ذاكرة المكان
الأسواق التراثية المطلة على شارع الرشيد
تزخر بغداد بأسواقها المعروفة والعريقة والمشهورة والتي لاتزال قائمة حتى اليوم ، ويقصدها الناس . جاء ذكر هذه الأسواق في كتاب جميل من الكتب المحفوظة على رفوف دار الكتب والوثائق ، وهو كتاب ( شارع الرشيد ) للكاتب والباحث باسم عبد الحميد حمودي .
ومماجاء فيه :
لعل بغداد قد استوفت من الاسواق المليئة بانواع البضاعات والسلع اكثر مما استوفتها مدن اخرى من نظيراتها في بلدان اخرى، يدلك على ذلك كثرة دكاكينها وما تحويه من صنوف المعروضات. وتطل على شارع الرشيد اسواق تراثية وهي:
( سوق الشورجة، سوق البزازين، سوق الصفافير، سوق الهرج، سوق الميدان) اذا ما استثنينا الاسواق الحديثة التي شيدت على جانبي الشارع في السنوات الاخيرة واشهرها السوق العربي المجاور لسوق الشورجة (مقابل البنك المركزي الحالي)، وقد لعبت هذه الاسواق جميعها دورا بارزا في الحياة الاقصادية البغدادية، ومازالت تتبوأ ذات المكانة التي تبوأتها هذه الاسواق قديما باستثناءات لاتكاد تذكر.
والواقع ان هذه الاسواق الخمسة تكاد تحتفظ بطابعها القديم من حيث طراز البناء والتشييد اذا ما استبعدنا ماطرأ على بعض معروضاتها من البضائع والسلع بحكم متطلبات الحياة الحديثة المتمخضة عن التطور الحضاري.
وننقل اليكم مقتطفات مما جاء في هذا الكتاب عن تلك الأسواق :
سوق الشورجة:-
يبتدئ سوق الشورجة المعروف في بغداد اليوم من جوار المدرسة المرجانية المعروفة بجامع مرجان على الجانب الايسر لشارع الرشيد قبالة سوق البزازين وشارع السموال ويأخذ السوق امتدادا عرضيا نحو الخلفاء (الجمهورية سابقا) الذي اخترقه عند انشائه من الموضع القريب من جامع الخلفاء المعروفة مأذنته بمنارة سوق الغزل، وتطل نهاية السوق على شارع الكفاح (شارع غازي سابقا) وبذلك يكون السوق التراثي العريق مطلا على ثلاثة شوارع هي:( الرشيد والخلفاء والكفاح).
وقد اختلف الباحثون في اصل تسمية (الشورجة) لما يكتنف هذه التسمية من غرابة لفظية فالبعض يقول ان الكلمة منحدرة من (شوركاه) أي محل الشورة او (الماء المالح) فيعتقد انه كانت في محلة شورجة بغداد في الزمن القديم بئر او بركة ماء من الماء المالح فحرفت إلى الشورجة، والبعض الاخر يقول ان اصل الاسم هو (شيرج) او (الشيرج) وهو دهن السمسم حيث كانت هناك عدة معاصر يديرها اليهود في منطقة الشورجة ببغداد، فالاسم اذن ينسب إلى الشيرجة او الشرجة التي حرفت إلى الشورجة.
سوق البزازين:
يواجه مدخل هذا السوق في الوقت الحاضر سوق الشورجة ويقع على الجانب الايمن من شارع الرشيد ويمد عرضيا ومتفرعا غربا حتى شارع النهر وكان يعرف هذا السوق قديما بسوق (الجوخجية) وتعرض فيه الاقمشة الحريرية والقطنية بمختلف صنوفها، كما تباع فيه الاقمشة من نوع الجوخ الصوف المستورد من الخارج اضافة إلى خام الشام.
ويرجع تاريخ سوق البزازين إلى ماقبل العصر العباسي، اذ كان جزء من سوق الثلاثاء القديم المعروف في التاريخ والذي يعتبر من اقدم اسواق الجانب الشرقي (جانب الرصافة) من بغداد ومما زاد من اهمية هذا السوق انه اصبح من اهم محلات بغداد الشرقية المكتظة بالسكان كما اعتبر هذا السوق سوقا جامعا لان فيه باعة دقاقين وخبازين وصانعي حلوى وكان يفتح ابوابه مرة واحدة في الشهر وفي يوم الثلاثاء فقط ومن هنا جاءت تسميته بسوق الثلاثاء.
سوق الصفافير:
يقع هذا السوق على الجانب الايمن لشارع الرشيد ومدخله يبتدئ من منطقة او محلة باب الاغا ويمتد عرضيا ايضا باتجاه الغرب ملتقيا بسوق البزازين، ويعتبر هذا السوق جزء من محلة سوق الصفافير وهي من محال الرصافة الشهيرة. وسوق الصفافير او (الصفارين) المختص بصناعة طرق النحاس وصناعته، من الاسواق التي تحتل مكانة اثيرة في نفوس البغداديين منذ زمن بعيد فهو الذي يضمن احتياجاتهم من الادوات المنزلية المتمثلة بالاواني النحاسية والقدور والطسوت والاباريق والصحون وقدور الملابس والمشارب والقروانات والصفرية ام العراوي واللكن.
سوق الهرج:
يطل سوق الهرج من جانبه الشرقي على شارع الرشيد ويقابل هذا المدخل ساحة الميدان المعروفة في باب المعظم ويفضي مخرجه الايسر إلى بناية السراي (القشلة) وموقع المصرف العقاري حاليا قبالة بناية مديرية شرطة محافظة بغداد، اما مخرجه الايمن فيتصل بسوق الميدان المطل على الساحة التي كانت تقوم فيها دائرة اسالة الماء القديمة.
والواقع ان هناك سوقين باسم (سوق الهرج) الاول وهو الكبير وكان يحادي دائرة الكمرك والمكوس (المدرسة المستنصرية) وكانت تباع فيه الاسلحة النارية والجارحة وقد سمي بالهرج دلالة على كثرة الازدحام فيه وتعالي الاصوات والتهريج للبيع والشراء.
اما سوق الهرج الصغير فهو المعني بهذا الحديث وهو السوق الذي يعرفه البغداديون حاليا دون سواه ويختص سوق الهرج اليوم ببيع (الخردة والسكراب
.سوق الميدان:
تقوم بقايا هذا السوق في باب المعظم ويقع مدخله قريبا من جامع الاحمدي المواجه لامتداد بناية وزارة الدفاع الحالية وكان هذا السوق مؤلفا من عدة اسواق منها سوق الميدان المتصلة بجامع (الاحمدية) وكانت تباع فيه الحاجيات من لحوم وخضراوات وحبوب واقمشة كما توجد فيه مخازن الرز والحنطة والشعير وكان سوق الهرج الصغير الذي تباع فيه الاثاث البيتية والمواد الخشبية المستعملة من ضمن سوق الميدان الواسع الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع الهجري اذ كان يصلح لان يكون ابتداء لسوق السلطان (باب المعظم الحالي) الممتد نحو الجنوب إلى محلة سوق السلطان وكانت هذه المحلة كبيرة جدا.