيضاً أن الأرواح أو النفوس مخلوقة قبل الأبدان في عالم آخر. فالنتيجة أن الإنسان لم يوجد ليبقى في هذا العالم ، بل ليمر منه إلى عالم أفضل وأكمل. الحكمة في مروره بهذا العالم هو الامتحان والاختبار كما ذكرنا قوله تعالى في البداية } الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {[10].
وسبب آخر أن الإنسان الكامل لا يستوفي رغبته الكاملة ولا يحقق أقصى أمانيه وأهدافه إلا بلقاء الله عز وجل فتلك الذروة العليا التي يبلغها الإنسان المتميز عن الحيوان. ولقاء الله لا يتحقق إلا بالموت والانتقال من هذه الدار الحقيرة الفانية إلى تلك الدار الآخرة.



--------------------
[1] سورة آل عمران ، الآية :185.
[2] سورة الرحمن ، الآية :26.
[3] سورة الأحزاب ، الآية :16.
[4] سورة النساء ، الآية :78.
[5] سورة طه ، الآية :55.
[6] سورة البقرة ، الآية :156.
[7] سورة البقرة ، الآية :281.
[8] سورة العلق ، الآية :8.
[9] سورة التوبة ، الآية :94.
[10] سورة الملك ، الآية :2.