هذا الذي بين يديك أيها القارئ العزيز هو ترجمة ملخّص محاضرة سماحة الأستاذ علي رضا بناهيان في مجلس تأبين الشهيد خليلي، أحد مدافعي حرم السيدة زينب(س) في مسجد دار السلام بمدينة طهران.
اليقين بالموت مقدمة لعشق الشهادة/ هذا الذي لم يوقن بالموت لا يستطيع أن فكر بالشهادة
عندما نشاهد هذا التوفيق العظيم، أي توفيق الشهادة الذي حظى به بعض أولياء الله وأحباؤه، يتبادر ذهننا تلقائيا إلى بعض ذكريات أيام الدفاع المقدس. فقد كان المجاهدون في تلك الأيام يطوون مراحل مختلفة قبل الاستعداد للشهادة في آخر المطاف. وكانت أحدى هذه المراحل هي اليقين بالموت.
إن تصديق الموت ورؤية عظمته ومشاهدة هوان الدنيا ومحدودية مدة الحياة فيها مما كان يزيد المجاهدين يقينا بالموت. فعندما كانوا ينظرون إلى الدنيا إلى جانب حقيقة الموت، كانوا يستعدون للإقلاع عن الدنيا. وعندما كانوا ينظرون إلى الشهادة نسبة إلى الموت كانت تحلو لهم الشهادة، ولكن مقدمة كل هذه المراحل هي اليقين بالموت. فهذا الذي لم يوقن بالموت كان يقول: «لماذا يجب أن أذهب إلى الجبهات وأخاطر بنفسي وأضحي بروحي؟» فهذا الذي لم يوقن بالموت ما كان يستطيع بطبيعة الحال أن يفكر بالشهادة.
إن تفكروا بالموت قليلا يحدث لكم أمران جيدان
من المؤكد أن تمني الشهادة لا تعجل في موت الإنسان أو استشهاده. فإن أمير المؤمنين(ع) الذي كان دعاؤه مستجابا قد أفنى نصف قرن في طلب الشهادة، إذ منذ ترعرعه بين يدي النبي(ص) كان يتمنى الشهادة، ولكن لم ينل منيته إلا بعد مرور نصف قرن من تلك الأيام. حيث إن مجرد تمني الشهادة وكون الإنسان استشهاديا هو أمر قيّم بحد ذاته. أما السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو كيف قد نال مجاهدونا هذا المقام العظيم؟ والجواب هو أنهم أيقنوا بالموت إبتداء، فعندما أيقنوا بالموت، أخذوا يستعدون للشهادة شيئا فشيئا.
إن تفكروا بالموت قليلا، سيحدث لكم أمران جيّدان؛ الأول سقوط الدنيا من أعينكم وتفقد قيمتها في قلوبكم حتى وإن كنتم في مقتبل العمر وفي أيام الشباب. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظا»(الكافي/ج2/ص275). والثاني هو أن تقارنوا بين الموت والشهادة، وتخرجوا بعد ذلك بهذه النتيجة وهي إن كان لابدّ للإنسان من الموت، فيا حبذا لو كان موته شهادة. وهذا هو الذي كان يحصل لدى المجاهدين في أيام الدفاع المقدس.
لقد قال الله سبحانه: (أَیْنَما تَکُونُوا یُدْرِکْکُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ کُنْتُمْ فی بُرُوجٍ مُشَیَّدَةٍ)(النساء/78) وما يجدر بالانتباه هو أن الله قد ذكر هذه الآية خلال موضوع الجهاد. ومعناها هو أن لا تفروا من الحرب والجهاد مخافة الموت، فإن الموت بيد الله. وكأن الله أراد أن يقول: كلّ ما عليكم وبيدكم هو أن تختاروا نوع موتكم، وإلا فأصل الموت بيدي ولا يمكن تأجيل موتكم عبر الفرار من الجهاد، كما أن ذهابكم إلى القتال لا يقدم من موتكم شيئا.
فمن يرد أن يتأهل للشهادة لابد يحلّ قضية الموت لنفسه وإلا فلن ينال الشهادة بل يموت فقط! إذ هذا الذي قد حان وقت أجله ولم يتأهل للشهادة فإنه يموت ولن يتأخر أجله. (قُلْ لَوْ کُنْتُمْ فی بُیُوتِکُمْ لَبَرَزَ الَّذینَ کُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ)[آلعمران/154].
لقد بدأ الشهيد خليلي وصيته باعتقاد الموت
لقد كتب الشهيد خليلي في بداية وصيته: «بسم الله الرحمن الرحيم الذي لم يقصّر في حق عبده الحقير أبدا». وهذا النَفَس الشكور موجود في جلّ وصايا شهداء الدفاع المقدّس. وهذه النقطة هي الفارق بين الشهداء وغيرهم. من يستطيع اليوم أن يقول هذه الكلمة من صميم فؤاده؟! فنحن غالبا ما نسطّر نقائصنا لله! ولكن هذا الشهيد الجليل يقول: لم يقصر الله في حقّ عبده الحقير أبدا.
ثم ابتدأ هذا الشهيد العزيز وصيته باعتقاد الموت وقال: «بمقتضى الآية الشريفة كل نفس ذائقة الموت، لابدّ لجميع الكائنات أت تجرع شربة الموت والحياة الأبدية منحصرة في ذات الباري تقدس وتعالى. إن هذه الدنيا وما تنطوي عليه من جمال وأناس صالحين وأخيار هي محلّ عبور لا محل قرار وبقاء، ولابدّ للكل أن يذهبوا فهذا هو الطريق. قد يعجل بنا أو يأجل ولا فرق، أما يا حبّذا لو کان ارتحالنا رائعا». وهذا يعني اعتقاد الموت. لاحظوا أن هذه الكلمات تخرج من قلب شاب؛ حيث أمامه قائمة طويلة من الأماني والرغبات الدنيوية ولكنه وبالرغم من كلّ هذه الشهوات استطاع أن يتطبّع على حقيقة الموت. ولهذا كان يقول الإمام الخميني(ره): «هل رأيتم وصايا شبانكم وما هي من وصايا؟ إنه هذه الوصايا تهزّ الإنسان وتوقظه»[صحيفة الإمام(الفارسية)/ج16/ص13].
يتبع إن شاء الله...