بسم الله الرحمن الرحيمـ الارادة والقضاء والجعل التكويني = يشمل كل شيء الحسن والقبيح والحسناتوالسيئات .
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة : 124]
اقول : لنا مع هذه الاية اربع وقفات :
الوقفة الأولى : ( أنّ الامامة جعل من الله وعهد منه )
لأن الله تعالى قال في هذه الآية : ( إني جاعلك )، وكذلك عبر عن الامامة التي سألها ابراهيم لذريته بــ " عهدي " اذنالامامة جعل من الله وعهد منه لا يد للبشر فيها ولا شان لهم فيها فـ{ اللَّهُأَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام : 124] .
يذكر ان التعبير عن الامامة بشقيها الالهيةوالشيطانية جاء بصيغة الجعل وفي عدة ايات لا تخفى عليكم مما يثير سؤالا في النفسعن دلالة هذه الصيغة على التنصيب الذي ينفرد به شيعة اهل البيت "ع" ،بمعنى آخر : لو كانت هذه الصيغة تدل على حصر تنصيب الامام بالله فكيف استعملالتعبير ذاته لكن مع ائمة الضلال والكفر : فيقول القران مثلا :{وَجَعَلْنَاهُمْأَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ}[القصص : 41] ؟
لكن هذا السؤال لا يبقى عالقا اذا ما التفتنا الىالفرق بين الجعلين فجعل ائمة الهدى تشريعي منضما ومضافا للتكويني وفي المقابل جعلائمة الكفر تكويني فحسب فان الله يامر بالعدل والاحسان ولا يامر بالفحشاء والمنكربل على العكس ينهى عنهما{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِوَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِيَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل : 90]
وللتوضيح اكثر اقول :
ـ التشريعي : لا يقع الا على الحسن والعدل والقسط ولا يامر بالفحشاء ولايأمر الا بالقسط = اوامره ونواهيه تعبير عن ارادته ورضاه وقبوله ومحبوبية الفعل ،وعليه فالتفصيل : بين الحسن والقبيح والحسنة والسيئة فقط في التشريعي واما التكوينيفهو شامل لكل شيء .
وهذا امر واضح حتى لمثل ابن تيميةحيث قال في كتاب : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح :
وَالْجَعْلُ الْكَوْنِيُّ يَتَنَاوَلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى -: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41]وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا مَدْحَ لِلرَّهْبَانِيَّةِ بِجَعْلِهَا فِيالْقُلُوبِ فَثَبَتَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَدْحٌلِلرَّهْبَانِيَّةِ.
الوقفة الثانية : ( الامامة في الاية غير النبوة )
ثمة تصور خاطئ في البين يتمثل في دعوىان الامامة هي النبوة او الرسالة ، لكن بمجرد ان نلقي نظرة وتأمل خاطف سنجد سرعانما ينهار هذا التصور الساذج وذلك بملاحظة ما يلي :
اولا : ان " جاعلك " في الآيةاسم فاعل عامل في " اماما " ومعلوم ان اسم الفاعل لا يعمل الا اذا كانللحال او الاستقبال ، وهذا الجعل قد حصل بعد الابتلاء واتمام الكلمات لا قبله وإلافيكون الابتلاء زائدا لامعنى له . اذن فثمة منصب اخر اعطي لابراهيم بعد منصبالنبوة والرسالة وهو منصب الامامة كما سمته الاية صريحا .
ثانيا : ان هذا الخطاب من الله لابراهيم بنفسهيدل على ان ابراهيم نبي والا كيف خاطبه وكلمه واوحى اليه خصوصا اذا التفتنا الى اناسلوب الخطاب لا يشعر لا من قريب ولا من بعيد انه خطاب ابتدائيا .
فالخطاب الابتدائي كقوله تعالى مخاطبا موسى مثلا: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِيالْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَااللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص : 30]
او حينما خاطب نبينا ص : {اقْرَأْ بِاسْمِرَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : 1] .
فدل ذلك على ان ابراهيم عليه السلام كان نبيا قبلالخطاب .
ثالثا : ابراهيم عليه السلام اعطيالنبوة وهو فتى ولهذا قال تعالى : {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُلَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء : 60]
والاية التي نصت على امامته جائت بعد ان وضعفي النار وبعد الابتلاءات التي ابتلي بها واتمها ونجح فيها . والتي ايضا كانمنها ذبح ابنه اسماعيل الذي عبر عنه تعالى بقوله {إِنَّ هَذَالَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات : 106]
رابعا : ان ابراهيم صلوات الله عليه طلب هذاالمنصب لذريته " قال ومن ذريتي " الامر الذي يدل على انه كانت له ذريةوإلا كيف يطلب لهم الامامة وهم غير موجودين ؟ !! فان ثبوت شيء شيء لشيء فرع ثبوتالمثبت له او كما يقال ثبت العرش ثم انقش . وهو قد اعطي الذرية بعد ان كبر واصبحشيخا ولهذا قالت زوجته {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَابَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} [هود : 72] . فجعله نبيا وهو نبيتحصيل للحاصل وهو محال . فاذن منصب الامامة يغاير منصب النبوة تماما وليس المرادمن الامامة في الاية النبوة كما هو واضح لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد .
الوقفة الثالثة : ( ديمومة الأمامة في ذرية ابراهيم)
الاية صريحة في ان الامامة مستمرة في ذريةابراهيم ، ومن ذرية ابراهيم النبي صلى الله عليه واله وعترته كما هو واضح فهو إمامبلا ريب فيبنغي لنا ان نسأله عن الإمام الذي يله والذي يشترط فيه ان يكون من ذريةابراهيم و وليس ظالما فقبين النبي ص في مواضع متعددة ذلك من يوم الدارالذيجاء بداية الدعوة الى يوم الغدير الذي جاء نهاية الدعوة وقال قولته المعروفة( من كنت مولاي فهذا علي مولاه..) . فإن كانت الاية دليل على امامة النبي ص فهيدليل على امامة امير المؤمنين علي ع لإن الملاك واحد وهكذا هي مستمرة في عترةالنبي ص الى اخرهم عجل الله تعالى فرجه الشريف ..
الوقفة الرابعة : ( افادة الاية لشرط العصمةفي الامام )
اشتراط كون الامام معصوم من مختصاتنا نحن الشيعة وهذه الاية احد الادلة على ذلك وتحديدا من قوله تعالى في الاية اجابةلطلب ابراهيم " لا ينال عهدي الظالمين " وذلك بالتقرير الآتي:
كل انسان بعد ابراهيم لا يخرج عن هذه الاقسامالاربعة :
1ـ ظالم طوال فترة حياته .
2ـ ظالم في آخر حياته دون اولها .
3ـ ظالم في بداية حياته ثم تاب .
4ـ لم يقع منه الظلم على الاطلاق لا ظلملنفسه ولا لغيره " طاهرا نقيا "
اذا تاملنا في طلب ابراهيم الامامة لذريته حينقال " ومن ذريتي " فسنجد ان شيخ الانبياء صلوات الله عليه بعيد كل البعدعن طلب الامامة للقسم الاول والثاني الذَين يصدق عليهما عنوان الظلم فعلا لانهمايشتركان في صدق الظلم عليهما صدقا فعليا لانهما ماتا على هذه الحالة . هذا فيمايتعلق بالقسم الاول والثاني فيبقى القسم الثالث الذي تاب بعد ظلم والذي لم يظلماصلا ،وبما ان الله اجاب ابراهيم بان الظالم لا ينال عهدي فلا يصدق عنوان الظالمالمنفية عنه الامامة الا على القسم الثالث فيبقى الرابع وهو المقصود بالامامةالصالح لها .
ومن ابرز مصاديق الظلم هو الشرك {وَإِذْ قَالَلُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّالشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان : 13]
ومن تقدم على امير المؤمنين ع كانوا مشركين قبلالاسلام بخلاف امير الميؤمنين ..